وليكن نهاركم.. بلون ضميركم!

عصــام السـباعى
عصــام السـباعى

حكيت للجميع ما حدث.. من الأستاذ سعد إلى .. الأستاذ محمد إلى الأستاذ خالد، وكان ردهم .. واحدًا: لا يوجد حل سوى صدور حكم قضائى!

الأربعاء

لم أتخيل أبدا أن تكون نهاية ذلك العام بهذه الغرابة، وتلك الكوميديا، وكأن فيروس كورونا وحده لا يكفينا، لا أحكى هنا مشكلة شخصية، فلو كانت كذلك، ما فكرت لحظة فى كتابة سطر عنها، ولكنها عامة كما شاهدت وعرفت وتابعت، فقد يستيقظ أى واحد فينا من نومه، ويجد نفسه فى ورطة قضائية ضريبية، تجعله يلف حول نفسه، وتجعل عقله يدور حول قدمه، والحكاية باختصار بدأت بخطاب من إدارة التصرف العقارى بمصلحة الضرائب يطالبنى بسداد مبلغ كبير من المال، ولما عرفت أن نفس الخطاب قد وصل إلى كل الورثة وورثة من مات منهم وهم بالعشرات، لم أشعر بالقلق، فقد قمت فى وقتها ومنذ فترة طويلة بسدادها، وأصل الإيصالات معى، وتولى أحدنا مهمة التواصل مع تلك الإدارة، وراح وذهب وعاد وراح، حتى أكمل كل الورق المطلوب، وعند كلمة النهاية التى انتظرناها قالوا له: العقد الذى لدينا والمرسل من محكمة مصر الجديدة ومعه عريضة دعوى صحة توقيع، يختلف تمامًا عن العقد الأصلى المودع فى المأمورية العقارية.

 دارت بنا الدنيا.. متى تم رفع هذه القضية التى لا نعرف عنها أى شيء؟، ومن الذى أقامها، وهل سنكون بذلك متهمين ببيع نفس الشيء مرتين؟!، وبالتالى مطالبون بسداد الضريبة مرتين، وظهرت الحقيقة عندما كشفنا عن رقم القضية الذى حصلنا عليه من الضرائب فى المحكمة، وعرفنا أن الذى أقام الدعوى شخص لا نعرفه من العامرية فى الإسكندرية، والمحامى من القليوبية، أما الملف فلم يكن يحتوى سوى على صورة من العقد بدون أصل، أما مصيرها فقد حسمه القاضى بالشطب لعدم حضوره الجلسة، وتطورت الأمور فتلقيت خطابا من البنك يخطرنى بالحجز على حسابى لصالح الضرائب، ثم خطابا بالحجز على حساباتى بكل البنوك وكل ما لدى الغير حتى قيامى بسداد مبلغ ضخم من المال لصالح الضرائب العقارية، وذهبت بنفسى لإدارة التصرف العقارى قبل أسبوع، المعاملة كانت جيدة للغاية، بالهم مع المتعاملين طويل جدا، حكيت للجميع ما حدث من الأستاذ سعد إلى الأستاذ محمد إلى الأستاذ خالد، وكان ردهم واحدا: لا يوجد حل سوى صدور حكم قضائى.. سألتهم: القضية ليست قضية موضوع ولكن صحة توقيع.. لا يوجد فيها سوى صورة عقد وليس الأصل.. المبلغ المطلوب سداده تم بالفعل سداده فى حينها بالأوراق الرسمية.. ما لديكم ليس سوى صورة دعوى وعقد ليس له أصل.. وما لدينا هو قرار وحكم من القاضى بشطب تلك الدعوى وبالتالى يسقط كل ما ترتب عليها، وانتهى الأمر بتقديم طعن فيما تم، وغادرت المقر بعد أربع ساعات، وأنا أدعو الله أن يكون نهار من "فبركوا" تلك الدعوى أسود مثل ضميرهم الذى أذانا وابتلانا!

القضاء.. ونزيف الدعاوى الوهمية!

الأحد

أعرف أننى لست خبيرا بمهنة المحاماة، ولا صلة لى بخبايا القوانين وإجراءات التقاضى، ولكنى من خلال تلك الخبرة القصيرة، أرجو من المستشار عمر مروان وزير العدل دراسة تلك المقترحات، ومنها مثلا ألا تقوم المحاكم بإخطار الضرائب بدعاوى صحة التوقيع وصحة البيع الخاصة بالتصرفات العقارية، وقصر ذلك على الأحكام، أو قصر ذلك على الدعاوى المرفوعة بعقود أصلية وليس مجرد صور، والأهم أن يتم وضع إجراءات جديدة لتجنب رفع قضايا وهمية بدون عقود أصلية، يتم بها استنزاف الوقت الثمين للقضاة ومن تحتهم، بداية من قيد الدعوى، وحتى نظرها فى الجلسة، ثم يشطبها القاضى، ومن أقامها نائم فى بيته غير عابئ بما يسببه من ضرر للجهاز القضائى والمواطنين المقصود الإضرار بهم، ولا أدرى هل يمكن إلزام أصحاب تلك القضايا الوهمية بسداد غرامات تمثل نسبة من قيمة العقد، أو حتى غرامة مقطوعة ثابتة؟ الرجاء الثانى من السيد الدكتور محمد معيط وزير المالية، وأتمنى لو طلب من السيد رضا عبد القادر القائم بأعمال رئيس مصلحة الضرائب المصرية، دراسة إمكانية إصدار منشور، باعتبار قرار القاضى بشطب مثل تلك الدعاوى بمثابة حكم قضائى ملزم، يجعل ما لدى إدارات التصرف العقارى من دعاوى فى حكم المنعدمة، لأنها بالفعل هى والعدم سواء، فقد تم تقديمها بصورة عقد، ولأن القاضى قرر شطبها وهو قرار فى مقام الحكم القضائى واجب الاحترام، وأخيرا أرجو فى حالة وجود مشكلة للتصرفات العقارية لورثة ما، أن يتم فتح ملف واحد للتصرف وليس ثلاثين ملفا بعددهم، يتضمن كل الإجراءات، فلا حاجة لتكرار نفس الإجراء باستثناء الحجز بالطبع. الرجاء الثالث والأخير من السيد اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، واللواء محمد عبد العظيم رئيس مصلحة الأحوال المدنية، بوضع ضوابط محددة وصارمة، بحيث يكون العنوان الموجود على بطاقة الرقم القومى وافيا وليس مبهما يحتوى فقط على اسم المسكن أو المنطقة فقط، ولا يمكن العثور عليه.

يا وارث.. «مين يقرفك»!

الثلاثاء

لم يكن فى تلك الدراسة ما يجذبنى لقراءتها، وكنت قد تعثرت بها فى وقت سابق وأنا أتابع مجلدا قديما لمجلة كلية آداب المنصورة صدر عام ٢٠٠٩ م، ولم يكن فى عنوانها ما يغرينى بقراءتها وهو "المواريث الحشرية فى عصر سلاطين المماليك"، ولكن ما جرى وكان بعدها، جعلنى أتابع صفحاتها من قبيل حب الاستطلاع، وبمجرد أن بدأت فى أول سطر واصلت القراءة فيها حتى آخر سطر، وحمدت الله بعدها على حسن أحوالنا فى زمن كورونا، صاحب الدراسة هو الدكتور البيومى إسماعيل الشربينى، وكما فهمت من التعاريف التى فيها، فكلمة "الحشرية" جاءت من يوم الحشر أو الرحيل، وتتناول مواريث من مات وليس له وارث، أو ما بقى من الميراث بعد توزيع الأنصبة والدين ومصاريف الجنازة، والذى يذهب لبيت المال، أما ما خرجت به فهو أن "الحشرية"، هم الذين يحشرون أنفسهم فيما لا يعنيهم من الأموال، وربما اشتق المصريون منها تعبيرهم عن "الشخصية الحشرية".

 تتناول الدراسة حكايات الضحك على الناس لسلب ميراثهم، كأن يقال إن ميتهم اعتدى على مال الدولة، أو أن ميراثه، سيصادر لأن عليه رسوما وضرائب، أو مات على غير الملة، أو جمع ماله من آثار تحت الأرض، أو أنهم طبقوا أحد المذاهب التى لا تورث ذوى الأرحام، خاصة وقد كان هناك قبل القرن الثالث الهجرى خلاف بين الفقهاء حول توريثهم من عدمه، وهو ما جعل بعض الحكام يورثونهم أو يجعلون بيت المال هو الوارث، لدرجة أن الناس والعباد أكثروا من الدعاء والثناء، على الخليفة المعتضد بالله العباسى ٢٨٣ ه لأنه أمر برد ما يتبقى من سهام ذوى القربى على ذوى الأرحام، أما الخليفة الحاكم، فتلقى ورقة بموت فلان وليس له سوى بنت، فكتب على ظهرها "المال مال الله واليتيم جبره الله والساعى لعنه الله وعلى مذهبنا يجوز أن ترث البنت جميع مال أبيها"، وقال المقريزى إن ذلك هو قول الإمام أبو حنيفة، وكان يطلق على المواريث أيضا اسم "الحشرية"، وهناك سلطان لقبه "العادل كتبغا"، أصدر مرسوما بمصادرة كل التركات، وكان نظار المواريث إما مشكورين أو مكروهين بحسب معاملتهم.. والحكايات هنا كثيرة عن "الطرحاء"، أى الموتى فى الحوارى فى زمن الأوبئة، الغريب أن ورثة البيت الواحد، كانوا يتتابعون فى اليوم الواحد لسبع مرات بسبب شدة الوباء، أما قصص تحايل المصريين للهروب من تلك الضريبة فغريبة عجيبة، تجذبك لقراءتها برغم كآبتها وقسوتها، وفى كل الأحوال فأهم شيء فهو التبصر بما كان، وفيما يمكن أن يكون.. والحمد لله على كل حال! عداد الأعمار.. وعداد الأعمال!

الثلاثاء

كل لحظة وكلنا بخير، الوطن وأهله وناسه وأحواله، ساعات ونودع عام كورونا، ونستقبل عاما جديدًا، نأمل أن نودع فيه ذلك الوباء، ولا أستطيع أن أقول إن ٢٠٢٠ كان عاما سيئا، ولن أضحك على نفسى وأعتبره جيدا، ولكن هكذا حال الدنيا "يوم حلو ويوم مر"، وما حدث أننى وفى لحظة تأمل، بدأت فى استعادة ذكرياتى مع تلك الساعات الأخيرة من كل عام مضى من عمرى، وأعترف أن مشاعرى أصبحت مختلفة تماما، فقد كان كل ما يشغلنى فى محطة ما من الزمن، هو عداد الأيام والدقائق حتى نصل إلى الاحتفال بأول دقيقة من العام الجديد، كان ذلك فى زمن الشباب والانطلاق ومحدودية المسئوليات، ولكن الوضع اختلف هذه الأيام اليوم أراقب عدادا من نوع آخر وهو "عداد العمر"، بعد أن وصلت إلى المحطة التى كلما مر احتفال برأس السنة الجديدة، أراقب ذلك العداد الذى لا أعلم أين سيتوقف، وكلما قلبت النتيجة، أعلم مع كل يوم يمر أن هناك ورقة تسقط من شجرة العمر، فيما مضى لم نكن نتوقف أمام تلك الأوراق، وفيما استجد لاحظنا كثرة العدادات التى تتوالد إلى جانب عداد العمر، فكل شيء من حولنا أصبح له عداد وحسابات، عدادات الكوليسترول والسكر وضغط الدم، عداد الكهرباء والغاز والموبايل، عداد الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعى، ويزداد اهتمامنا بعداد ليس له مثيل ولا نظير، إنه "عداد الأعمال".. عداد الحسنات.. عداد السيئات.. وبكل أسف ليس بيدنا لأن جزءا كبيرا من ذلك الحساب مرهون بنياتنا، ولا يعلمها إلا الله، ولا يحكم عليها إلا هو سبحانه وتعالى، وعلى نياتنا تكون أرزاقنا، ويتم حسابنا على أعمالنا.. وأنصح نفسى وأياكم بأن يصفى الله نياتنا، ويبارك لنا فى عداد حسناتنا، فلم يبق فى العمر بقية.. قولوا معى: آمين.

كلام توك توك: غير من صاحبك.. ومتحسدوش!

إليها: بينى فى الحب وبينك.. أنس وونس.

[email protected]