حكايات| بـ«ربع جنيه».. أقدم «عربجي» حنطور بالمنوفية يصارع «التوك توك»

أقدم «عربجي» حنطور بالمنوفية يصارع «التوك توك»
أقدم «عربجي» حنطور بالمنوفية يصارع «التوك توك»

في عالم مواز، يجلس عم محمد في عربة الحنطور الخاصة به ليسير على الأسفلت مع سماع الموسيقى الهادئة، ليكسب قوت يومه بعرق جبينه من خلال مهنته الشريفة التي بدأها منذ شبابه حتى وصوله إلى محطة الستينات. 

 

لم يعلم الرجل الستيني أن هناك مفاجأة في انتظاره ستقضى على أحلامه وأماله وتهدد لقمه عيشه وقوت بناته الثلاثة. 

 

«عم محمد» صاحب أقدم حنطور في المنوفية، لم يكن يدرك أن المطربة الشعبية «بوسى» عندما تغنت بأغنية «هركب الحنطور واتحنطر» كانت لم تقصده شخصيًا، بعدما ضاقت به السبل. 

 

اقرأ أيضًا| «أمهات بلا رحمة».. ذبح وإغراق وربط بالأحبال للأطفال حتى الموت

 

مع الوقت أصبحت مهنة الحنطور بمدينة شبين الكوم في طي النسيان مجرد ذكريات لأطلال انتهت وجار عليها الزمن مع ظهور وانتشار وسيلة المواصلات المزعجة «التوك توك» التى ملئت الشوارع والحارات والخنادق في كل شبر بمدينة المنوفية.

 

 

لم يتوقف حلم  الرجل الستيني بأن «ينصلح الحال» وتعود ريما لعادتها القديمة لكن المشهد على أرض الواقع يوحى بعكس ذلك تماما وغير مبشر بالمرة. 

 

خاض محرر «بوابة أخبار اليوم» رحلة مع عم محمد ليدخل في عالمه السري في رحلة استغرقت 60 دقيقة  ليسترجع ذكرىاته مع تلك المهنة بداية من مرحلة الشباب وصولًا لمحطة الستينيات. 

 

اقرأ أيضًا| من القلة للكولمان.. صناعات فخارية وضعت قنا في المقدمة

 

وكانت بداية الجولة القصيرة من أمام محطة قطار مدينة شبين الكوم حيث جلس عم محمد واضعًا يده على وجهه مستسلمًا للامر الواقع بسبب المأساة التي يعيشها بسبب "التوك توك" الذي أصبح عدوًا من الدرجة الأولى بعدما حل على المهنة وجعلها في طي النسيان وتسبب في قطع أرزاق أفراد كثيرة. 

 

بدأ «عم محمد» حديثه يشكو بينه وبين نفسه من وقف الحال الذي تعرض له متحسرًا على أيام الزمن الجميل، وينظر إلى التوك توك مستاءً  وهي تقل الزبائن القادمين من كل صوب وحدب عبر القطار.  

 

 

وما أن تقدمت واقتربت من عربة الحنطور  حتى استفاق الرجل وسمعت صهيل جواده وكأنه شعر العناية الألهية تساعده تدخلت لإنقاذه، خصوصًا بعدما وصل حصان العربة إلى الموت  اكلينيكيًا وانتهاء حاله من العزوف التام عن اعتلاء عربة الحنطور من قبل الزبائن. 


 
وبعد أن جرت الدماء في عروق عم محمد «العربجى» بادرته قائلا: ممكن توصيله ياحج فأجاب قائلا بصوت ممزوج بالفرحة: «يافرج الله أخيرًا سمعت العبارة دى من زمن"!  

 

وبعدما استقلت الحنطور، طلب مني أجرة مبدئية قدرها 20  جنيهًا، وبعد تبادل الأحاديث علم عم «محمد» هويتي فانفرجت أساريره بالفرحة والسعادة.

 

وصلنا إلى شارع المصنع والمجاور لمجمع الكليات النظري بمدينة شبين الكوم حتى لاحظت أسراب من الطلبة والطالبات في طريقهم للمجمع واقترحت على البعض منهم أن يرافقنا للتصوير والحديث معهم عن الحنطور وهل لهم علاقة بتلك الوسيلة أم لا؟!

 

ويبدو أنني نجحت في ذلك وافقت الطلاب على التصوير مع عم محمد «العربجى» والتقطوا سيلا من الصور التذكارية في أجواء مبهجة. 

 

 وبداية قال الرجل: «منذ 60 سنه وأنا اعمل سائق للحنطور وفى أول حياتي كانت الأجرة ربع جنيه إلى أن زادت إلى نصف جنيه وكانت الزبائن راقية وتعلم قيمة وجمال الحنطور وكان البال رايق والناس مزاجها تمام كما كانت عربات الحنطور كثيرة جدا ومنتشرة وعملت من هذه الشغلانة فلوس أتجوزت وربيت بناتي الثلاثة». 


يؤمن «عم محمد» أن منذ قديم الأزل كانت هناك مشاويرخاصة لأولاد الذوات والعائلات المقتدرة ماديًا ماديا ويقول: «كانت القشة معدن أما الآن فالحال لا يسر عدو ولا حبيب فطعام الحصان غالى وهو عبارة عن فول وتبن وبرسيم بتكلفه تزيد عن 50 جنيه في اليوم ولا تكفي ويشعر بالجوع!

 

وبنظرة حسرة وصوت خافت يستعجب عم محمد ويقول «الآن لا توجد حركة والمهنة في اندثار تام فلم يعد في مدينة شبين الكوم على بعضها سوى 3 عربات للحنطور فقط لا غير وأصبحت العملية قليلة  للغاية خصوصًا في ظل انتشار التوك توك والتاكسي ووسائل الانتقال الأخرى أصبح مصيرنا إلى زوال!