يوميات الأخبار

لماذا.. وماذا.. وكيف نقرأ ؟

د. خالد القاضى
د. خالد القاضى

أشعر برهبة كبيرة حين أقرأ قول الحق سبحانه وتعالى مبتدرًا سورة القلم؛ «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ»

كم سرنى أن أجد للمفكر الكبير الأستاذ أحمد أمين - رحمه الله - إجابة عن سؤال: لماذا نقرأ؟ وماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟..
حيث قال: "أما لماذا نقرأ؟ ففى نظرى أننا نقرأ لغرض من غرضين، أو هما معاً، فأحد الغرضين: أن نتعرف العالم أو شيئاً عنه... فنحن إذا قرأنا هذه الكتب وفرت علينا تجارب جديدة، وأزماناً طويلة قطعها المجربون قبلنا، وقربوها إلى أذهاننا... وهى قراءة للدرس والتحصيل والبحث عن الصواب والخطأ والحق والباطل حتى يصلح الأواخر ما أخطأ فيه الأوائل، ويبنى الخلف على أسس السلف. ونوع آخر من القراءة: هو القراءة للمتعة وتغذية العواطف.. وقد يجتمع الغرضان معاً، فمن أمعن فى القراءة للدرس وجد لذته فى ذلك، وكلما عمق البحث واستغرق فكر القارئ ووافق عقله ونفسه واستعداده، كان القارئ أشد بدرسه شغفاً وأكثر هياماً وأوفر متعة.."
أما إجابته عن "ماذا نقرأ؟" فقد أطلق الحرية لكل إنسان أن يقرأ ما يتفق مع ميوله وعواطفه.. استدرك قائلاً: "القراءة فى الحقيقة ظل للنفس والروح، فإذا انحطت النفس مالت إلى قراءة ما يثير الشهوات ويهيج الغرائز، وإذا سمت طلبت الفن الرفيع الذى يرقى بالروح ويحلق فى السماء".
ومن إجابته عن: كيف نقرأ؟ قوله: فالحق أن القراءة فن لا يحسنه إلا القليل... وليس فن القراءة يوزن بكثرتها، لكن بدقتها، ولا بطول وقتها ولكن بقيمتها... إن أهم شرط للقراءة الصحيحة أن تكون فى دقة وإمعان يستطعم فيها القارئ الجملة من الفصل، أو الفصل من الكتاب... ويُسائل نفسه بعد القراءة الدقيقة لكل فصل: ماذا يريد الكاتب؟ وهل أخطأ أم أصاب؟ وفيم أخطأ وفيم أصاب؟ وإذا كان قد أخطأ فما صواب ما أخطأ فيه؟ إن قراءة كتاب على هذا النهج خير من قراءة الكتب الكثيرة قراءة سطحية لا عمق فيها ولا تفكير... وهذه القراءة تستلزم أن يهب القارئ عقله كله ونفسه لما يقرأ، فلا يشغله شاغل آخر، ولا تقطع تيار فكره العوارض، فقديماً قالوا: إن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك"..!
"ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ"
أشعر برهبة كبيرة حين أقرأ قول الحق سبحانه وتعالى مبتدرًا سورة القلم ؛ "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ".. نعم فهو قسم عظيم من رب العباد أنزله على رسوله الأعظم فى قرآنه الكريم.. وهى كلمات كان يتردد صداها فى أذنى.. وعندما انتظمت فى مراحل الدراسة كان اهتمامى كبيراً بقيمة الصياغة الجميلة وأهمية الفكرة التى أحاول أن أسطرها بقلمى فى موضوعات التعبير.. والتى كانت من أحب الحصص إلى قلبى، وزادها تشويقاً هذا الكم الكبير من الإشادة من مدرسى اللغة العربية على مدار الدراسة.
ولفت نظرى بعد ذلك فى كتب القراءة والنصوص أن أجد بعض الموضوعات مكتوباً بعد عناوينها أنها بقلم "فلان" أو من قلم "مؤلف آخر"، وأدركت حينها الأهمية الكبيرة للقلم، وأنه ليس مجرد أداة للكتابة بل هو "صائغها ومؤلفها" وأن القلم يتماهى مع صاحبه، بل هو لسانه وعقله وسلاحه وغايته، وأن الكلمات التى يسطرها هى الباقية وصانعة الفكر والحضارة، وهذه الكلمات كانت فى البدء - كما قالها المسيح عليه السلام - وستظل، ومنها يتكون الكتاب والمنهج والمقرر فى المجالات والتخصصات كافة من تاريخ وجغرافيا وحساب ولغات..إلخ، بل وكتب الله تعالى المنزلة على عباده، والتى مشى بها رسله بين البشر.. وحينها فهمت لماذا أقسم المولى سبحانه بالقلم وما يسطرون..!!
وقد حاولت استخلاص منهجا أبتغى منه الاهتمام بمعايير الكتابة الصحيحة من صياغة واستعداد وتأهيل.. حيث أحتفظ دومًا بكم هائل من الكشاكيل والكراسات والأوراق أسطر فيها العبارات الجميلة والكلمات المأثورة والنصوص البليغة والمفردات الراقية وكلمات الأدباء والمفكرين والمصلحين وقادة الرأى.. وحاولت النسج على منوالها وتوظيفها فى كتاباتى.. هذا على مستوى الاهتمام بالصياغة الجميلة.!!
أما على سبيل الاستعداد والتأهيل، فقد اتجهت إلى القراءة بكل جوارحى.. وكأننى وجدت ضالتى التى كنت أبحث عنها كثيراً، بل إنها استهوتنى تماماً، وقد كان لمكتبة الوالد -رحمه الله - العامرة بشتى الكتب وألوان التخصصات فضل كبير، فأقبلت عليها بنهم ٍ فائق، ورحت أقضى فيها الساعات الطوال.
(2020) عام الوعى والثقافة
قبل أن ينقضى عام 2020 بكل إحباطاته الصحية العالمية، نستذكر ونؤكد على إعلان فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى بداية العام حين خصص "2020 عامًا للثقافة والوعى"، والذى يعكس تجسيدًا لواقع عملى لشواغل المجتمع المصرى خلال هذه المرحلة المصيرية الفارقة التى تشهد إعادة بناء الشخصية المصرية دينيًا واجتماعيًا وفكريًا وثقافيًا، فى ظل ثوابت من القيم والسمو والأخلاق والوطنية؛ وهى التى تجد جذورها من خلال تاريخ عريق، وتعايش حاضرًا تنمويًا واعدًا وسباقًا، وتستشرف كذلك مستقبلا مشرقا وثابًا للأجيال القادمة، التى يجب أن تتشكل ثقافتها ووعيها على أسس وطنية راسخة.
لقد أحسن فخامة الرئيس صُنعًا، فى اختياره لهذا العام تحديدًا 2020، ليكون عام الثقافة والوعى؛ ذلك أن الوعى بالثقافة فى عمومها يشكل تحديًا حقيقيًا، فى ظل موجات متتابعة ومتتالية من التشكيك فى الثوابت الوطنية، وتزييف الوعى، تجد مرتعها فى وسائل التواصل الاجتماعى بلارقيب أو حسيب، والتى يمكن أن تؤدى إلى انحرافات فكرية وثقافية وعقدية ومن ثم تهميش الأفكار والركائز الوطنية التى توارثناها جيلا بعد جيل، والتى تزداد وتتفاقم يوما بعد يوم، فى ظل غياب (أو تجاهل) البعض لمواجهتها قبل استفحال آثارها، لاسيما القانونية منها، والتى أعتقد أنها تأتى على رأس أولويات الأمن القومي، لأن الحفاظ على الدولة لا يأتى إلا عن طريق نشر ثقافة وتنمية الوعى القانونى المجتمعى، لمكافحة التأثير السلبى لوسائل التواصل الاجتماعى فى الشباب، وما تبثه وتنشره من معلومات مغلوطة وأخبار كاذبة، أدّت بالفعل، ويمكن أن تؤدى، إلى جرائم فى حق الأوطان والشعوب.
ثقافة الوعى بالقانون لطلاب الجامعات
ثمة محاضرة مهمة أعتزم النقاش حول محاورها.. مع طلاب الجامعات فى مختلف الكليات والمعاهد والمراكز البحثية بإذن الله تعالى، لطرح موضوعات عصف ذهنى تتعلق بمفردات ثقافة الوعى بالقانون، وأهدافها، ومن ثم توصيات عملية لتفعيل مواجهة الشائعات وتزييف الوعى والتشكيك فى الثوابت، وطواف حول منظومة العدالة فى مصر.
ونستهدف من تلك المحاضرة؛ طلاب الجامعات، وهم فى مرحلة عمرية فاصلة، ما بين الطفولة التى كونت ثقافتهم العامة، وبين الاستعداد لتحمل المسؤولية بعد التخرج وخوض غمار الحياة العملية، وهم عدة الوطن وبناة حضارته فى المستقبل القريب بإذن الله تعالى.
ومن ثم نطرح عدة تساؤلات مهمة:
ما مدى وعى آحاد الناس وبصفة خاصة غير المتخصصين فى القانون بحتمية الوعى بالثقافة القانونية ؟
وما هو دور الطالب الجامعى لنشرها؟ > وهل يتوافر لدى المواطن العادى الحد الأدنى من مفردات هذا الوعى، بحيث يصبح قادرًا على التعايش مع تلك المنظومة العدلية، التى تحميه من الوقوع فى براثن المسؤولية، ومن ثم العقاب؟ > ثم كيف يمكن نشر الثقافة القانونية (الصحيحة) و(الموثقة) بين أفراد المجتمع دون وجل أو خوف من تزييف أو تضليل؟
وذلك لما رسخ فى الأذهان عبر عقود مضت من فجوة (مفتعلة) بين المواطن وبين مؤسسات العدالة، حتى كاد هذا المواطن يعتقد أنه مستهدف بالإدانة (ولو دون جريرة) لمجرد سماعه اسم جهة أو جهاز يُطلق عليه عُرفًا أنه سيادى، رغم أن طبيعته القانونية أنه (خدمى) للوطن، وللمواطن (الصالح) وأؤكد المواطن الصالح الذى يحترم دوره فى الدولة وفى علاقاته مع المواطنين الآخرين.
ونأمل أن تتكامل كل الجهود الوطنية لتفعيل تلك الأطروحات والأفكار والأحلام إلى واقع عملى، تتواصل به ومعه جميع الأطراف المعنية، حتى يتحقق للمواطن - الوعى الحقيقى بالقانون، لننعم جميعًا بالاحترام المتبادل للحقوق والواجبات، ونضع قدمًا راسخة فى العالم المتحضر، ونقيم صرحًا قانونيًا حضاريًا، للأجيال المقبلة، لمصرنا الغالية، المحروسة بإذن الله، أمس.. واليوم.. وغدًا.
ويبقى القانون..
تنص الفقرة الأولى من المادة (19) من الدستور: "التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز..".