المنصات الرقمية.. طوق نجاة المطربين للخروج من الركود العام

حيل المطربين للخروج من أزمة الغناء
حيل المطربين للخروج من أزمة الغناء

ريزان العرباوى

منحت المنصات الرقمية طوق النجاة للمطربين للخروج من «شرنقة» الركود العام الذي تسبب فيه «كوفيد 19»، بعد أن نجح في فرض العزل وحظر التجول على العالم أجمع ، إلا أنه لم يستطع تكبيل هيمنة الإنترنت، فأصبح التعامل مع التكنولوجيا والتحرك بشكل أسرع نحو العالم الإفتراضى سبيلا للنجاة، وبديلا اقتصاديا لفروعا متعددة في مجال الغناء، أهمها الحفلات الغنائية التي كانت ومازالت مصدرا أساسيا للربح ، فتم تحويلها من حفلات جماهيرية إلى « أون لاين » دون جمهور تبث من خلال التطبيقات الإلكترونية المختلفة.

كذلك اللجوء إلى بدائل موفرة اقتصاديا إلى حد ما فى أشكال الفيديو الكليب، منها (lyrics video ) وأيضا استبدال (البنرات) وإعلانات الشوارع، بإعلان المطرب عن نفسه وأعماله من خلال السوشيال ميديا.

بوابة أخبار اليوم تستعرض من خلال هذا التحقيق قراءة متأنية لهذا الشكل وتحليل للظاهرة برصد أراء أصحاب المهنة والمختصون فى المجال الغنائي لمعرفة مدى انعكاس تلك الطرق على السوق الغناء بشكل عام ، وهل المطرب هو المستفيد الوحيد أم أن الفائدة قد تشمل عناصر أخرى.

تلك الطرق التى لجأ إليها المطربين والعمل على تطويع وسائل التواصل الإجتماعى لخدمتهم وتحقيق التواصل المستمر مع الجمهور كان بمثابة تنفس صناعى لإنعاش المجال الغنائى الذى كان على شفا جرفها ، خاصة بعد اندثار سوق الغناء وتعرضه لسكتات قلبية متأثرا بقرصنة الإسطوانات سابقا، فشهدت الفترة الماضية نشاطا للمطربين بإقامة عدد من الحفلات «أون لاين»، سواء على تطبيق «تيك توك أو أنغامى أو يوتيوب» وغيرها، منهم سميرة سعيد ونانسى عجرم وعمرو دياب وتامر عاشور ومى كساب ومدحت صالح الذي أقام حفلا عبر قناة وزارة الثقافة الرسمية على «يوتيوب» ، إضافة إلى ذلك الإعتماد على شكل ( lyrics video ) الذى ساعد على طرح عدد من الأغانى بطريقة الفيديو كليب ، مستبعدا بعض العناصر الأساسية فى صناعته ، فكان أكثر توفيرا وأكثر رواجا».


« حفلات بلا روح»
فهل حققت تلك الطرق الهدف المرجو منها ، وما هو مصير الحفلات الجماهيرية فى ظل إرباك الصناعة الذى تسبب فيه فيروس كورونا، الإجابة كانت لناصر بجاتو مدير مكتب حفلات شركة «روتانا» الذى نوه فى البداية إلى المستوى الذى آلت إليه صناعة الموسيقى، وما لحق بها من ضرر بسبب توقف الحفلات الغنائية ، والتى كانت تدر أرباح وإيرادات للدولة من خلال الضرائب التى يتم تحصيلها من كل حفل غنائى.

ويقول: «هذه الحفلات لم تشبع الجمهور فنيا ولم تحقق التواصل الجيد بينه ومطربه المفضل لإنعدام التفاعل المطلوب بين الطرفين ، فالغناء دون جمهور يشبه مباريات كرة القدم التى تقام بدون جمهور وتفقد اللاعب الحماس الذى يستمده من المشجعين فجزء كبير من إحساس المطرب على المسرح مستمد من تفاعل وحماس الجمهور ، فهى حفلات بلا روح وغير مقنعة بالنسبة لى ، ، لكن هى مجرد وسيلة وباب صغير للخروج من الأزمة ، والتواجد ، خاصة أن فكرة إقامة حفلا غنائية فى ظل الظروف الراهنة يعتبر خسارة كبيرة ، فالعائد منها لن يغطى التكاليف لضرورة الإلتزام بالإجراءات الإحترازية وتقليل عدد الحضور ، فأصبح الأمر قاصرا على إقامة أفراح (أوت دور) بنسبة تشغيل معينة ، إلى جانب حفلات الـ(welcome party)، وبمجرد عودة الحياة لطبيعتها ستعود الأمور إلى نصابها، حتى يتم تعويض المتضررين من الموسيقيين ومتعهدى الحفلات وأصحاب الـ( dg )، فهم الفئة الأكثر تضررا بالأزمة، ولقد تابعت على مدار الفترة الماضية عدد من تلك الحفلات وبدون ذكر أسماء لمن وفق فى هذه التجربة ، ومن أخفق ، لكن ما لمسته هو غناء المطرب على غير طبيعته ، وكأنه يغنى للهواء، أما بالنسبة للفيديو كليب فقد أشاد بالبدائل المطروحة والتى يرى أنها بدائل أوفر اقتصاديا".


 ويضيف: «الكليبات الغنائية أمرا تسويقيا مهما ، فمنذ فترة السبعينات وحتى اليوم وصناعة الفيديو كليب فى تطور مستمر بين من يستغلها كوسيلة تسويقية ، ومن يعتبرها وسيطا فنيا وكل تطور يعتمد على النمط الحياتى لكل عصر مع ضرورة التوظيف السليم للتكنولوجيا لخدمة الفن ومن هذا المنطلق تأتى أيضا فكرة استحداث وسائل الدعاية للمطربين والتى اختلفت فى الشكل وباتت أكثر إعتمادا على وسائل التواصل الإجتماعى  كنظير اقتصادى الذى يغنى فى بعض الأحيان عن إعلانات  (الأوت دور )».


« تبادل منفعة»
فى محاولة لاستقراء التفاصيل العملية لحركة إنتاج هذا الفن وبثه من خلال المنصات الرقمية ومردود ذلك على شركات الإنتاج يقول علي عبد الفتاح المستشار الإعلامى لشركة « مزيكا»: « الطرق المعتادة لم يعد لديها الموازنات التى تواكب بها السوشيال ميديا التى أصبحت واقعا لابد من تصديقه والتعامل معه ولو تركنا طريقة التحصيل جانبا وبحثنا عن صفة مميزة يتسم بها الجو العام لوجدنا إعتقادا ، بل يقينا شائعا ، أن ما يحدث يتماشى مع ميول المتلقى وتعتمد شركات الإنتاج فى الوقت الحالى على تليفزيونها الخاص ، إلى جانب صفحات خاصة بها على السوشيال ميديا لها موردين ومتابعين تقوم من خلالها بالترويج لألبوماتها والأغانى التى تنتجها ، فهناك تبادل منفعة مع ثورة التكنولوجيا من خلال عملية الترويج وفى الوقت نفسه وجود متابعين لأخبار هذه الشركات».

 ويتابع: «شركات الإنتاج متأثرة بمعطيات مختلفة منذ زمن فات بسبب السرقات وقراصنة الإنترنت وفى الأساس لم يعد هناك وجود لتلك الشركات سوى القلة القليلة التى تعد على أصابع اليد الواحدة ، وفى ظل أزمة ( كورونا) التى ألقت بتداعياتها على الصناعة فقد طالت شركات الإنتاج خسارة فادحة فى الفترة الماضية وأثرت على السوق بشكل عام حتى انعدمت الحفلات الجماهيرية التى كانت عنصرا أساسيا من عناصر الربح لكافة الأطراف وجاءت فكرة إقامة الحفلات ( أون لاين ) ، كطوق نجاة إلى جانب اختيار بدائل أكثر توفيرا لشكل الفديو كليب منها ( lyrics   video) وتلجأ إليها شركات الإنتاج بأشكال متنوعة وجاذبة للمشاهد حتى لا يحدث هدر للأغنيات فهى عملية ترويج بشكل آخر نظرا لإنعدام إمكانية اتباع الطرق المكلفة، لكن من المستفيد من تلك الحلول فالإجابة بشكل قطعى».

واستطرد: «المستفيد هو المطرب فهو من يحصل العائد المادى من خلال المشاهدات ، لأنه فى هذه الحالة هو المنتج أما شركات الإنتاج فهى متأثرة ومتضررة من الوضع الحالى ، ومن الأوضاع السابقة ، فيجب وقفة من رجال الدولة والنظر إلى صناعة الأغانى ووضع شروط جادة لمحاربة قراصنة الإنترنت وسرقات الأغانى وضياع حقوق المنتجين لردع المغرضين وإيقافهم عند حدهم.. وأصبحت الدعاية من خلال السوشيال ميديا هى الوسيلة الأسرع والأوفر للمطرب وقريبا ستختفى إعلانات الأوت دور».


« سلعة استهلاكية »
يرى الملحن حلمى بكر أن تلك الطرق ما هى إلا تحايل من المطرب للتواجد، ويقول: «حب الشهرة والنجومية لدى بعض الفنانين جعلهم يلجأون إلى ساحة السوشيال ميديا ، فهى الملاذ ليشعر أنه ذو قيمة وحضور فى محاولة منه لتعويض شيئا ما يفتقده ، ولا جدوى من تلك الطرق لأنها أصبحت بكثرة وفتحت الباب على مصرعيه ، فأقتحم الساحة من يحملون أسماء العطارة والنجارة والحدادة ، وشجعت من لا يمتلكون المادة على الدخول من هذا الباب الضيق بدعاية لا تكلفهم مليما، أما ( البنرات ) التى كانت تملئ الشوارع كانت لعمل ذو قيمة وعمل مكلف فاختل التوازن بين الجيد والرديء والإنفتاح أصبح معنى للهمجية وعدم اتباع الذوق العام مع فراغ الضوابط الذى انعكس على المحتوى الفنى الذى يقدم من خلال المنصات الرقمية، فتحول الغناء إلى سلعة إستهلاكية يحكمها معايير السوق لا معايير الفن، فلابد من وجود ضوابط تحكم العملية الإلكترونية لتجنب الفوضى وتذويب المسمى المهنى لصناعة الفن حتى لا يقود ذلك إلى الإنهيار ، والمنادة بالضوابط ليس منادة بالتعنيف أو التضيق فالتنظيم لا يتصادم مع استقلالية سوق الغناء والإعلان عنه رقميا».

ويتابع: «أرى أنه لا شرعية فى حفلات الـ( أون لاين ) فهى غير قانونية وغير طبيعية فالطبيعى هو مواجهة الجمهور بعمل فنى جيد من خلال قنوات شرعية فهى طرق أشبه بطوق ، لكنه ليس طوقا للنجاة ، بل طوقا فاسدا سيغرق صاحبه وبعد الخروج من الأزمة سيبحثون عن طرق أخرى ، ولكن ستكون أسوأ لأن من يخطط جاهل وهذا التخطيط يماثل لعبة المظاهرات من يدخل يهتف دون أن يعلم بماذا يهتف، وإلى الآن لم يوفق أى مطرب فى تطويع هذه الثورة التكنولوجية لخدمته وخدمة الفن حتى ما يقدم من فيديو كليب ما هو إلا (كروما) أو صورة ثابتة بخلفية غنائية تفتقر للفكر والإبداع فما هى إلا بدائل مؤقتة لن تستمر فنحن نغرق فى الإسفاف».


« لغة العصر»
وكان للموسيقار هانى شنودة رأيا مختلفا إذ أيد الفكرة وبقوة معترضا على تسميتها حيل ويقول: «هى طرق جديدة أضافها العلم لخدمة الإنسان ، والذى استطاع بدوره تطويعها لخدمة الفن صحيح أن السوشيال ميديا سلاح ذو حدين ، لكن علينا دائما الأخذ بالإيجابيات، وما سيأتى به العلم مستقبلا سيفوق كل التوقعات فلابد من أخذ معطيات التقدم لأن رفض العلم هو السلبية بكامل أوصافها».

ويتابع باهتمام: «صحيح أن الحفلات الغنائية الأصل فيها الجمهور، لكن هى ظروف وأوضاع استثنائة فرضت علينا وفى نفس الوقت أتاحت للجمهور فرصة متابعة ومشاهدة كل جديد لفنانة المفضل بكل سهولة ووفرت له الإستمتاع بحضور حفلات غنائية أعدت خصيصا من أجله دون أى تكلفة مادية ، بشكل عام وبعيدا عن محاولة تحديد قائمة بملاحظات تقنية مثيرة للجدل نقول أن ما يحدث هو صفة التعبير عن لغة العصر».


« حالة مؤقتة »
عبر الموسيقار هانى مهنى عن اهتمامه الذى يشوبه القلق من عملية الانفتاح وثورة التكنولوجيا التى قد تؤثر سلبا على صناعة الفن ، مناديا مؤسسات الدولة بضرورة التحرك والدفاع عن الملكية الفكرية، ويقول : «هناك خطوات اتخذتها بعض الدول للحد من التجاوزات وحفظ حقوق الصناعة والقائمين عليها لتستطيع النهوض من جديد وخلق مجال للحراك الفنى ، وأعتقد أن الطرق التى استحدثها المطربون ستساهم حتى ولوبشكل مؤقت فى إنعاش الركود العام الذى تسبب فيه فيروس كورونا بالرغم من أن الحفلات الـ( أون لاين ) تعتبر حفلات بلا روح أو تفاعل إلا أنها حالة استثنائية مؤقتة وتصرف لمعالجة الأزمة ولا أعتقد أنها ستستمر لأن الأصل هو التفاعل مع الجمهور ولا غنى عنه للمطرب والموسيقيين، كما أنها سبيلا للتذكير الدائم بالفنان حتى لا ينساه الجمهور ، لكن الخوف من أن تتحول المشكلة من مشكلة تواصل لتنتهى إلى تشريع الأبواب أمام ما هو أدهى من مسألة سلامة الذوق والمستوى الفنى ، فلابد من إدراك أبعاد القضية حتى لا تأتى بنتائج عكسية، أما مسألة الاعتماد على أشكال مختلفة للفيديو كليب ، فقد أحيا الصناعة من جديد بعد تراجعها الفترة الماضية لأسباب إنتاجية، وهو صحيح بديل موفر فى النفقات والتكلفة الإنتاجية ، لكن تأثيره سلبى على القائمين على صناعة الفيديو كليب من مصورين ومخرجين وباقى العناصر الأخرى بتقليل فرص العمل».