ورقة وقلم

المبادرات العشر.. لـ «تحيا مصر»

ياسر رزق
ياسر رزق

كانت وجهة نظر السيسى وقد نفذها حرفياً، أن تعطى سمكة لمن لا يقوى على حمل سنارة، وأن توفر سنارة لمن يستطيع الصيد

لكل شخصية، يخصص لها التاريخ فصلاً فى كتابه، قول يؤثر عنها، ويتردد على ألسنة الآخرين على مدى عقود وربما قرون، وعلى مدار أجيال وربما عصور.
ولعل أبرز الأقوال المأثورة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى، هو تلك العبارة التى سطرها بخط يده فى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة يوم الأول من يوليو عام ٢٠١٣ وظل يرددها فى خطب عديدة فى الشهور التالية، وهو يقول: «إن هذا الشعب لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه».
وليست مصادفة، أنه بعد مرور عام بالضبط، على هذا البيان الذى وصف بأنه بيان «مهلة الثمانى والأربعين ساعة»، وعلى ذكر هذه العبارة لأول مرة، أعلنت رئاسة الجمهورية عن تدشين صندوق باسم «تحيا مصر»، تنفيذاً للدعوة التى أطلقها الرئيس السيسى بإنشاء كيان يقوم على التبرعات، يعين الدولة فى جهودها للتخفيف عن أبناء الوطن من البسطاء فى مواجهة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى تمر بها البلاد.
كان ذلك بعد ٢٢ يوماً فقط، من دخول السيسى إلى مكتبه كرئيس للجمهورية بالطابق الثانى من قصر «الاتحادية»، حيث ارتفعت على الحائط من خلفه لوحة تحمل الآية القرآنية «إن مع العسر يسراً».
قبلها بنحو ثلاثة أسابيع، قال لى السيسى وكان مرشحاً لانتخابات الرئاسة، فى حوار خاص لجريدتى «الأخبار» و«الأهرام»، إنه يتمنى إنشاء صندوق ينفق منه على مشروعات مدروسة لتقديم المساعدة وتحسين ظروف الحياة للملايين الذين لم يجدوا فعلا وعلى مدى عقود طويلة من يحنو عليهم فى هذا البلد، وكذلك تنفيذ مبادرات تنوء بها الموازنة العامة، ولا تستطيع الحكومة الإنفاق عليها، فى ذلك الحين.
< < <
وأذكر أن الرئيس السيسى حينما شرفنى وشرف أسرة مؤسسة «أخبار اليوم»، بحضور ندوة «المسئولية المجتمعية للقطاع الخاص» التى نظمتها جريدة «الأخبار» فى مطلع أغسطس عام ٢٠١٤، تحدث إلى الحضور وكانوا - ولا يزالون - أكبر رجال الصناعة والإنتاج فى مصر، مطالباً إياهم وغيرهم، بأخذ زمام المبادرة، وتقديم المساهمات المالية فى هذا الصندوق.
كان الرئيس يرى أن تلك التبرعات هى خير تعبير عن مجتمع التكافل والتراحم والتعاضد المنشود بين فئات الشعب وطبقاته، وعن دولة المسئولية التشاركية بين الحكومة والقطاع الخاص.
كان طموح الرئىس أن تبلغ حصيلة الصندوق عند إطلاقه فى حدها الأدنى نحو مائة مليار جنيه، لكن تلك الأمنية، وقفت فى سبيلها حينئذ، طبائع الذين تعودوا أن يأخذوا ولا يعطوا، وسوء تقدير الذين ظنوا أن هذه المبادرة هى شدة غربال نظام جديد مازال فى أيامه المائة الأولى، سرعان ما تصيبها الليونة وتتسع فتحات أسلاكه من بعد ضيق..!
لوقت طويل، لم تناطح حصيلة الصندوق مبلغ المليارات العشرة، وكانت اللبنة الأولى فى كيان الصندوق هى مليار جنيه، تبرع بها رجال القوات المسلحة من مرتباتهم، ليعطوا المثل والقدوة لغيرهم من المواطنين، بمن فيهم أولئك الذين ضنوا، وكانوا من قبل يدفعون وهم صاغرون لعصابة الحكم الإخوانية..!
بمرور الوقت، تغير الحال، وبدأت المساهمات من رجال أعمال ومن جمعيات ومن شركات تتدفق على صندوق «تحيا مصر»، لكن لإحقاق الحق، ليست بالقدر المأمول ولا الواجب، وإن كان هناك من رجال الأعمال المصريين من بادروا بتقديم المساهمات دون جلبة أو ضجيج أو إعلان..!
< < <
ست سنوات، مضت على تأسيس الصندوق، ربما لا يصدق المرء حجم العمل الذى أنجزه الصندوق للتخفيف من معاناة الإنسان المصرى البسيط، ورفع مستوى معيشة الأسرة المصرية المكافحة، التى كانت هى الهدف الأول والغاية الأسمى لثورتى يناير ويونيو.
وبرغم اهتمامى بمتابعة نشاط «تحيا مصر»، فإننى فوجئت بأن الإنجازات التى تحققت أوسع نطاقاً بكثير مما كنت أتصور، وأكبر بمراحل مما كنت أظن حينما تم تدشين الصندوق، قبل ٧٧ شهراً مضت.
ولا يمكن إغفال أن كل ذلك ما كان ليتحقق لولا حسن اختيار المسئول الذى أوكلت إليه مهمة الإشراف على الصندوق وهو الرجل الأمين اللواء محمد أمين الرئيس السابق لهيئة الشئون المالية للقوات المسلحة ومستشار رئيس الجمهورية للشئون المالية الذى تحمل المسئولية بإخلاص واقتدار.
وبالقطع، فإن متابعة الرئىس السيسى، صاحب الفكرة وراعى المبادرة، المستمرة لنشاط الصندوق، وطموحه الذى لا توقفه مصاعب لتوسعة إنجازاته ونطاقها وزيادة حجم المستفيدين من المبادرات، كان لهما أبلغ الأثر فى بلوغ هذا القدر الكبير من النجاح.
لست بصدد حصر عدد المشروعات التى نفذها صندوق «تحيا مصر»، أو شارك فى تنفيذها منذ تدشينه.
لكن تظل باكورة أعمال الصندوق، وهى شراكته مع وزارة الصحة للقضاء على فيروس «سى»، والتى ساهم فيها بمفرده بتقديم العلاج مجانا لنحو ٣٦٣ ألف مواطن، هى أنجح البدايات لأى مبادرة تبنتها مؤسسة مصرية على مدى عقود.
ويبقى مشروع مدينة «تحيا مصر» بالأسمرات، ومعه مدن«بشائر الخير» بالإسكندرية، هما أهم إنجازات الصندوق على الإطلاق، ليس فقط من حيث حجم الإنفاق الكبير الذى تبرع به وقدره ٢ مليار جنيه، وإنما لأن هذين المشروعين استهدفا إنقاذ حياة عشرات الآلاف من المواطنين من سكان المناطق العشوائية الخطرة، ونقلهم للسكنى فى مجمعات سكنية لائقة وراقية، وتزويد شققهم مجانا بكل وسائل الإعاشة من أثاثات ومفروشات وأجهزة كهربائية ومنزلية.
< < <
على طريق السنوات الست الماضية، هناك علامات رئيسية لصندوق تحيا مصر، منها إعمار ١٠ آلاف منزل متهدم فى القرى الأكثر احتياجا، وإجراء تطوير شامل لثلاث قرى بمركز طهطا لخدمة ٣٠ ألف مواطن وتحويلها إلى قرى نموذجية، وتجديد مساكن منطقة العسال بحى شبرا وإنشاء سوق تجارية به، وتنفيذ ١٤ مشروعا للتنمية العمرانية فى قرى مركز نصر النوبة بأسوان، ورصد ١٠٠ مليون جنيه لمواجهة تداعيات السيول الأخيرة وإغاثة المتضررين منها، ولا ننسى فى هذا السياق إسهام الصندوق بنحو مليار جنيه لإغاثة المنكوبين من سيول عام ٢٠١٦ وتطوير الصرف بالإسكندرية والبحيرة هناك أيضاً مشروعات تشغيل السيدات والشباب، وتوفير المواد الغذائية للأسر فى رمضان وعيد الفطر المبارك.
وفى مجال الرعاية الصحية، ساهم الصندوق فى مشروعات عديدة، منها مشروع «نور حياة» الذى أطلقه الرئيس السيسى فى يناير من العام الماضى، لرعاية 2 مليون مواطن و5 ملايين تلميذ خلال 3 سنوات، من مسببات ضعف وفقدان البصر.
وحتى الآن، تم تقديم خدمة طبية متميزة فى مجال مكافحة فقدان البصر لنحو ١٦٥ ألف مواطن من الفئات الأولى بالرعاية و٨٨٠ ألف تلميذ بالمرحلة الابتدائية، وأجريت ما يزيد على ١٣ ألفاً و٥٠٠ جراحة لعلاج المياه البيضاء وصرف العلاج لنحو ٧٦ ألفا و٥0٠ مريض، وتوفير أكثر من ٩٥ ألف نظارة طبية للكبار و٩٠ ألف نظارة للأطفال فى ١٨ محافظة.
هناك أيضاً شراكة ناجحة بين الصندوق ووزارة التضامن لحماية الأطفال بلا مأوى، بلغ المستفيد منها 23 ألف طفل فى 14 محافظة، وقد تكون هذه الشراكة غير ملحوظة لأناس كثيرين، لكنها من أبرز أعمال الصندوق من الناحية الاجتماعية فى إنقاذ الأطفال الضحايا من الذين اصطلح على تسميتهم بـ»أطفال الشوارع»، ودمج الأطفال من أبناء الأسر المفككة من جديد مع أسرهم.
< < <
خلال أيام، سوف يطلق الرئيس السيسى أكثر من ١٠ مبادرات لصندوق «تحيا مصر» فى حزمة واحدة، ضمن احتفالية كبرى تقام فى العاصمة الإدارية.
فى الأسبوع الماضى.. التقى الرئيس مع اللواء محمد أمين مستشاره للشئون المالية والمشرف على صندوق «تحيا مصر» لاستعراض مسيرة الصندوق ومشروعاته الجديدة.
وكالعادة.. كانت للرئيس ملاحظات أساسية تتعلق بزيادة عدد المستفيدين وتوسيع النطاق الجغرافى للمبادرات لتشمل أكبر عدد من المحافظات.
< < <
المبادرات العشر، سوف تستفيد منها أكثر من مليون و200 ألف أسرة، بما يزيد على 6 ملايين مواطن.
ورغم هذا العدد الهائل من المستفيدين من الأسر البسيطة والمواطنين الأقل حظا، فإن تكلفة المبادرات لا تتعدى مليار جنيه، ولعل المبلغ يزداد، باستمرار المبادرات وزيادة عدد المستفيدين أكثر وأكثر خلال الفترة المقبلة.
برغم أنه يصعب تغليب مبادرة اجتماعية على أخرى فى الأهمية، فإننى أرى أن هناك مبادرتين ضمن الحزمة الجديدة التى سيتم الإعلان عنها بحضور الرئيس السيسي، تتفوقان على غيرهما من مبادرات، لأنهما فى رأيى تجسدان فكر السيسى وفلسفته من وراء عبارته الشهيرة عن الرفق والحنو.
أذكر منذ أربع سنوات، أننى دعيت وزميلى محمد عبدالهادى علام رئيس تحرير الأهرام حينئذ، لنكون ضيفين على طائرة الرئيس الهليكوبتر فى رحلتها من مطار ألماظة إلى جبل الجلالة، لنرى العمل فى مشروع الطريق المعجزة الذى كان يجرى نحته فى قلب الصخور، ومشروع «منتجع الجلالة السياحى العالمى».
كان على الطائرة الرئيس السيسى واللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس فى ذلك الحين ورئيس المخابرات العامة وزميلى محمد وكاتب السطور.
وأذكر أننى كنت كتبت مقالاً عن الرعاية الاجتماعية للفقراء ومعدومى الدخل، وتحدثت مع الرئيس فى مسألة أيهما أولى أن تعطى الفقير سمكة يقتات بها، أم سنارة يصطاد بها؟!
وكانت وجهة نظر الرئيس، وقد نفذها حرفياً، وهى أن تعطى سمكة لمن لا يقوى على حمل سنارة، وأن توفر السنارة لمن يستطيع الصيد لكى يجلب القوت لنفسه وأسرته.
وكان مع السيسى كل الحق.
< < <
إحدى المبادرتين الأهم ضمن المبادرات العشر، هى مبادرة «بر أمان»، لتوفير شباك الصيد والبدل والأحذية الواقية من الأمطار ومياه البحر وبرد الشتاء، لنحو ٥٠ ألف صياد من مختلف المحافظات الساحلية.
أى أن المستفيدين هم ٢٥٠ ألف مواطن على الأقل من أبناء ٥٠ ألف أسرة يرعاها هؤلاء الصيادون.
المبادرة الثانية واسمها «تتلف فى حرير»، تستهدف توزيع ألف نول كمرحلة أولى على شباب العمال المهرة فى صناعة السجاد، فى إطار مشروع يستهدف توزيع الأنوال على ٣ آلاف أسرة، ويتطلع لإنشاء معهد لتعليم صناعة السجاد التى تتقنها قرى مصرية وتصدر إنتاجها المتقن إلى الخارج.
باقى المبادرات تتضمن توفير «الجهاز» لألفى عروس من اليتيمات وبنات الأسر الفقيرة، من أجهزة كهربائية ومنزلية يصل عددها إلى ٧ أجهزة لكل عروس.
وتشمل أيضاً تقديم ٢ مليون كيلو من الدجاج لنحو مليون أسرة، و٣٠٠ ألف كرتونة مواد غذائية لهذا العدد من الأسر، و١٠ آلاف كرتونة ملابس استعداداً لفصل الشتاء لأبناء ١٠ آلاف أسرة كمرحلة أولى، وكذلك ٦٠ ألف بطانية للأسر الأولى بالرعاية، ضمن خطة ترعاها وزارة التضامن وتشمل مليون بطانية.
هناك أيضاً ١٥٠٠ ماكينة غسيل كلوى وألف كرسى مجهز لنفس الغرض و٥٠٠ حضانة للأطفال المبتسرين، تقدم إلى المستشفيات الحكومية لتعزيز الرعاية الصحية المجانية بها.
< < <
لست من هواة جلد رجال الأعمال والأثرياء، أو عصرهم عصراً لدفعهم للمساهمة فى المشروعات الاجتماعية والإنسانية، لا سيما فى ظل الظروف الضاغطة التى نعيشها ويعيشها العالم تحت وطأة أزمة الوباء، لكنى أظن أن «تحيا مصر» ربما يكون البوابة الأكثر كفاءة ومقدرة على الوصول بالرعاية المالية والاجتماعية للبسطاء، والتى يسعى الميسورون من أبناء هذا البلد المشاركة فى أوجهها.
وقد يكون الأوفق البحث عن صيغة ما لتحقيق التكامل والتنسيق وربما الدمج لجهات ومؤسسات وجمعيات كبرى تعمل فى مجال الخير وتوزيع أموال الصدقات والزكاة وجمع التبرعات، مع صندوق «تحيا مصر»، سعيا لتنظيم العمل الخيرى والانسانى وضمان وصول كل قرش لمن يستحق، وكل مشروع للمنطقة الأحق، ومد مظلة التغطية لأكبر عدد من الأسر الفقيرة والمواطنين البسطاء.