في ذكرى ميلاده الـ 103

لماذا أطلق أحمد مظهر تسمية «الحرافيش» على «شلة» نجيب محفوظ؟

«الحرفوش» أحمد مظهر يحاور كبير «الحرافيش» نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل فى الأدب
«الحرفوش» أحمد مظهر يحاور كبير «الحرافيش» نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل فى الأدب

جاء الفنان أحمد مظهر للدنيا فى الثامن من أكتوبر عام ١٩١٧، أى كان عمره عامين أثناء قيام ثورة ١٩١٩ وبعيدا عن القصص الكثيرة التى رويـت عن أحمد مظهر الـفـارس الذى تخرج فى الكلية الحربية عام ١٩٣٨، وكان من دفعته جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وثـروت عكاشة، وكمال الدين حسين، وعبد الحكيم عامر.

وبعيدا عن كونه واحـدا من تنظيم الضباط الأحــرار والــدور الـذى لعبه فى ثورة ٢٣ يوليو برغم انه لم يحضر قيامها لـوجـوده بفنلندا ممثلا للجيش فى مسابقة دولية للفروسية بالالعاب الأوليمبية، وبعيدا عـن مـشـاركـتـه فـى حــرب فلسطين ١٩٤٨، وتوليه قيادة مدرسة الفروسية، وبعيدا عن روائع ابداعاته السينمائية الخالدة التى حفر بها تاريخ سينمائى مسجل بأعمال كبيرة مثل ( رد قلبى - الناصر صـلاح الدين - دعاء الكروان - العتبة الخضراء - شفيقة ومتولى - لصوص لكن ظرفاء - القاهرة ٣٠ - وغيرها من الاعمال الكبيرة ).

بعيدا عن كل ما سبق، دعونا نلقى الضوء على جانب هام جدا فى حياة أحمد مظهر، ومكون يكشف الكثير من شخصيته التى كانت تبدو للعامة شخصية " ارستقراطية " بينما هو فى الحقيقة كان يرى نفسه من " الصعاليك " بدليل أنه شارك فى تأسيس " شلة " الحرافيش " عندما ألتقى بأديب نوبل نجيب محفوظ عام ١٩٤٣ ،قبل ان يدخل احمد مظهر عالم الفن والسينما بسنوات طويلة وكان وقتها ظابط بالجيش.

واعترف نجيب محفوظ فى حوار تليفزيونى ان أحــمــد مـظـهـر هـــو صــاحــب تـسـمـيـة " الحرافيش " كما سنرى فى المقال الذى كتبه عنه بعد رحيله. يقول نجيب محفوظ فى حوار تليفزيونى أن " شلة الحرافيش " بدأت بلقأت فى بيت عادل كامل الـذى شاركه فى اقتسام جائزة أدبية وظلت الشلة تتنامى بانضمام أحمد مظهر وتـوفـيـق صـالـح ومصطفى محمود وصـلاح جاهين، وغيرهم، وأكد أن احمد مظهر هو صاحب تسمية "الحرافيش".

ثـم انتقلت لقاءات الشلة من داخـل بيوت الاعضاء إلى مقهى "زقاق المدق" ثم عدة مقاهى بالحسين من التى يرتادها البسطاء، ومنها إلى مقهى الفيشاوى إلى ان استقرت فى كازينو بديعة على النيل.

وقـال نجيب محفوظ إن أحمد مظهر أو ضح له وللشلة ان كلمة " حرافيش " هى كلمة تركية وتعنى "حارة مفيش أو لا يوجد حارة " والمقصود بها " الصعاليك" أو بسطاء القوم. بتكليف من مجلة " الكواكب " تقمص الفنان أحمد مظهر شخصية " الصحفى " وأجرى حوارا مع "الحرفوش الأكبر" نجيب محفوظ سأله فيه عن رواياته وأعماله، وحمل الحوار الكثير مـن روح الــود والـدعـابـة بـين الفنان الكبير والأديب العالمى.

وقال أحمد مظهر عن صداقته للأديب العالمى: " نجيب محفوظ هو صديقى الأول ولا يعلو عليه أحد فى قلبى"، وبدأ الحوار بدعابة سأل فيها نجيب محفوظ الفنان أحمد مظهر، قائلا:  مال الصحفى - " أنت ناوى تبقى صحفى.. أ يشتغل إيه؟" فأجابه مظهر، قائلا: " أى حاجة إلا التمثيل دى نصيحة لوجه االله". ووصـــف نجـيـب مـحـفـوظ نفسه فــى هـذا الحـــوار مـع احـمـد مظهر بـأنـه مثل "عربية الرش" لأنه لا بد أن يمتلئ من أدب الآخرين ليعطى الآخرين، مشيرا إلى أن معظم الأدباء فى مصر متعبين ؛ لأن معظمهم غير متفرغ، وكثير منهم موظفون حكوميون أو صحفيون، وهناك غيرهم مدفونون.

وسأل مظهر نجيب محفوظ، قائلا : "يصفونك بأنك كاتب الأزقة والحوارى وشوارع المدن فقط، وأنك لم تهتم بالقرية، فأجابه الأديب العالمى : "عندك حق، لكن من أين أجد الوقت لكى أذهب إلى الريف وأعيش فيه، وعلشان أكتب عن الريف لازم أكون منفعل بالريف تماما كما انفعلت بالأزقة والحارات، وحتى يظهر الأدب واقعيا صادقا ومعبرا".

 ومن الجدير بالاهتمام أن اديب نوبل نجيب محفوظ كتب مقالا فى جريدة " الأهرام " بعد رحيل صديقه أحمد مظهر فى ٨ مايو ٢٠٠٢ يتحدث فيه عن ذكرياته معه قال فيه : " من الفنانين الذين عرفتهم واقتربت منهم والتقيت بهم كثيرا باعتباره من رواد شلة الحرافيش..  الفنان أحمد مظهر الفارس النبيل. وهو من الضباط الأحـرار الأوائـل على الرغم من أنه حين قامت الـثـورة كـان خــارج مصر وأحمد مظهر مـن نفس دفـعـة جـمـال عبد الناصر فى الكلية الحربية.

وكان له دور فى التمهيد لقيام الثورة، اختاره تنظيم الضباط الأحرار للاتصال بالدكتور محمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية فى آخر حكومة للوفد، وكان فى ذلك الوقت والد زوجة أحمد مظهر وذلك لينقل للنحاس باشا رئيس حزب الوفد ورئيس الوزراء رسالة خطيرة.. كان مضمون الرسالة أن تنظيم الـضـبـاط الأحـــــرار يـرتـب لخلع الملك فـــاروق، وأن التنظيم مستعد للتعاون مع النحاس باشا إذا ما أعلن موافقته على الانقلاب، إلا أن النحاس رفض على أساس أن الجيش لا يصح له التدخل فى السياسة، وقال الدكتور محمد صلاح الدين لمظهر ما نقل على لسان النحاس رفضه. 

وكلف الضباط الأحرار أحمد مظهر ثانية بالذهاب إلى والد زوجته مرة ثانية برسالة أخرى تتعلق بالخلاف بينه وبين فؤاد سراج الدين حيث كان صلاح الدين يتهم فـؤاد سـراج الدين بالابتعاد عن مبادئ الوفد وأنه أصبح من كبار الإقطاعيين الذين يحاولون أن يجعلوا من الوفد حزبا مستأنسا، وعرض الضباط فى رسالتهم إلى صلاح الدين القيام باغتيال سـراج الدين.. لكن صلاح رفض الفكرة بشدة، وكما عرفت من مظهر فيما بعد أن النحاس وسراج الدين كانا على علم بوجود تنظيم الضباط الأحرار خاصة بعد الانتخابات التى جاءت بالنحاس وحزب الوفد إلى السلطة عام ١٩٥٠ ولكنهما تسترا على التنظيم ولم يبلغا الملك، وحتى تلك الفترة لم أكن أتوقع ومعى كثيرون أن يقوم الجيش المصرى بالثورة لأسباب كثيرة أولها أن تصورى عن ضباط الجيش المصرى آنذاك أنهم مجموعة شبان لا يهتمون بالسياسة وأن الكثيرين من الضباط كانوا موالين للملك

 وثانيها أن أى حـركـة للجيش ســوف تعيد السيناريو الذى حدث مع أحمد عرابى ولذلك عندما قامت الثورة أصبت برعب شديد على استقلال مصر، وقلت لنفسى إن كل ما بنيناه سوف يهدم وكان تصورى أن هناك قوة أجنبية ساعدت الجيش فى القيام بالانقلاب، فلم أتخيل أن جيشنا قويا يمكن أن يقف فى وجه ما بين ٨٠ و٩٠ ألف جندى بريطانى يرابطون بأسلحتهم فى منطقة القنال. والفنان أحمد مظهر هو أحد مؤسسى " شلة الحرافيش " بل إنه صاحب هذه التسمية، فكما قال لى إنه قرأ هذا اللفظ " الحرافيش" فى كتاب تاريخ قـديم أظنه تاريخ الجبرتي، وأعجبه اللفظ فأطلقه على شلتنا لأنـه يعبر عنها

 فالحرافيش تعنى "الصعاليك" وكنا نحن أقرب إلى هذا المعنى بالفعل ومظهر بالإضافة إلــى هــذا كله هـو مـن أكـثـر الفنانين الذين التقيت بهم ثقافة واحتراما وانضباطا وحبا للحياة وللوطن. ومـن الجـديـر بالاهتمام أيضا ان الفنان أحمد مظهر عندما تحدث عن صديقه نجيب محفوظ فى لقاء ببرنامج " يا تلفزيون يا " قال فى كلمات موجزة وبليغة وبمشاعر فياضة وصادقة: "نجيب محفوظ هو الصديق الأول لدي، ولا يعلى عليه أحد فى قلبى مهما يكون مين".

«كنوز»
 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا