محمد التابعي.. يكتب التليفون فى 1950!

محمد التابعي.. يكتب التليفون فى 1950!
محمد التابعي.. يكتب التليفون فى 1950!

انشغل العالم وصحافة العالم وما زال الاثنان - طول الأسبوع الماضي" بحديث القنبلة الهيدروجينية "، وانشغلت مصر وصحافة مصر وأحزاب مصر - وما زالت - بحديث قنبلة رئاسة مجلس الدولة، ومصر كما ترى لا تنقصها روح الفكاهة.


وأترك الحديثين، حديث السياسة الدولية وحديث السياسة الداخلية، إلى حديث ثالث لعلى أفرج به عما تضيق به صدور الملايين من أهل هذا البلد، " حديث المواصلات البايظة "، وأحب هنا أن أعتذر وأن أبدى أسفى من استعمالى للفظ " بايظة " لأنه ليس من الألفاظ التى يرتاح لها الذوق السليم.


وأبدى أسفى لأن ذخيرتى من الألفاظ أو كلمات اللغة العربية السليمة ذخيرة فقيرة محدودة وما أظن أن عدد ألفاظ اللغة العربية التى أستعملها فى كتاباتى يزيد على بضع مئات، ولقد بحثت بينها عن لفظ يؤدى المعنى الذى أريده فلم أجد خيرا من " بايظ وبايظة " !

أقرأ ايضًا: استقبال الفاتحين لماجدة في مهرجان برلين

وكافة وسائل المواصلات فى مصر بايظة، وما أظن أن بين ألفاظ اللغة التى أعرفها والتى يعرفها بعض الزملاء أن بينها لفظا واحدا ترضى له ذمته أن يساق فى معرض الإعجاب أو المديح أوالرضا عن هذه المواصلات، التليفون، البريد، التلغراف، السكك الحديدية، الترام، السيارات العامة.. إلى آخره..


ومنذ سنوات أطلق احدهم - ولا تسلنى من هو - على الرجل الشريف الطيب القلب زكى العرابى باشا وكان يومئذ وزيرا للمعارف،لقب وزير الحزم والعزم، وما أحوج معاليه اليوم إلى اصطناع كل ما أوتى من حزم وعزم فى وزارة المواصلات.


وأبدأ بالتليفون، وأتحدى كل أحد أن يدلنى على شخص واحد - ولو بين الوزراء أنفسهم - لا يشكو من التليفون الذى تنقطع منه الحرارة فى كل وقت وأى وقت، وقد تشتعل النار فى الدار ويفزع أصحابها إلى التليفون لكى يستدعوا رجال المطافئ، ولكن التليفون أخرس. ميت.لا حرارة فيه ! أو قد يصاب مريض بأزمة قلبية ويفزع أهلوه إلى التليفون.. ولكن !


ولكنها قلة ذوق من النار أن تشتعل، ومن المريض أن تتفاقم حالته أثناء عطل التليفون ! وكان أخلق بالاثنين أن ينتظرا حتى تدب الحرارة فى التليفون !

اقرأ ايضًا: المرأة والحب والتفاؤل في حياة كامل الشناوي
 


أوترفع السماعة وتديرالرقم، وتصغى. وبدلا من أن يجيبك صاحب الرقم الذى طلبته تسمع حديثا بين اثنين ! بين زوج وزوجته، أو بين اثنين من رجال الأعمال، أو تسمع حديثا لا يليق، أو يرد عليك صاحبك وإذا أنتما فى الحديث يتدخل معكما شخص لا تعرفانه ويطلب منكما أن تقفلا السكة وبلاش كلام فارغ !


أو تدير رقما معينا، فيرد عليك رقم آخر، وتعتذر له ويقبل منك الاعتذار، وتعود وتدير الرقم الذى كنت طلبته، وفى هذه المرة تدقق فى الأرقام، ولن يرد عليك نفس الرقم الآخر ! - أما فى المرة الثالثة - وخصوصا إذا كان سيدة - فإنه ينعل لك الأخضرين ! ويأسف على تدهور الأخلاق، وسفالة الناس - وأنت المقصود - الذين يعاكسون ربات الخدور !


وهذه أمثلة قليلة من كثير.
وبين هذا وذاك يتحدث المفتش العام الأستاذ شكرى بك أباظة بواقع مرة واحدة على الأقل فى كل أسبوع إلى إحدى الصحف ويمنى الجمهور، ويمن على الجمهور، يمنى الجمهور بقرب إصلاح الحال بعد إنشاء شبكة كذا وتنفيذ مشروع كيت، هذا والحالة تسير من زفت إلى قطران !
ويمن على الجمهور بأن عاملات وعمال مصلحة التليفونات يعملون آناء الليل وأطراف النهار وأن الحالة فى بعض البلدان الأخرى أسوأ من الحالة فى مصر بكثير!
ولكن سعادته يكتفى بالتقرير ولا يضرب الأمثال، وأنا أبدى استعدادى لأن أكذب نفسى بنفسى إذا ذكر لى شكرى بك أباظة اسم بلد أوروبى واحد حتى البلدان التى اجتاحتها الحرب حالة التليفونات فيه أسوأ من مصر !


ومستعد لأن أكذب نفسى مرة أخرى إذا زعم أحدهم أن سيدنا أيوب كان عنده تليفون.
أو لعله عليه السلام كان عنده تليفون - وتليفون مصرى - ومن هنا أصبح صبره مضرب الأمثال!

«آخر ساعة» - 8 فبراير 1950

 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي