انقاذ الوجبات الشعبية

محمد صلاح عبد المقصود
محمد صلاح عبد المقصود

اتخذت الحكومة المصرية مؤخرا قرارا هاما باعفاء الحبوب و البقول و السلع الاستراتيجية من ضريبة القيمة المضافة، و هو قرار ضروري و موفق لمواجهة عدد من السلبيات الاقتصادية التي يواجهها بسطاء المصريين في حياتهم اليومية في مرحلة ما بعد التعويم.

و كانت ضريبة القيمة المضافة، اضافة إلى ما لحق بأسعار مكونات هذه الوجبات الشعبية من ارتفاع نتيجة للتعويم، قد تسببا معا في ارتفاع المنتج النهائي، فوصلت أسعار ساندويتشات الفول و الطعمية على سبيل المثال إلى 4 أو 5 جنيهات، في حين ارتفعت اسعار أطباق الكشري لتبدأ من 8 أو 10 جنيه، لتصل في بعض الأحيان إلى 20 و 25 جنيه للطبق الواحد، طبقا لاختلاف مستويات المطاعم التي تقدم هذه الوجبات، 

اضافة إلى ارتفاع تكلفة هذه المكونات اذا ما قررت الاسرة اعداد هذه الوجبات بالمنزل، حتى أن أسعار أو تكاليف إعداد هذه الوجبات الشعبية أصبح مقاربا لأسعار وجبات أخرى يتم اعداها من اللحوم و الدجاج و الفطائر!!

كما أدى ذلك أيضا إلى تراجع واضح في عدد المحلات و المطاعم التي تقدم هذه الوجبات، لاسيما في المناطق الشعبية، فمن لم يستطع إدارة ارتفاع الاسعار السابق ذكرها، و ما تلاه من ارتفاع تلقائي في الرواتب و الأجور، مني لسنوات بخسائر متتالية اضطر معها لوقف نشاطه و اغلاق أبوابه، و لم يصمد في هذه الظروف سوى المحلات و المطاعم الكبرى، و التي تملك أدوات إدارة هذه المتغيرات الاقتصادية.

و لكي يصل تأثير هذا القرار إلى المستفيدين منه، يتبقى الدور الأهم و الأكبر للغرف التجارية و المحليات و مفتشي التموين في التنفيذ، بحيث يتم التأكد من وصول هذه السلع الهامة إلى الموزعين و العاملين بسعر أقل، ثم التأكد من وصول الوجبات الشعبية الى الجمهور بسعر أقل، فبدون هذه الرقابة لن يحقق هذا القرار أهدافه المرجوة، و سيلحق بغيره من القرارات التي صدرت لتخفيف الأعباء الاقتصادية، و لن يصل التخفيض الحكومي إلى الشعب.

و هو الأمر الذي يأخذنا للمعركة الأهم و الأبرز، و التي يجب أن يمتلك المصريين الإرادة اللازمة لتحقيق الانتصار الكامل فيها، و ذلك كي يشعر الجميع بأثر القرارات الاقتصادية الحكومية الكثيرة التي تتخذ للتيسير على المواطنين، فما يمنع الشعب من الاحساس بأثر هذه القرارات أمرين هامين لا ثالث لهما، و هما كالتالي: 

السبب الأول هو استحواذ السوق الموازي على نصيب الأسد من هذه المطاعم و المحلات، فلا توجد أي نوع من الرقابة على هذه المحلات، فضلا عن تعذر القيام بما يلزم من اجراءات من أجل المتابعة الصحية أو الضريبية أو التجارية اللازمة.

و رغم تفائلنا خيرا باقرار عدد من القرارات الخاصة باستيعاب السوق الموازي، سواء عن طريق الاعفاء الضريبي أو قوانين عربات الطعام، و ما سيتبع ذلك من توفير فرص عمل لائقة و كريمة للشباب المصري، اقتداءا بنموذج شارع 306 الذي تم برعاية كاملة من صندوق تحيا مصر، إلا أن أعداد المتجاوبين مع هذه القرارات جاء مخيبا للآمال.

أما السبب الثاني، فهو افتقار جميع الاطراف في مستوى الادارة المباشرة و مقدمي الخدمات و الجمهور لثقافة السوق، و عدم الايمان بأهمية قواعد البيانات في اتخاذ القرارات الصحيحة و المؤثرة، و التي يمكن أن تنعكس ايجابيا على جميع الاطراف حال تطبيقها بشكل سليم و منظم.

هذا هو التحدي الكبير الذي يجب أن نخوضه جميعا لكي نشعر بالآثار الايجابية لهذا القرار، و لغيره من القرارات التي ستتخذ مستقبلا كلما تحسنت أحوالنا الاقتصادية، و ما سينتج عنه من احساس شعبي عام بتحسن الأحوال بمرور الوقت، كما سيفسح المجال نحو اقتراح و تنفيذ العديد من المبادرات الحكومية التي تستهدف الرعاية الاجتماعية لمحدودي الدخل، و اتاحة التوسع في استخدام منظومتي الدعم و التموين الاليكترونية في دعم أصحاب هذه الوجبات الشعبية و زبائنهم على السواء.

فضلا عن الاثار الاقتصادية الايجابية الأخرى، و التي ستنتج عن زيادة أعداد هذه المحلات و المطاعم، و ما يترتب عليها من زيادة في العوائد الضريبية، و خفض معدلات البطالة و التضخم.

خطوة حكومية في الاتجاه الصحيح لانقاذ هذه الوجبات، و التي تعتبر اقليميا و دوليا من العلامات المميزة للحياة في مصر، و كلي ثقة أنها لن تكون آخر خطوات تخفيف الضغوط الاقتصادية على المصريين، بل ربما تكون بداية لمزيد من الخير و الدعم، شريطة أن يساعد المصريين أنفسهم.