يوميات الأخبار

لو كان هذا المحمول فى زمن لقمان ؟

د. مبروك عطية
د. مبروك عطية

وأذكر أن هذا الشاب حين أراد أن يتزوج قوبل برفض من بعض الفتيات قلن قولا واحدا: ده ما بيتكلمش.

 الدنيا بعين رسول الله
السبت:
نحن بلا شك نرى الدنيا بأعيننا التى فى وجوهنا، ونراها كل حسب ما يرى مكتفيا بعدسة عينه، أو يراها وفق ما يراها شعوره، وما العين إلا لاقطة أضواء لسر يكمن فيه، قبل أن تحرك الفيزيقا قواعدها المحضة التى لا صلة لها بما فى نفس الرائى، لكن إذا رأينا الدنيا بعين المصطفى ، أى تخيلنا أن العين التى فى وجوهنا قد منحناها إجازة طويلة، ووضعنا مكانها عين رسول الله  فكيف نرى الدنيا؟
وهذا التخيل فى الحقيقة يجب أن يكون واقعا نعيشه، أى لا ينبغى أن يكون حلما أو خيالا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتمونى أصلى، فنحن نطبع فى عقولنا من خلال رؤيتنا له ، وهو يصلى حتى نصلى مثله، وإن له التمام والكمال بلا شك، ومعنى ذلك أن أحدا لو نظر إلى أخيه، وهو يصلى فرآه يصلى صلاة صحيحة فما رآه على صحة فى صلاته إلا لأنه نظر إليه بعين رسول الله ، أى أنه صلى الله عليه وسلم لو رآه كما رأيناه لحكم بصحة صلاته.
وقد قال شيوخ الإمام البخارى رحمه الله فيه وهو صبى حافظ: لو رأى رسول الله  هذا الغلام لسره.
ما قال هؤلاء تلك المقولة فيه إلا لأنهم نظروا إليه بعين رسول الله صلى اله عليه وسلم، فهم إذن يعلمون ما الذى يسره ، وما لا يسره، فهلا استثمرنا هذا المعنى فى التربية والتعليم، وعلمنا الأجيال على هذا المعنى، أى علمنا أجيالا لو رآهم رسول الله  لفرح بهم، وسرهم ما هم عليه من إقبال على العلم، وحفظه، وفهمه، كما كان البخارى رحمه الله فى صغره!
هل قال والد أو معلم لتلميذ له: هل تحب أن يسر بك رسول الله صلى اله عليه وسلم؟ كن محبا للعلم، مقبلا عليه، ولا تضيع معظم وقتك فى اللعب، والقعود على نت وشات، بل اجعل معظم وقتك للاستذكار، والعب قليلا، أم أننا قلنا له: هل صليت على النبى اليوم؟
وكأنه مخلوق فى هذه الحياة ليقيم عبادة غير مكلفة، أن يصلى على المصطفى المختار -  - بفمه، وليس فى جوفه شيء من سنته، ولا منهج دينه، فما أطيب الصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وسلم والقلب هو آمر اللسان بالنطق بذلك بعد أن فاض بهدى من لا هدى إلا هديه، والله هو الذى هداه، وهدى به، وهدى له: ووجدك ضالا فهدى"، وقد كان من  وملائكته والذين آمنوا به قليل الكلام كثير العمل، لا يتكلم فى غير حاجة، وإذا تكلم تكلم بجوامع الكلم، أى باللفظ القليل ذى المعنى الكثير، وقد بين لنا وللدنيا أن شر الناس خلقا، وأبعدهم منه مجلسا يوم القيامة الثرثارون، وقد صار كثير من الناس من أهل الثرثرة، بعبارة أوضح من أهل (الرغى) وبعبارة قرآنية من أهل اللغو، واللغو خلق غير المؤمنين، بدليل نفيه عن المؤمنين فى صدر سورة المؤمنون، حيث يقول جل فى علاه: "والذين هم عن اللغو معرضون" وقد استعملنا المحمول فى اللغو أكثر من استعمالنا إياه فى الجد، وأسرف الناس، لاسيما الشباب، فى الثرثرة من خلاله إسرافا مذموما، وترتب على ذلك ما يلحظه أى متأمل إنفاق الملايين فى شحن تلك الأجهزة التى لم تدخل علينا مكسبا ماديا، ولا معنويا إلا النادر من أجل ثرثرة مذمومة، ذمها من أمرنا ربنا سبحانه أن نصلى عليه، ونسلم تسليما، وإذا نظرت بعين المصطفى  إلى تلك الناحية إلى الدنيا فمحال أن تراها جميلة إلا إذا كنت جاهلا بنظرة النبى صلى الله عليه وسلم لها، فإن أردت أن تنظر إليها بعينه ربيت ولدك على الاقتصاد فى الكلام، واستوقفتك الساعة التى قضاها فى الثرثرة التى أنشأها بينه وبين زميل له، حيث قلت له فى هدوء: فيم كان كلامكما؟ وسوف يجيبك بالمعهود من مثله إن سئل ذات السؤال: كنت أسأله عن جدول الامتحان، وكان عليك أن تناقشه بكل هدوء: وهل أملاك المواد التى ستمتحنون فيها فى ساعة يا ولدى!
اسمع يا بنى، لقد وعظ لقمان ولده، فنهاه عن الشرك بالله، وأمره بإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والصبر، ولو كان هذا المحمول فى زمن لقمان لقال لولده: واقتصد فى استعماله، وأبوك الذى هو أنا أعظك بهذا؛ لأن كلام المرء من عمله، فلا تكثر من الكلام، وحدد هدفك من مكالماتك، ولا تنفق فيها وقتا أكثر من الذى تحتاج، عندئذ توفر وقتك الذى هو عمرك من أجل استذكار درسك، وأخذ حظك من نومك، وراحة جسمك، لأن استهلاك الوقت فى الثرثرة سيفوت عليك الانتفاع بما يجب عليك أن تنتفع به، واعلم أن هذا خطاب دينى مهجور، وما ينبغى علينا أن نهجره، فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فى غير حاجة، وليس عند أبيك شك فى أنك تحب سيدنا رسول الله ، وحبذا لو جاء فى مسلسل درامى أو فلم سينمائى مثل هذا المشهد، ومثل هذا الحوار، وسمع ولدك من مدرسيه هذا الكلام، واستمع إليه فى خطبة الجمعة، عندئذ يدرك أن الدنيا جميعا قد تآلفت عليه، وأنها بالفعل قد تغيرت، وآن له أن يتغير بتغيرها، وأن يعيش على منهجها، وألا يحكم عليك حكما ظالما قاسيا بأنك والد شاذ، تخالف جميع الآباء الذين لا يقولون لأولادهم هذا الكلام، ومحال أن نتآلف عليه إلا إذا كنا مقتنعين بالفكرة، فكرة النظر إلى الدنيا بعين سيدنا رسول الله ، فهى بعينه دون ريب جميلة، بل آية جمال، وهل ننشد فيها إلا كل جمال!
هكذا كان أبوه
الأحد:
كان فى قريتنا شاب لا يتكلم فى غير المطلوب، لكنه كان ذراع عون لكل محتاج، سأله ذلك المحتاج عونا أو لم يسأله، لم يتخلف عن واجب، ولم يتغيب عن موقف فضيلة فى فرح أو قرح، وكان الناس يقولون فيه لمن لم يعرفه: هكذا كان أبوه، أى أنه طالع لأبيه، ونود أن نجد هذه العبارة فى مثل تلك المواقف، وفى حق مثل هذا الشاب: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله يقول: "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" أى نشهد لمن تحلى بخلق المصطفى  بالإيمان، وإذا كنا نقول فيمن يقتدى بخلق أبيه الطيب: إنه أصيل فإن الاقتداء بسيد ولد آدم  عين الأصالة، أى ذلك المتأسى به عليه الصلاة والسلام أصيل وزيادة، فإن لم يكن المؤمن أصيلا فمن يكون الأصيل؟!، ونحن لا نجد كما قلت فى اتباع الهادى البشير مشقة، إلا عند الذين أدمنوا تفريغ الدين من محتواه، وعاشوه كلمات هى ثرثرة، وذلك متى كثرت، وقل العمل.
وأذكر أن هذا الشاب حين أراد أن يتزوج قوبل برفض من بعض الفتيات قلن قولا واحدا: ده ما بيتكلمش.
وكان علينا أن نرصد هذا الوجه من الرفض، وأن ندرسه، وأن نسعف أنفسنا من تركه؛ لأن نتائجه مدمرة، أن تقبل الفتاة ثرثارا كلمنجيا، ولا يعنيها أن يكون جادا عاملا مثمرا، ثم إنها ظلمت حيث قالت: إنه لا يتكلم، فالشاب كان يتكلم، لم يكن "أبكم"، لكن كلماته محدودة، وهى تريد كلماته غير محدودة، تظن أنه بذلك يؤنسها، ومن لم يجد الأنس فى ثمرة عمل فلن يجده فى خيبة أمل حين يصبح بيته قفرا من الخيرات، خاليا من النعم، فكثرة الكلام لا تسمن ولا تغنى من جوع وعطش وكساء ودواء، وسداد فواتير الحياة الكثيرة الغالية، والعجيب أن الذين أدمنوا تلك الثرثرة يقولون عند وقوع كوارثها : "ياما تكلمنا أخدنا إيه من الكلام" وهى عبارة حق، لكنها أشبه بتوبة الكذابين، واستغفار الكذابين، وفيهما قال السادة العلماء: هما ما يكونان باللسان وحده، فالتوبة باللسان أن يقول الكذاب تبت إلى الله، ورجعت إلى الله، وندمت على ما فعلت... ثم لا تراه يقلع عن ذنب، ولا يرجع بصدق إلى الرب، وأن يقول المستغفر باللسان أستغفر الله العظيم، ويظن أن الله تعالى بترداد تلك العبارة سيرسل السماء عليه مدرارا، ويمدده بأموال وبنين، ويجعل له جنات، ويجعل له أنهار، وهيهات لذلك أن يكون؛ لأن الاستغفار الحق أن يسلك المستغفر طريقا يغفر الله لكل السالكين فيه استغفر بلسانه وهو فيه سائر، أم لم يستغفر بلسان، وقد وسع الله عزوجل تلك الطرق، وقال فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا، ومن تلك السبل أن يسعى مجتهدا مبكرا إلى عمله لكسب رزقه، فهذا من المستغفرين، وأن يسعى إلى رحم يصلها، وإن لم تكن له واصلة، فهذا من المستغفرين، وأن يتحرك لزيارة مريض، أو ينطلق ليعطى مساكين، أو يسعى لإقامة الصلاة فى المسجد جماعة، أو يسلك طريقا يلتمس فيه علما؛ فتضع له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع كما قال النبى ، وهل تضع الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع الإنسان إلا إذا كان ذلك الإنسان ممن غفر الله لهم!
واعظة مخطئة
الاثنين:
تغيبت فتاة أكثر من ثلاث ساعات حتى فات الوقت الذى كان عليها أن تناول فيه أمها المريضة الدواء، ولم تكن أمها تعلم أين هى؟ حاولت العجوز المريضة أن تسعى إلى موضع الدواء، فأسقطت أشياء من مواضعها، وسكبت أوانى، وأفسدت مرتبا، وعجزت حتى عن العودة إلى سريرها حتى جاءت ابنتها، وحملتها إلى سريرها قائلة: كنت ليه بتنزلى بس؟
قالت: تأخرت على أمك، فحاولت أن آتى بالدواء، شعرت بحاجة إليه حيث تعبت
قالت: لكنى لم أتأخر
قالت: ثلاث ساعات يا ابنتى
قالت: كنت فى زيارة خالتى، وهى صلة رحم يا أمى يزيد فى الرزق والعمر
فابتسمت أمها العجوز، وقالت: والله ما انت فاهمة حاجة!
زورى خالتك بعد أن تتحسن صحة أمك التى فى عهدتك، أو يتوفاها الله، وقد رأيت نتيجة صلتك يا فالحة، ومن يضمن أن تعودى متأخرة فتجدى أمك قد انكسرت أو احترقت، احنا مالنا كده كلما أردنا أن نكحل عينا أعميناها، ألم تسمعى عن الأوليات يا ابنتى الشيخة
قالت: سامحينى يا أمى فقد ظننتك نائمة، وما كنت أنوى أن أتأخر لكن خالتى أصرت أن أتغدى معها، وقالت لى: مر عام، ولم نأكل معا لقمة
وما قالته الأم عين الخطاب الدينى المهجور، وآن له ألا يكون مهجورا إن أردنا إحسانا، وتوفيقا، فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وبقاء البنت حافظة راعية لأمها التى ليس عندها غيرها مقدم على صلة الرحم غير المنكورة، لكنها مؤجلة حتى تسمح ظروف المأمورين بصلتها، وكان على الخالة أن تأتى واصلة أختها، وتأكل معها ومع الغالية ابنتها، لكنها النفوس غير السوية، وما أكثرها.