إنها مصر

زماااان.. واليوم !

كرم جبر
كرم جبر

لا يمكن أن تُلبس ابنتك عباءة أمك أو جدتك، ولا يمكن أن تقنع ابنك أن الجنيه يشترى عشر بيضات وكيلو سكر وباكو شاي، ولن يعود زمان حتى لو قلت للزمان ارجع يا زمان، رغم ذلك فالجيل الحالى أفضل من السابق، والسابق أكثر وعياً ممن سبقه، وإلا ما تغيرت الدنيا وما تقدمت للأمام.
كل جيل يبكى على حاله، ويستدعى السابقين ويترحم على أيامهم، وسيد درويش منذ أكثر من قرن كان يشكو من تدهور المستوى الأخلاقي، ومن قبله ومن بعده يفعلون نفس الشيء.. ففى أى أزمنة أو أوقات كنا طيبين وخيرين؟ وإذا كنا جميعاً نشكو من بعضنا البعض، فمن هو «الكويس» ومن هو «الوحش»؟. الجيل الحالى يمتلك «القدرة» ويفتقد «القدوة»، والشباب مولع بالبحث عن مثل أعلى، يقتنع به ويؤمن بمبادئه ويسير على دربه.. وفى بلادنا زاد الشعور بأزمة الأخلاق نتيجة افتقاد القدوة، واتساع الهوة بين الأجيال، وافتقاد حلقات التواصل بينها.
لكل وقت أذان، وزمان كنا نشاهد طلبة الجامعة فى أفلام أبيض وأسود، يرتدون البدلة كاملة، حتى لو كانت فقيرة، والكرافت والشنبات والأحذية اللامعة، ومصففى الشعر وحليقى الذقون، الآن اذهب إلى أى جامعة، تى شيرت والذقون متسخة والشعر منكوش، والجينز ممزق ومتسخ، واللغة غريبة والمفردات صادمة، وأحياناً تجد شاباً يرتدى بنطلوناً صورة طبق الأصل من بنطلونات البنات.
بنات أمس، شبه نادية لطفى وزبيدة ثروت وفاتن حمامة، هوانم، رقة وذوق وشياكة، واستايل مصرى أصيل يوحى بالروعة وعنوانه «الست دى مصرية»، والله يرحم أيام زمان حين كانت الفتاة المصرية وردة العرب، قبل ظهور اللبنانية والتونسية.. بنات اليوم، اختفت الفساتين والأزياء الراقية، وظهرت الملابس ذات القطع الصغيرة، الجينز المقطع والبلوزات اللاصقة والكوتشي، ونادراً ما تجد بنتاً ترتدى حذاء يلمع، وتقريباً صغرت الأحجام وانكمش الطول وقل العرض، وأصبحت معظم البنات صغيرات الحجم، مع أن الوجبات السريعة تفعل العكس.
وانتشر الكذب والرياء.. وفى الواقعة الواحدة تتعدد الشهادات، وفى المحاكم انتعشت فئة اسمها شهود الزور، وإذا صادفك حظك العثر بأولوية المرور مع سيارة أخرى، فسوف تسمع ما لا تحبه ولا ترضاه، دا غير لو ركنت سيارتك خطأ أمام مقهى أو محل عصير، فتجد الكاوتش على الأرض، حتى لا تفعلها ثانية.
من ناحية المضمون، فالتغيرات التى طرأت على الشخصية المصرية فى السنوات الأخيرة حادة ومرعبة.. اختفت الشهامة وكانت علامة مميزة للجدعان أولاد الشارع والحارة، فيهبون لنجدة امرأة مأزومة، ويمنعون المعاكسات ودخول الغرباء، أما الآن فابن الحتة هو الذى يعاكس جارته ويصورها بالموبايل.
الموبايل تحول إلى شيطان، إذا صدمت سيارة مواطناً ودمه يسيل، التف الناس حوله ليس لإنقاذه ولكن لتصويره بالموبايل، ولا تطمئن وأنت تتحدث مع صديق أو غريب، لأنه يسجل كلامك، وإذا دخلت أى مكان تجد الجميع منشغلين عن الحديث والتواصل، باللعب فى الموبايل.