يوميات الأخبار

للفقيد الرحمة.. وللأسرة فاخر العزاء

أحمد الإمام
أحمد الإمام

«يستحيل تحصين أى أمر ضد الأغبياء لأن غباءهم مبدع».

فى صيف 2002 كان لقائى الأول مع ملك صحافة الحوادث الراحل محمود صلاح عندما قدمنى اليه الكاتب الصحفى الكبير محمد رجب، باعتبارى شابا واعدا يبحث عن فرصة فى بلاط صاحبة الجلالة.

وكان عربون التعارف بيننا تحقيقا صحفيا بعنوان «بزنس الموت فى مصر» وتتلخص فكرة التحقيق فى تحول الموت إلى اقتصاد قائم بذاته يصل حجمه إلى ملايين الجنيهات سنويا.

وتناولت فى تحقيقى كل ما يرتبط بما يمكن أن نسميه بزنس الموت بداية من الحانوتى الذى يتولى تجهيز الميت والمغسل الذى يتولى تغسيله وتكفينه والتربى الذى يتولى عملية الدفن، وبائع القماش الذى يبيع الأكفان بأنواعها، وصاحب محل الفراشة الذى يتولى إعداد سرادقات العزاء، والقارئ الذى يتلو آيات الذكر الحكيم فى ليلة العزاء، وصاحب محل الورد الذى يبيع الزهور التى توضع فوق القبور، وصاحب المخبز الذى يتولى تجهيز «القرص والفطائر» التى جرى العرف على تسميتها «الرحمة» ويتم توزيعها على الاطفال الذين يعيشون مع اهلهم داخل المقابر كصدقة جارية على روح المرحوم.

وختمت تحقيقى بالارقام الضخمة التى كانت تحصدها صفحات الوفيات فى الصحف القومية الكبرى وخاصة الاهرام والاخبار.

وانبهر الاستاذ محمود صلاح بالتحقيق بعد أن أذهلته الأرقام الفلكية التى ينفقها المصريون سنويا على الموت، وترجم هذا الانبهار بقرار فورى بنشر الموضوع على صفحتين كاملتين فى العدد الذى كان يتم تجهيزه من أخبار الحوادث، وأصر على وضع اسمى على الموضوع على الرغم من انه لم يكن هذا الامر شائعا فى هذا التوقيت لأن أى محرر جديد كان ينتظر شهورا طويلة حتى يتم نشر اسمه على شغله.

وأثار هذا الموضوع ردود فعل واسعة عند نشره وكتب شهادة ميلادى فى مؤسسة أخبار اليوم العريقة.

لا أدرى لماذا استدعت ذاكرتى تفاصيل هذا الموضوع تحديدا الاسبوع الماضى عندما قادتنى قدماى إلى القاعة الفخمة الملحقة بأحد المساجد الجديدة على أطراف القاهرة لتقديم واجب العزاء فى وفاة والدة أحد أصدقائى وشاهدت حجم البذخ والاسراف فى هذا العزاء.

كان العزاء مذهلا بكل ما تحمله الكلمة من معان، بداية من البخور المستورد الذى يصل سعر الجرام الواحد منه إلى آلاف الجنيهات وكان يتصاعد عبقه النفاذ من مبخرة فضية ضخمة زينت مدخل القاعة، مرورا بكمية المصاحف الكبيرة التى تم توزيعها على الحضور متضمنة فى صفحتها الاولى اسم المرحومة والدعاء لها بالرحمة والمغفرة، وكان هناك عدد من المصورين الذين ظلوا طوال العزاء يلتقطون الصور للمعزين الذين توافدوا على المكان لتقديم واجب العزاء إلى جانب مصور فيديو ظل يسجل كل تفاصيل العزاء صوتا وصورة لحظة بلحظة. آلاف الجنيهات تم انفاقها فى ساعات قليلة من أجل الوجاهة الاجتماعية والاستعراض..

آلاف الجنيهات تم انفاقها بلا فائدة وكان من الأولى إخراجها كصدقة جارية على روح المرحومة لعلها تنتفع بثوابها.. آلاف الجنيهات تم انفاقها بلا حساب فى سويعات معدودة على الرغم من ان الحق تبارك وتعالى لم يطالبنا سوى بإكرام موتانا بدفنهم ثم الترحم عليهم والدعاء لهم.

 قوانين ميرفى

كل من شاهد حلقات المسلسل الشيق «ما وراء الطبيعة» المستوحى من سلسلة كتب بنفس العنوان للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق استوقفته عبارة قانون ميرفى التى وردت على لسان الدكتور رفعت اسماعيل الشخصية الرئيسية فى العمل والتى أداها ببراعة الممثل الموهوب أحمد أمين.

ولقوانين ميرفى حكاية طريفة يرويها الصديق المبدع دكتور رءوف رشدى قائلا: فى عام 1949، وفى قاعدة إدوارد الجويّة فى الولايات المتحدة، كان إدوارد مورفى وهو مهندس برتبة نقيب فى الجيش الأمريكى يعمل فى أحد المشاريع الجديدة، واستمرّت التجارب ليوم كامل ورغم نجاحها إلا أن أجهزة القياس لم تسجّل أى بيانات، ليكتشف مورفى أن الأسلاك تم توصيلها بطريقة خاطئة، وهذا ما جعله يقول متذمّراً:

«إذا كانت هناك طريقتان مختلفتان لعمل شيء ما وإحداهما تؤدى لحدوث كارثة، فإن أحدهما سيؤدى العمل بالطريقة الكارثية حتماً، وإذا كان ذلك الرجل لديه فرصة ولو ضئيلة لارتكاب خطأ، فإنه سيرتكبه».

ومن وقتها انتشرت تلك العبارة فى قاعدة إدوارد على شكل نكتة ساخرة، لتُعرَف باسم قانون مورفي، ولتتحوّل لاحقاً إلى قانون معتمد تمّ أخذه على محمل الجدّ بحسب قانون الاحتمالات.

ومن القوانين الرئيسية لمورفي، والتى تتفرّع عنها باقى النظريات «قوانين ميرفى الثلاثون لسوء الحظ»:

١- كل شىء يتعطل فى الوقت نفسه.

٢- يستحيل تحصين أى أمر ضد الأغبياء لأن غباءهم مبدع.

٣- لو سار كل شىء على ما يرام، فأنت لم تلحظ الخطأ فقط.

٤ - الكون ليس غير مبالٍ بالعلماء فقط.. إنه ضدهم على طول الخط!

٥- أى سلك تقطعه حسب طول معين، فهو دائما اقصر من اللازم.

٦- قطعة التوست تسقط دائماً على الجانب المدهون بالمربى!

٧ - الأمر يستغرق وقتاً أكثر مما توقعت له.. مهما فعلت!

٨- الطفل لا يتقيأ وهو فى الحمام.

٩- فرصة نسيان شىء مهم تتناسب طردياً مع أهميته.

١٠- كل حل يخلق مشاكل جديدة.

١١- الشىء الذى يسقط.. يسقط فى المكان الذى يسبب فيه أكبر ضرر ممكن!

١٢- بعدما تشترى بديلاً للشىء الذى بحثت عنه كثيراً ولم تجده.. يظهر.

١٣- بمجرد شراء تلك السلعة النادرة، سوف تجدها معروضة فى كل مكان وأرخص مما اشتريتها!

١٤- كل شىء ممتع فى الحياة غير قانونى أو غير أخلاقى أو يسبب السمنة!

١٥- كل شىء يقع فى الحمام لا بد أن يسقط فى المرحاض.

١٦- أى شىء تضعه فى مكان أمين، لن تجده أبداً ثانيةً!

١٧- الأفكار العظيمة لا نتذكرها أبداً، والأفكار الغبية لا ننساها.

١٨- الرجل الذى يقف أمامك فى الطابور الحكومى يقوم بأعقد إجراءات ممكنة!

١٩- إذا أخبرت رئيس عملك كذباً بأن إطار سيارتك قد تسبب فى قدومك متأخراً، فسوف ينفجر إطار سيارتك فى اليوم التالي، ولن تستطيع استخدام نفس العذر مرتين!

٢٠- المسار الآخر للسيارات يتحرك دائماً أسرع من الذى تسير فيه!

٢١- إذا كنت تقف فى طابور بطىء وقمت بتغييره، فطابورك الاول فجأة سيتحرك بشكل أسرع!

٢٢- من الخطأ أن تجعل أى أداة ميكانيكية تشعر أنك مستعجل، فحينها لن تعمل معك كما ينبغي!

٢٣- يتزاحم الأغبياء على المكان الذى يزدحم فيه الأغبياء.

٢٤- كثافة السجادة فى مكتب المسئول الذى استدعاك، تتناسب طرديا مع فداحة المشكلة.

٢٥- إذا وصلت للمحطة باكراً تأخر القطار، وإذا كنت مستعجلاً فاتك.

٢٦- لا يمكنك الاتصال برقم خاطئ وتجده مشغولاً!

٢٧- إذا وقع من يدك شىء دقيق، فتأكد أنه سيتدحرج إلى أن يصل إلى ألعن مكان لا يمكنك الوصول إليه!

٢٨- بمجرد أن تمتلئ يدك بالدهن ستضطر إلى حك أنفك!

٢٩- إذا ذهبت بجهاز تالف لا يعمل إلى الفنى لتصليحه فإنه هناك سيعمل.

٣٠- معرفة (قوانين مورفي) ومحاولة عكسها حتى ينعكس تأثيرها، لن يساعدك فى شىء!

هل رأيتم أن تلك القوانين رغم أنها تعبر عن صدف بلا شك إلا أنها تمثل واقعاً وروتيناً يومياً ولا يمكننا إنكار ذلك؟

 النيل مش نجاشى

فى ثلاثينيات القرن الماضى تغنى موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب بكلمات أمير الشعراء أحمد شوقى الخالدة «النيل نجاشى» ونسب فيها نهر النيل إلى ملك الحبشة الذى كان يحمل قديما اسم النجاشى.

كان هذا فى الماضى عندما كان النيل يجرى بحرية تامة من منبعه فى أعالى هضبة الحبشة حتى مصبه فى مصر مرورا بالسودان وقبل أن يفكر الاخوة الاثيوبيون فى حرمان مصر من حصتها المعتادة من مياه النيل منذ آلاف السنين.

ولكن بعد هذا السلوك العدائى الانانى من جانب الاخوة الاثيوبيين ضد مصر.. عفوا موسيقار الاجيال وأمير الشعراء فالنيل لم يكن فى يوم من الأيام نجاشيا.. ولن يكون.
النيل افريقى ومصرى وسودانى واثيوبى.. النيل هبة السماء للجميع بدون محاصصة أو تقسيم.. بدون منع أو منح.

مماطلات ومساومات وتعنت.. ثلاث كلمات تلخص رحلة المفاوضات الشاقة التى قطعتها مصر مع اثيوبيا على مدار 8 أعوام متصلة.

كانت مصر خلال المفاوضات طرفا شريفا راقيا.. لم تمنع عن الاخوة الاثيوبيين حقهم فى التنمية والرخاء ولكن الاثيوبيين هم من استكثروا على مصر حصتها التاريخية من مياه النيل التى تجرى من المنبع إلى المصب منذ آلاف السنين.

الأخ الكبير

دائما ما تستوقفنى كلمة الأخ لكبير كلما ترددت أمامى وتدفعنى للتساؤل.. من هو الأخ الكبير؟!

الأخ الكبير هو الذى يحتوى الجميع ويمنح الفرص للصغار حتى يصبحوا كبارا دون أن يخيفه تطورهم ونموهم الطبيعى ودون أن تقلقه موهبتهم.. بل انه يحب دائما أن يكون محاطا بالكبار.

وللأسف ابتليت مهنة الصحافة لسنوات بصغار وجدوا أنفسهم على مقاعد الكبار، فسعوا بكل طاقتهم لحجب كل موهبة حقيقية وتطفيش كل صحفى واعد حتى يظلوا وحدهم فى الساحة، وحتى لا يرى صاحب القرار سواهم، وشاهدنا عشرات المواهب تم إخراجهم عنوة من مؤسساتهم حتى يحتفظ بعض الأقزام بكراسيهم بعيدا عن المزاحمة والمنافسة.

لذلك كانت سعادتى كبيرة وأنا أشاهد نموذجا مختلفا من القيادات الصحفية.. رئيس تحرير شابا يمنح الفرص للجميع ويرعى المواهب الشابة ويساندها ويدعمها.. ويحترم الكبار ويعطيهم ما يستحقون من تقدير وتوقير.

هذا الرجل هو خالد ميرى رئيس تحرير الأخبار الذى لولاه ما خرجت هذه اليوميات إلى النور.. ولولاه ما خرجت عشرات اليوميات لصحفيين شبان كانوا يحلمون بهذه المساحة المضيئة التى تعاقب عليها عمالقة أفذاذ مثل أحمد الجندى واسماعيل النقيب واحمد زين ووجيه ابو ذكرى وجلال الدين الحمامصى وغيرهم من نجوم أخبار اليوم.
شكرا عزيزى خالد ميرى.. أنت الكبير.