أمس واليوم وغدا

«مسمار» فى نعش الشراكة المصرية الأوروبية !

عصــام السـباعى
عصــام السـباعى

فجأة خرج علينا دخان أسود مع عدة روائح كريهة من فوق سطح مبنى البرلمان الأوروبي، وكأنه يقدم لنا علامات تحذير من خطر قادم ونار سيتم إشعالها هنا أو هناك، والمؤكد أن ذلك المشهد لا يجب أن يمر علينا بسهولة، بكل ما فيه من أكاذيب خرجت من ذلك البرلمان العنصري، وعلينا أن نتعامل مع هؤلاء اللئام بما يستحقون، لا أعنى فقط أن نكشف أكاذيبهم حول حقوق الإنسان فى مصر، ولكن أن نعلمهم كيف يتحدثون معنا، فمن أمن العقاب أساء الأدب !

  شىء جميل وجيد أن نسمع ونشاهد ونقرأ تلك الردود المنطقية والواقعية، التى صدرت من المجتمع المدنى، وكذلك البرلمان المصرى بغرفتيه للرد على نظيره الأوروبى، حيث رفض مجلس النواب كلام البرلمان الأوروبى، ‏جملة وتفصيلاً، وقد فضح الجميع ما فيه من أهداف مسيسة، ونهج غير متوازن وازدواجية فى المعايير ووصاية غير مقبولة على مصر وسلطتها القضائية، ورصده للعديد من المغالطات فى أكاذيب البرلمان العنصرى الأوروبي، من حيث افتقاده لمعايير الدقة المُتبعة فى العمل الحقوقي، وخروجه بشكل سلطوى وفوقى غير مقبول، فضلا عن كونه معجوناً بمياه عكرة مسيسة لخدمة صراعات سياسية إقليمية، ناهيك عن كونه يمثل تدخلا مرفوضا فى شئون القضاء ويمس إرادة الشعب المصري، كما أعجبنى الرد القوى من جانب مجلس الشيوخ، الذى كشف الاستغلال المفضوح لملف حقوق الإنسان.

 يبقى أن كل ذلك ليس كافيا، ويجب علينا المبادرة فورا إلى اتخاذ إجراءات سريعة لوقف مثل تلك اللعبة القذرة، وإغلاق الباب تمامًا أمام أى محاولة لابتزازنا بمثل تلك الأكاذيب، ولن يتحقق ذلك بدون التحرك الجماعي، وأن نكون جميعا يدا واحدة فى كل خطوة، كما سبق وفعلنا فى ثورة 30 يونيو، ونجحنا بعدها فى مواجهة الإرهاب الذى خرج علينا، وواجهنا مشاكلنا وأنجزنا المعجزة الاقتصادية وقلبنا الطاولة التى كانت تستهدف انهيارنا الاقتصادي، كما سبق وأوقفنا مخططات خارجية استهدفت منطقتنا فأحبطناها من حيث لا يتوقعون، وقد نجحــنا بلحمـتنا وتوافقـنا الوطــنى فـــى كل ما مضى، وسننجح كلنا حكومة وشعبا ومجتمعا مدنيا فى كل ما هو قادم، ومن بين ذلك تلك المهمة الوطنية.

القاعدة‭ ‬الأساسية التى ننطلق منها هى ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى فى باريس مؤخرا ∩لا يوجد ما نخجل أو نخاف منه∪، وأن الشغل الشاغل هو بناء الأمة المصرية ومحاربة الإرهاب وتوفير حياة كريمة وزيادة معدلات جودة الحياة للمواطن المصري، والأهم هو التوافق الوطنى حول خارطة الطريق التى نسير فيها، والثقة التى نوليها للقيادة السياسية، والمشاركة فى إنجاح تلك المهام الوطنية للإصلاح والتنمية، ومواجهة المخاطر والأطماع الخارجية التى تستهدف الدولة المصرية، وأن نكون على درجة من الوعى نميز فيها الصدق من الكذب، بين الحقيقة والشائعة، ونضع الحد الفاصل بين الوطنية والخيانة.

الخطوة‭ ‬الأولى كما أراها هى تفنيد أكاذيب البرلمان الأوروبى بموقف شعبى وحكومى حاسم وقاطع، وأتصور أن ذلك يمكن أن يتم على أكثر من وجه، وبدايتها أن تطلب الخارجية عقد اجتماع لمجلس المشاركة المصرى الأوروبي، وطرح مسألة مراجعة اتفاق المشاركة وإعادة تقييمه بعد مرور 16 سنة على دخوله حيز التنفيذ، خاصة وأن الاتفاق بدأ وعدد دول الاتحاد الأوروبى كان 15 دولة وحاليا 27 دولة نستقبل منتجاتها فى أسواقنا، بالإضافة إلى مراجعة أحد بنود الاتفاق الأساسية، وهو احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، فى الجانبين، وطرح بعض الملاحظات المصرية على انتهاكات حقوق الإنسان فى بعض بلدان الاتحاد الأوروبي، وإبداء وجهات النظر حول بعض القوانين الجديدة، وأوضاع اللاجئين، وغير ذلك من قضايا.

الخطوة‭ ‬الثانية أن يصدر البرلمان المصرى تقريره عن ملاحظاته حول انتهاكات حقوق الإنسان فى الدول الأوروبية، فالأمر لا يخلو من انتهاكات، ليس فقط على أرض أوروبا، ولكن ما ارتكبته دول أوروبية فى منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص قارة أفريقيا، ويرقى بعضها لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفتح ملف تجارة الرقيق الأبيض فى أوروبا، والانتهاك المستمر لحقوق الأقليات والتمييز العنصرى، خاصة ما يتعلق بالغجر فى شرق ووسط أوروبا، ومناقشة ما صدر عن البرلمان الأوربى من جانب واحد، رغم أن نص اتفاقية الشراكة، وفق البند 2 من المادة (٥)، ينص على إجراء حوار بين مجلس الشعب المصرى ∩النواب∪ والبرلمان الأوروبي، وأعتقد أن ذلك النقاش مهم جدا، لأن عدم اكتماله يعنى أن البرلمان الأوروبى يتحرك منفرداً، ويدق أول المسامير فى نعش تلك الشراكة، لأننا لن نكون هنا أمام ∩شراكة∪، بل ∩وصاية∪ كريهة مغرضة، والهدف من تلك الخطوة تفادى أن تصل الأمور لمرحلة فجة وغير مقبولة، تجبر مجلس النواب على دعوة الحكومة إلى مناقشة تطبيق المادة 89 الخاصة بإنهاء الاتفاق نفسه.

 الخطوة‭ ‬الثالثة هى إنشاء تحالف مدنى وطنى من عدد من منظمات حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني، يتولى مهمة التصدى لمثل تلك الأكاذيب، ويكشف العلاقات والتمويلات وأسباب التركيز على مجموعة نقاط تلاقٍ مشبوهة، لم تحظ بكل أسف بالاهتمام اللازم من جانب من تصدوا للرد على ∩الهرتلات∪ الأوروبية، وأعنى بها تلك الفقرة من البيان الوقح: ∩وقف أى نوع من الاضطهاد ضد المرأة بدعوى حماية قيم الأسرة المصرية، واعتماد قانون شامل بشأن العنف ضد المرأة واستراتيجية وطنية لإنفاذ القوانين المعتمدة ضد العنف الجنسي، بالإضافة إلى الإنهاء الفورى لاعتقال ومقاضاة أعضاء مجتمع المثليين أو التنكيل بالأفراد على أساس ميولهم الجنسية الحقيقية أو المتصورة∪، وكم أتمنى لو وجدت فكرة إنشاء مثل ذلك التحالف صداها بين الوطنيين من العاملين فى المجتمع المدنى، خاصة فيما يتعلق بتوضيح الأمور الخاصة بقضايا مجتمع الشواذ، والمرأة والطفل، ومن العجيب هنا أن المادة 26 من اتفاق المشاركة، تبيح حظر وتقييد الواردات والصادرات لاعتبارات الآداب العامة، فى حين يحرض الاتحاد الأوروبى ويمول كل الدعوات لفتح الباب أمام حرية الشواذ، أى يوافق على مبدأ حظر تجارة ∩ القاذورات∪ فى السلع والخدمات، ويسمح بتصديرها والترويج لها بين البشر !

أتمنى أن نتصدى لكل تلك التخاريف التى تجعل الأوروبيين أوصياء على المرأة المصرية بدعوى أنها تتعرض للاضطهاد والعنف الجنسي، والمرأة عندهم ∩مطحونة∪، وأكاد أقول إن المرأة المصرية تتمتع بحقوق لا تحصل عليها ∩الأوروبية∪، ومجرد مثال سنجد أن متوسط أجورهن فى دول الاتحاد الأوروبى أقل بنسبة 16% عن متوسط أجور الرجال الذين يؤدون نفس الوظيفة، والحمد لله لا يوجد عندنا ∩الأجر العقابي∪، حيث تُفاجأ المرأة العاملة بعد عودتها من إجازة رعاية الطفل، بتعيينها فى وظيفة أقل أجرا أو تحويلها إلى عاملة بالساعة، والنهاية وجود تفاوت كبير فى معاش التقاعد بين النساء والرجال يصل إلى حوالى 36%، والأهم أنه لا توجد لدينا تجارة شرعية فى الرقيق الأبيض، ولا مئات الألوف من النساء فى أسواق الدعارة، ولم يثبت أننا تاجرنا فى البشر، ولا استغللنا اللاجئين كعبيد، أما عن العنف ضد المرأة وقتل الأزواج لبعضهم البعض، والتحرش والاغتصاب الجنسي، فيكفيكم زيارة لإحصاءات منظمة الصحة العالمية ومكتب الإحصاء الأوروبى.

ومرة أخرى أؤكد: من أمن العقاب ..لابد وأن يسىء دائما الأدب.. ولن نقبل أبدا بذلك.. ودائما ودوما وأبدا.. ∩تحيا مصر∪.