عاجل

تزوير الأختام .. «كله بتمنه» في فاترينات العتبة

تزوير الأختام
تزوير الأختام

◄«الأخبار المسائي» تحصل على أختام رسمية لـ(نقابة المهندسين).. خلال ساعتين بـ600جنيه
◄خضنا المغامرة باعتبارنا ننهي (إجراءات التصالح علي منزل مخالف).. ونحتاج الختم لإنهاء إجراءاتنا 
◄«المزور» طلب صورة واضحة للختم علي أي أوراق ..وإرسالها بـ(البلوتوث) وليس الواتس 
◄صاحب محل: ختم النسر من3 آلاف إلى 10 آلاف وكله متاح طبق الأصل فى ربع ساعة.
◄وآخر: مافيش فصال عشان اللعب مع الحكومة مافيهوش جدال
    

كتب: ريم حمادة- ناجى أبوالمغنم 


في قلب القاهرة، وبأحد الشوارع وسط ميدان العتبة، تجد كل شىء يُباع ويُشترى، ليس فقط السلع والأجهزة والمستلزمات المتنوعة، بل أيضاً من يبيعون ضمائرهم من ضعاف النفوس، رافعين شعار « كله بتمنه»، غيرعابئين بخطورة ما يفعلونه وللبحث عن كيفية استخراج الأختام المزورة، من داخل أسواق صناعة الأختام بمنطقة العتبة.. لنحصل بالفعل علي (ختم نقابة المهندسين) خلال ساعتين، وخلال يومين خاض محررا (الأخبار المسائى).. مغامرة حية وواقعية، للبحث عن طريقة للحصول على الأختام المطلوبة لأوراق التصالح علي البناء.


فلو أردت صناعة أي ختم مهندس أو مستشفى أو طبيب أو نقابة أو مصلحة حكومية أو خاصة أو حتى ختم النسر.. كل ذلك متاح ،بمحلات العتبة ولكن الجديد أنه متاح لأي مواطن ومُباحة لكل من يطلبها للتلاعب بها والتزوير في أي أوراق رسمية. 


كانت البداية مع رصد «الأخبار المسائي» في تحقيق سابق استغلال بعض المهندسين لأصحاب المنازل المخالفة للبناء لإنهاء أوراقهم الهندسية بأسعار مبالغ فيها، دون رقيب أو حسيب عليهم، إلا أننا ومع حديثنا مع عدد من أطراف الأزمة، دلنا البعض أن عدد من المواطنين يقعون فريسة لبعض من شباب المهندسين والذين يلجأون لحيلة غير سوية علي سبيل تربحهم من جيوب البسطاء، حيث يلجأون لتزوير الأختام لإنهاء المستندات التى تتطلب ( رأي الاستشارى )، والتى يتوجب استخراجها واعتمادها من مكاتب المهندسين الاستشاريين.. العجيب أيضاً فيما سمعناه أن الأمر ليس بالصعب وأنهم لا يحتارون كثيراً بل يجدوا الطريق لذلك ممهدة لا تعثر فيها من خلال عدد ليس بالقليل ممن يقومون بتلك المهمة دون أن يدركوا خطورة ما يفعلون، ولتقصى حقيقة الأمر قرر محررا الأخبار المسائي خوض هذه المغامرة والحصول على هذه الأختام ..

 


الزيارة الأولى 
توجهنا إلى ميدان العتبة وبالتحديد في شارع محمد علي المتفرع من شارع عبد العزيز حيث تتراص المحلات المصنعة لهذه الأختام، ففي مطلع الشارع على الناحية اليمنى كان المحل الأول الذي قابلناه لرجل خمسيني يجلس أمام مكتبته الخاصة لعمل الأختام، بادرنا بالسؤال : «أوامركم اتفضلوا، عاوزين إيه؟».


.تحركنا صوبه وأبلغناه أن وحدتنا السكنية الجديدة التي اشتريناها في منطقة المريوطية مخالفة ونسعى لتقنين وضعها، والمهندس الاستشاري يطلب مَبالغ كبيرة من أجل إنهاء الأوراق ولكن أحد المحبين نصحنا بشراء الأختام التي تحمل اسم أي مكتب استشاري وعمل الأوراق، فابتسم الرجل وقال :«طلبكم عندي وأنتو أحق بفارق الفلوس اللي هياخدها المهندس»، اطمأن الرجل لنا خاصة بعدما تحدثنا معه باللهجة الصعيدية ،وفتح قلبه لنا دون أن يعلم حقيقة هويتنا التي أخفيناها عنه. سألناه عن السعر، فأجاب: مش هنختلف بس هاتوا صورة الختم ومتقلقوش أو خلو حد يبعتهالكم على الواتس»، أعدنا تكرار السؤال ذاته عن السعر بحجة معرفة ما سنوفره، فأشار إلى أن الأسعار تتفاوت على حسب نوع الختم، وأهميته والجهة التابع لها والمكان المقدم له ولكن الأختام والتي نحتاجها نحن روتينية وقيمتها بسيطة لا تتعدى 100جنيه، مؤكداً أيضاً أنه يستطيع «ضرب» أي ختم مهما كان حتى ختم النسر والذي يرتفع سعره ليصل من 3 آلاف جنيه حتى10 آلاف طبقاً لجهة إصداره.


بعدما أدركنا إمكانية تزوير الأختام ونسخها مقابل حفنة من الجنيهات لا تساوي شيئاً في مقابل سلامة الأرواح، أخبرناه أننا سنتركه الآن كي نعود له لاحقا وبرفقتنا صورة من الأختام التي نريدها .


..انصرفنا عنه وعلى بعد بضع خطوات توجهنا لفاترينة أخرى يعتليها عدد من الأختام ويجلس أمامها أحد الشباب ينتظر زبائنه الراغبين في عمل أختام بطريقة شرعية أو حتى غير شرعية، اقتربنا منه وسألناه عن إمكانية تقليد أختام خاصة بمكتب استشاري، فأكد على إتاحة كل شيء، قائلاً:»كله بيتعمل ويبقى زي الفل وريني صورته وربع ساعة ويكون معاك»، وعن سعر الأختام أكد أنها تتراوح بين 60 جنيهاً للختم المعدن ذو الحبر الذاتي، و40 جنيهاً للختم الخشب الذي يعبأ بالحبر، أما المحل الثالث فأسعاره لم تختلف كثيراً إلا أنه أكد أن التفاوت في السعر لديه يرجع لشكل الختم ( دائري أو بيضاوى أو مربع)..وليس نوعه 

 


الزيارة الثانية 
بعد أسبوع تقريباً من الزيارة الأولى وفي الثالثة والنصف عصر يوم الخميس الماضي كان محررا الأخبار المسائي على موعد مع محترفي تزوير الأختام بالعتبة، دخلنا من أحد الشوارع الجانبية واقتربنا من أحد المحال التي كنا قد تأكدنا في الزيارة السابقة أن كل شىء متاح عندها، في البداية، قابلنا صبي لا يتعد الخمس عشر عاماً، كان يقف بخارج المحل أمام فاترينة، عرضنا عليه الختم الخاص بالمهندس الاستشاري فحدد 40 جنيهًا، وبعدها عرضنا عليه ختم نقابة المهندسين فأبدى الصبي رفضه قائلاً :»لا لازم موافقة من الجهات الرسمية، دا ختم رسمي «، وقبل أن تغدو الدقيقة الأولى من حديثنا معه، خرج لنا شاب أربعينى يبدو من تصرفاته أنه صاحب المحل أو مسؤول عن إدارته، قائلاً: بعد أن شاهد الأوراق : «هعمله عشان خاطر ربنا وكله لوجه الله»، بس هاخد «7 ورقات من أم 100 جنيه وبكده هكون عامل معاكم الواجب».


تبادلنا معه الحديث في محاولة منا لتخفيض المقابل الذي سيحصل عليه، إلا أنه أوقف حديثنا قائلاً: «اخلص بس الناس دى ونتفق «، ونظراته تخبرنا أن علينا التزام الصمت، وأن هذا الكلام غير مباح الحديث فيه أمام الزبائن، وبعد بضع دقائق رحل الزبائن وبادرناه بالسؤال وكان حديثنا معه باللهجة الصعيدية، وحاولنا أن نذكره بأنفسنا فلم يستغرق كثيراً حتى قال «أيوه أنتم بتوع المصالحات، بس الفلوس دى مش كتيرة على ختم النقابة ،هو اللعب مع الحكومة أصلاً مفيهوش جدال، عارفين لو حاجة خاصة بأختام المصنفات كان عادى مش هتفرق.


ومع إصرارنا على «الفصال»، وإخباره أن الظروف المادية ليست ميسرة وإلا كنا دفعنا ما طلبه منا المهندس، وبعد دقائق من المحايلات تنازل عن 100 جنيه فقط ،وبات السعر الكلي للختمين (600 جنيه)، وطلب منا ( 200 جنيه) تحت الحساب وكذلك تقارير تبدو بها الأختام أكثر وضوحاً ،وأن نرسلها له عبر (البلوتوث) وليس الواتس اب، ثم طلب منا أن نعود له بعد ساعة لاستلام الأختام .


وبالفعل تحركنا من أمامه ونظراته تلاحقنا وكأنه غير مطمئن القلب ولكنه قام بفعل ما تعود عليه وفقاً لما أخبرنا سابقا، انتهت الساعة ونحن نتجول في أروقة شارع عبدالعزيز وعدنا له وكنا حينها قد أظهرنا له حالة من القلق والتوتر والاستعجال فدخل في ممر ضيق ثم عاد وقال لنا «لسه الحاجة مخلصتش لسه نص ساعة كمان»، وبعد أن شاورنا الشك خوفاً من أن يكون قد اكتشفنا، جاء شاب من الممر الداخلي يخبره بأن المشكلة التقنية قد حلت فعرفنا سبب التأخير وأن موقفنا ليس مقلقاً، وهنا حاولنا التسلل إلى ذلك الممر لنستعجل الشاب المسؤول عن تصميم شكل الختم والكلمات المكتوبة داخله والذى كان يتنقل بين جهازين كمبيوتر عليهما برامج «adobe « وغيرها من برامج الفوتوشوب، وبسؤاله عن سبب التأخير قال : مش عايز حد ياخد باله بخلص الناس الأول، حتى دخل إلينا وعندما لاحظ الشاب الأخر امتعض وتغير لون وجهه واكتسى بكل ألوان الطيف وصرخ غاضباً «خليكوا بره خليها تعدي مستورة معاكو»، وبعد ساعة أخري من الانتظار استلمنا الأختام بعد تجريبها، ودفعنا له باقي المبلغ وعودنا بها لمقر الجريدة لنشر الواقعة كاملة كبلاغ للنائب العام .