المراهقون 

إيهاب فتحي 
إيهاب فتحي 

بقلم :- إيهاب فتحي 

منذ أيام تم اغتيال عالم الذرة الإيرانى فخرى زادة بالقرب من العاصمة الإيرانية طهران فى وضح النهار وهو المشرف على منظمة البحث والتطوير المسئولة على البرنامج النووى الإيرانى وخاصة الجانب العسكرى منه وحسب القوى التى تستهدف طهران فزادة معروف بأنه مهندس مشروع القنبلة النووية.


تشير تفاصيل عملية الاغتيال إلى أن المنفذين على درجة من الثقة والاحتراف فى تنفيذ مهمتهم ، فقد تم تصفية فريق الحراسة المصاحب لزادة بإطلاق النارعليه ثم تولت سيارة مفخخة إكمال العملية بنجاح.


لم يكن استهداف فخرى زادة أمرًا خفيًا على أجهزة الأمن الإيرانية من القوى التى تستهدف برنامجها النووى وعلى رأس هذه القوى إسرائيل فقبل عامين وفى مؤتمر صحفى أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو اسم زادة وحدد عمله داخل المنظومة الإيرانية وأنه المسئول عن إعطاء إيران قنبلتها النووية. 


جاء الرد الإيرانى كما هو معتاد أعلنت طهران أنها سترد وتنتقم فى الوقت المناسب، يأتى رد طهران مطابقًا لما رددته فى يناير الماضى عقب اغتيال قاسم سليمانى الرجل القوى فى إيران وقائد فيلق القدس الذراع الخارجية لعمليات الحرس الثورى الإيرانى ويبدو أن تصريحات طهران لاتخرج عن نطاق التصريحات . 


أرجعت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية نجاح عملية الاغتيال بسبب القصور الشديد فى عمل أجهزة الاستخبارات الإيرانية التى لم تستطع حماية فخرى زادة أمل إيران فى صنع قنبلتها النووية والتى تتحدى العالم من أجل صناعتها ، اتفقت أغلب التحليلات مع رأى الواشنطن بوست حول وجود هذا القصورالأمنى الشديد بسبب ملابسات عملية الاغتيال، فأجهزة الأمن الإيرانية لم تتوقع وصول فريق مدرب على عمليات الاغتيال إلى أراضيها أو كان بالفعل داخل أراضيها هذا غير استخدام سيارة مفخخة فى تنفيذ العملية وتم كل ذلك  فى وضح النهار شرق العاصمة الإيرانية طهران. 


تبدو هذه التحليلات منطقية إذ كانت عملية اغتيال فخرى زادة هى عملية أولى من نوعها على الأراضى الإيرانية أو على الأقل لم تتكرر كثيرًا لكن تاريخ العشر سنوات الماضية يقول غير هذا فخلال هذه السنوات تم تصفية أكثر من ثمانية علماء إيرانيين يعملون فى البرنامج النووى الإيرانى ولم يتوقف الأمر على اغتيال العلماء.


 تعرضت المنشآت النووية الإيرانية المفترض أنها سرية ومحاطة بحراسة مشددة لعمليات تخريب مباشرة وحرائق غامضة غير الهجمات السيبرانية على كل أعمال البرنامج النووى وتم اختراقه بالكامل، تشير هذه الوقائع المتتابعة إلى أن القصور الأمنى ليس هو فقط السبب وراء هذا الاختراق الفادح لكل ماهو سرى فى طهران. 


هناك وسائل متعددة فى أى دولة لمعالجة القصور الأمنى الذى تواجهه فعقب عملية أو اثنتين يمكن تغيير الأشخاص المسئولين عن هذا القصور أو تلافيه بوضع خطط تأمينية بديلة لحماية أسرار الأشخاص المهمين. 


على مدار العشر سنوات الماضية لم تفعل طهران هذا ولم تستطع علاج قصورها الأمنى رغم علم نظام الملالى الذى يحكمها بالاستهداف المستمر لبرنامجه النووى الذى يصر عليه ويتحدى العالم من أجله.


عدم رد الفعل الإيرانى هذا يطرح سؤالا لماذا لم يتحرك نظام الملالى الإيرانى ويحصن دوائره من هذا الاختراق مثل كل الدول ؟. 


إجابة هذا السؤال توضح عمق الأزمة الإيرانية وأن الموضوع ليس سببه قصورًا أمنيًا عابرًا يمكن معالجته بالأساليب المعتادة ، تكمن الإجابة فى أن إيران بنظامها الحاكم ليس دولة ولا يتبع نهج الدولة فى إدارة أموره فمنذ العام 1979 عام تولى الخمينى السلطة فى طهران وإيران تدار كتنظيم وليس دولة ولذلك فنظامها الحاكم يتبع مراهقة وعشوائية ما يسمى بالتنظيم الثورى ولا يسير على منهج الدولة المنضبط ،يستطيع منهج الدولة احتواء أى قصور ثم وضع الخطط لمواجهته حتى الإنهاء عليه أما مراهقة ما يسمى بالتنظيم الثورى فتعتمد على الشعبوية والتصريحات الرنانة والادعاءات والصفقات السرية التى تخدم أعضاء التنظيم وليس الشعب الذى ابتلي بسيطرة هؤلاء المراهقين على حكمه .


تكون الكارثة أكبرعندما لا يكتفى المراهقون بقناع الثورة بل يزيدون الشعوب ابتلاءً عندما يغلفون هذا القناع بالمسحة الدينية والدين منهم براء ودائمًا يكون مراهقو مايسمى بالتنظيمات الثورية المتمسحة بالدين على عداء شديد مع فكرة الدولة فى حد ذاتها لأن الدولة هنا تمثل العقلانية والانضباط والتنمية وسيادة القانون كل هذه القيم الرفيعة التى ترعاها الدولة من أجل مصلحة شعبها.


تأتى هذه القيم الرفيعة على النقيض تمامًا من عشوائية وانتهازية هذه التنظيمات، هذا غير المصالح والمكاسب الذى يحققها ما يسمى بالتنظيم الثورى المتمسح بالدين ويكون سلاحه فى تحقيقها الفوضى ومحاولة  تفتيت فكرة وجود الدولة لأن وجود الدولة يعنى نهاية الفوضى ودوام سيادة القانون ونهاية هذه العشوائية الثورية المتمسحة بالدين .


هناك دلائل مرتبطة بنظام الملالى فى طهران تؤكد فداحة سيادة مايسمى بالتنظيم الثورى المتمسح بالدين على مقدرات بلد ما وإيران هنا المثل الواضح ففى الداخل الإيرانى تجد أن منهج تفتيت الدولة سار بشكل منتظم فاختفت كل آليات الدولة الطبيعية لصالح هذا التنظيم المراهق وأوجد هذا التنظيم المراهق صيغ مشوهة فى إدارة الشعب المغلوب على أمره .


تختفى الصيغ الطبيعية فى حماية الوطن التى لاتفرق بين مواطن وآخر وتكون بوتقة لصهر كل الانتماءات وعلى رأسها قواتها المسلحة فيصنع النظام الثورى المراهق المتمسح بالدين مايسمى بالحرس الثورى الذى تقوم ولاءاته على تحقيق الأفكار المراهقة لسادة التنظيم ويصبح كل من يتبع هذه الولاءات عدوًا للمراهقين ومن أتبعها فله النصيب الأكبر من العطايا، يختفى جهاز الشرطة الطبيعى ويشكل المراهقون مايسمى بالباسيدج لمطاردة من يخرج عن أفكار التنظيم .ماذا كانت نتيجة تفتيت آليات الدولة لصالح مايسمى بالتنظيم الثورى المتمسح بالدين ؟ قصور أمنى فاضح مستمر لسنوات وسيستمر لسنوات مادامت الفكرة التنظيمية للدولة غائبة. 


هل تكتفى ماتسمى بالتنظيمات الثورية المتمسحة بالدين بكوارث الداخل ؟ الإجابة لا ...فهى تريد دائمًا تفتيت فكرة الدولة فى أى مكان تصل اليه ولعل الأمثلة الناتجة عن التدخل الإيرانى فى الوطن العربى واضحة فهى تشكل ميليشيات مماثلة للنظام الأم فى طهران وظيفتها الرئيسية اختطاف الدولة فى البلد المنكوب بوجودهم. 


تتخفى هذه الميليشيات الفيروسيىة وراء لافتة الدين والدين منهم براء لتبدأ سلسلة من الكوارث وبنظرة بسيطة لخريطة الوطن العربى نجد آثار هذا الوباء وميليشياته المسلحة منتشرة ونجدها تتمسح فى مايسمى بالمقاومة أحيانًا وتتمسح فى الدين دائمًا لتحقيق مكاسبها الشخصية والثمن تدفعه الشعوب المختطفة دولتها.
لا يفرق المذهب الدينى بين مايسمى بالتنظيمات الثورية بعضها البعض بل يجمعهم غرض واحد وهو صنع الميليشيا فى مواجهة الدولة، فحلفاء الملالى هم جماعة الإخوان الفاشية وامتداداتها فى النظام الإخوانى الذى يحكم اسطنبول والذى يسير على نهج الملالى وجماعته الإرهابية فى تدمير الدولة و يجب ألا نتعجب عندما نجد الملالى يرعون إرهابي القاعدة ويوفرون لهم الملاذ الآمن لأن الأشرار هدفهم واحد وهو  إشاعة الفوضى ومحاربة فكرة الدولة ليحققون أغراضهم وأغراض من يحركونهم. 


بالنظر للشكل العام لكل من تنظيم الملالى والجماعة الفاشية ستتطابق المسميات فهناك المرشد الأعلى للثورة وفى الإرهابية المرشد العام ، هناك مجلس تشخيص النظام وفى الإرهابية مجلس شورى الجماعة والأمثلة كثيرة ، لذلك لم يكن غريبًا أن فى السنة المشئومة التى تسلل  فيها الفاشيست الإخوان الى السلطة كان اتصالهم الأول مع حلفاء الشر فى طهران من أجل الاستعانة بخبراتهم المدمرة فى محاربة آليات الدولة. 


الحقيقة أنه كان تحالف البؤساء المراهقين، فالدولة المصرية المتجذرة حضاريًا على هذه الأرض الطيبة منذ 7000 عام سحقت فى ساعات تحالف البؤس والمراهقين وميليشياتهم.


لعل فضائح نظام الملالى المتوالية الذى لا يستطيع طوال سنوات حماية أرضه وشعبه مكتفيًا بالتصريحات العنترية و أراد الفاشيست الإخوان تقليدها توضح الفارق الحاسم بين حكم الفوضى والميليشيا والمراهقون وحكم الدولة .