تدوير المظالم والوعي المرتبك

طارق عبيد
طارق عبيد

حكايا الإفك المقدس

بصوت جهوري تطغى طبقاته الزاعقة وجعجعته على محتوى كلامه، يخطب في جمهوره العريض من الاسلامجية الجدد، اصحاب الدقون العيره والجلباب القصير، يخلط الواقع بالاكاذيب والدين بالسياسة في وصله تزييف للوعي، مارس فيها كل اساليب الحشاشين، يحدثنا عن مصر التي بها تسعة اعشار الظلم و الجزء الباقي يدور في البلاد ثم يعود ليبيت في مصر، يضخم الهزائم والانكسارات ويسخف من الانجاز و الانتصارات، يتلاعب بالدين وبالعقول وبمستقبل بلد سمح له ولأمثاله ان يتلاعبوا بمستقبلنا في غفلة من الزمن ، انه شيخ مشايخ الافك، عبد الحميد كشك،

الدين السياسي في مواجهة الدولة:-

لكن كلام كشك كان مجرد قمة جبل التلج من صراع بين دولة قومية تعرضت لمخاطر واهتزازات من وقت قيام الجمهورية، واسلام سياسي اشتغل كمفرزه أمامية لكل خصوم الدولة وتحالف مع اعداءها سرا وعلنا، جماعات ترى انها تملك تكليف إلهي باقامة دولة الخلافة،تملك الحق المطلق في تطبيق الاسلام من وجهة نظرهم، لكن الغريب انهم لم يقدموا ابدا نظرية للحكم او نظرية اجتماعية او حتى سياسية، اكتفوا فقط بإجترار ماضي دموي كان يناسب عصره وحاولوا اسقاطه على الواقع فكانت النتيجة صدام مستمر مع الدولة الوطنيه، يتجدد كلما انتعشت تجارة الدين أو تنازلت الدولة عن ممارسة دورها، بالموازنات السياسية مرة و بالاهمال مرات.

الدولة و تعظيم الشعور بالظلم:-

الاسلامجية و من سار في ركابهم اعتمدوا على اكثر من طريقة في ارباك وعي الناس كان اهمها تدوير المظالم القديمة و محاولة احياءها بكل الطرق( ديدولة الكفر، دي دولتهم مش دولتنا، مصر فيها اكبر معدلات الامراض في العالم، مصر فاشله في التعليم، مصر فيها كل سيء) تضخيم ممنهج لكل المساويء، هذه الحالة خلقت وعي مرتبك عند الناس، فتكررت الاكاذيب و تعامل معاها الناس على انها حقائق.في المقابل تركت الدولة الساحة خالية لهم يتلاعبوا بالوعي، وربما ساعدتهم بالاخطاء في إرباك هذا الوعي. لكن كيف حدث ذلك، للإجابة على هذا السؤال كعادتنا نجد الحل في العودة للوراء قليلا، الدولة فيما قبل ٢٠١٣ مرت بمراحل متعدده على النحو التالي:

مرحلة ثورة يوليو: دولة جديدة عفيه تدير تحول سياسي واجتماعي عنيف و قسري، تملك رؤية لمصر ودورها الاقليمي و الدولي، بدأت باستقلال وطني ونهضة ثقافية و تنموية غير مسبوقة ، لكن على ارض الواقع كان هناك اخطاء كارثية انتهت بهزيمة قاسية و فساد سياسي انتجته مراكز قوى طغى اثرها على اثر التجربة العظيمة التي لم تكتمل، تجربةارتفعت بسقف الاحلام إلى عنان السماء وانتهت بوعي مرتبك وارض محتلة وتجربة مبتورة وندبات عميقة في الشخصية المصرية ، فقد الناس على اثرها الثقة في الدولة ومؤسساتها و منحت الاسلامجية واكاذيبهم قبلة حياة جديدة.


مرحلة السادات: و وهي اخطر مراحل التي مرت بمصر، حقبة تبدأ بدولة مهزومة ارضها محتله و وضع دولي معقد بين الشرق والغرب،في قلب حرب باردة طاحنة، لكن الوضع المعقد كان لابد أن يتغير، فقد امتد تأثيرة لدرجة اصبح وجود الدولة واستمرارها نفسه مهدد، كان لابد من صحوة تمنح رئة الدولة قليل من الاكسجين ،كانت هذه الصحوة حرب اكتوبر العظيمة،لم تكون مجرد انتصار عسكري، بل كانت انتصار على العجز والجمود،على الخذلان وعلى التشكيك في مصر وقدرتها على البقاء وانها ليست كغيرها، مجرد ظاهره قابله للتلاشي.لكن كعادتنا لم نستغل الدفعة المعنوية الرهيبة التي وفرتها حرب اكتوبر في بناء دولة حقيقية، نتلاشي فيها اخطاءنا السابقة و نقدم نموذج لدولة الحكم الرشيد، على العكس تحولت الدولة لتاجر شنطة واعتمدت السمسرة كخطة اقتصادية، انفتاح غير مدروس و تحول لنظام رأسمالية المحاسيب، تحول اجتماعي عنيف غير من سلوكياتنا واربكنا ، بالتوازي مع هذا التحول تم فتح المجال للاسلامجية، ليس نكاية في الحقبة الناصرية كما يرى البعض، لكن تماشيا مع خطة امريكية معقدة تعاملت مع الاسلام السياسي على انه الاكتشاف الاعظم بعد القنبلة الذرية، اعتمدت عليه في حرب السوڤيت في افغانستان وبعد انتهاء مهمته شكلت منه في مرحلة من المراحل جماعات ضغط على الدول، ابتزت بيه انظمة حكم واصبح جزء من دبلوماسية العصا والجزرة، ثم لاحقا استخدمته بشكل خشن في تفكيك الدول ،سواء في فلسطين او اليمن او ليبيا او سوريا و حاولت في مصر و السعودية وفشلت .فترة السادات فترة اربكت وعي المصريين، و جمعت بين متناقضات، حققت نصر اكتوبر و فرطت في البلد للمحاسيب، دعمت الاسلامجية وحاربتهم، رسخت صور متناقضة في السياسة والاقتصاد، و منحت الفساد الشرعية باسماء جديدة، فترة السادات كانت سيرك سياسي واقتصادي.


- فترة مبارك كانت فترة جمود وتكلس، رئيس بدرجة موظف، محمل بإرث تجربتين متناقضتين. تجربة انتهت بهزيمة واحتلال و تجربة انتهت بفشل اقتصادي و اغتيال. قرر ان يجمد الزمن، ترك مصر تتقزم و تعيش تابع للجميع و تتخلي عن دورها للجميع طمعا في استقرار موهوم او عطايا ومنح من الاخرين، والنتيجة ان البلد تحولت لأله قديمة تدور بنظرية القصور الذاتي، لا توجد رؤية و لا خطة و لا توجه، دولة تسير بالحد الادني من كل شيء، حتى من الاحلام.

 

كانت النتيجة اننا لم نحقق استقرار و لم نقيم دولة حقيقة قادرة على مواجهة تحديات المنطقة و تعقيداتها. يمكن القول ان هذه الفترة كسرت الصله بين المواطن والدولة، وتراضى الجميع دوو اتفاق على تطبيق نظرية كل واحد "يسلك" امورة بمعرفته،والنتيجة ان مصر عاشت حالة من الفصام بين دولة رسمية عجوزه مهلهلة و بين دولة عرفيه في الشارع "بتسلك" امورها، وبين الدولتين ارتبك الوعي.

-الوعي المرتبك و العدالة المطلقة: ( موارد الدولة، انتاجية الفرد، وهم الحلول السحرية)


الوعي المرتبك الذي تراكم بفعل اكاذيب الاسلامجية وتدويرهم للمظالم و بين اهمال الدولة وفشلها احيانا في معاجلة ازماتها خلق نوع من الوعي المتراكم الزائف، من ٢٠١٤ بدأت تجربة حكم الرئيس السيسي بفكر مختلف مبني على التدخل الجراحي في تغير الوعي، مواجهة الناس بالمشاكل الحقيقة، اقناعها ان حلول المسكنات لن تنفع في حالتنا المترديه و الأهم من هذا كله اجبار المواطن على تحمل مسؤولياته، بعيد عن الرشاوي السياسية و المخدرات الاجتماعية، تجربة اعتمدت على ادوات منها احاديث الرئيس المباشرة، شرحه للوضع الاقتصادي بالارقام وتبسيطها، هيكلة الدعم، معالجة التشوهات الطبقية اللي انتجتها السياسات الاقتصادية المتخبطة سابقا، والتي اجبرت الناس ان تعيش داخل طبقتها الحقيقة بحساب التكلفة الحقيقة وليس طبقة متوهمة انتجها التشوه الرهيب والظالم في سياسات الدعم،يمكن القول ان الرئيس اوجد لنفسه مشروعية جديدة، بعيده عن الاليات السياسة المعروفة وهي مشروعية الإنجاز التي تحولت لعلامة من علامات حكمه، انجاز عظيم في ملفات كثيرة متوازيه و معقدة و في ظل وضع اقليمي شديد التخبط، و مخاطر غير مسبوقة تهدد الأمن القومي على كل المستويات بل تهدد وجود الدولة نفسه، لاول مرة بدأت الناس تعرف مشاكلنا الحقيقة و امكانياتنا ولما ادرك الناس مشاكلنا زاد الفهم، ولما زاد الفهم زاد الوعي ولما زاد الوعي تحملوا إجرءات شديدة القسوة، واصبح الناس هم الرقم الصعب في نجاح التجربة المصرية.


-التغيير و قلب الدولة الصلب:

لكي نتجنب انكسارات التجارب السابقة و نعالج مخاطر الوعي المرتبك لابد أن نتعلم من اخطاءنا ، لابد ان نخرج من تلك الدائرة المغلقة ، بين بدايات قوية لا تستغل ونهايات عصيبة تربكنا و تجعلنا كل مرة نبدأ من المربع صفر، لابد من وجود دولة حقيقة ، لها واجهة سياسية مرنة تمتص الصدمات و التحولات الاقتصادية والإجتماعية ،بحضور سياسي اكبر عن طريق تشكيل نخبة وطنيه جديدة ومعارضة وطنيه حقيقة تدرك معنى الأمن القومي ،تعارض تحت سقف الوطن في دولة مؤسسات ..لابد ان نبادر بتقوية الاحزاب ومحاولة دمجها ودعمها من منطلق وطني وطرح برامج تمويل و تثقيف سياسي واستراتيجي وامن قومي لتكون بديلا عن منح الممولين المشبوهين والسفارات الاجنبية..السياسة هي الواجهة الناعمة لأي نظام و هي الضامن لأي تدوال سلس للسلطة دون هزات والحامية لقلب الدولة الصلب من المخاطر و التشققات، مدرك لطبيعة التحديات حولنا، لكن في الوقت نفسة مدرك لمخاطر غياب السياسة و اعادة تدوير وجوه وسياسات قديمة اثبتت التجربة فشلها، لابد ان نغتنم الفرصة هذه المرة في وقت شحت فيه الفرص و زادت فيه المخاطر. ..و ودائما وأبداً مصر من وراء القصد.