حكايات| «كورونا» يثير الغريزة البشرية القديمة.. السفر كالماء والهواء

البشر يطوقون لغريزة السفر التي كان الأجداد يعيشون بها فلا مكان ثابت لهم  (موضوعية)
البشر يطوقون لغريزة السفر التي كان الأجداد يعيشون بها فلا مكان ثابت لهم (موضوعية)

«المدام محتاجة تسافر تغير جو» جملة كان يقولها طبيب العائلة في الأفلام الأبيض والأسود عندما كانت تشعر ربة المنزل بأعراض إعياء وتعب غير مبررة، انتشرت بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي كسخرية من الوضع بعد جائحة كورونا وإجراءات التباعد الاجتماعي ووقف السفر لفترة كبيرة، وشعور المواطنين بالملل في وقت تم فيه وقف كل الأنشطة الترفيهية. 

 

إلا أن تساؤلا أُثير في أوساط علمية وسط أجوء الإغلاق العالمي الكبير؛ هل يعد «السفر» من ضمن أساسيات الحياة الصحية الجيدة للإنسان ؟ .. أصحاب التساؤل يرون أنه ليس من الطبيعي للإنسان أن يكون مستقرا وساكنا بهذا الشكل لفترات كبيرة، فالسفر في الجينات البشرية، وفي معظم الأوقات التي تواجد فيها الإنسان منذ بدء الخلق، كان كصائد أو جامع ثروات يتنقل على الأقل بين مجموعات صغيرة بين البلدان.

 

اقرأ للمحررة أيضا | «لبن العصفور» متوفر في الحقيقة.. الطيور ترضع دون أثداء

 

غريزة البداوة
الحياة البدوية للإنسان لم تكن مصادفة ولكنها كانت مفيدة، كما يقول عالم النفس الأمريكي كريستوفر رايان في كتابه Civilized to Death، إذ يرى أن الانتقال إلى أرض مجاورة دائمًا يعد خيارًا لتجنب نشوب الصراع أو لمجرد تغيير المشهد الاجتماعي.


والسؤال هنا ماذا لو لم نستطع التحرك؟ ماذا لو كنا غير قادرين على السفر؟ نحن جنس يتكيف ويمكننا أن نتسامح مع فترات وجيزة من السكون القسري، ولكن الأمر قد يصل إلى شعور الإنسان بالألم العضوي حقا وليس النفسي فقط إذا استمرت فترة السكون لمدة طويلة.

 

السفر لرؤية أماكن خارج مسقط رأسنا أمر بالغ الأهمية للتعرف على العالم، بحسب «رايان»، سواء كان محليًا أو إلى بلد أجنبي، يمكن أن تكون تجربة لا تنسى مدى الحياة، ومن المهم الحفاظ على نمط مستمر من التعلم والوعي طوال الحياة، والسفر وسيلة رائعة للقيام بذلك، بعبارة أخرى، السفر هو رغبة بشرية أساسية.

 

اقرأ للمحررة أيضا | متلازمة داون للحيوانات.. سر زواج الأقارب بين ذوات الأربع

 

ليس للترفيه فقط
بحسب موقع مجلة «ناشيونال جيوجرافيك»، فإن دراسات حديثة عدة تشير إلى أن المتعة ليست السبب الوحيد للسفر، ولكن الهروب أيضا إذ لا يهم إلى أين أنت ذاهب، بل الحاجة للتحرك هو سبب أساسي للتفكير في السفر، فالأمر لا يتعلق  بعطلة أو استرخاء على شاطئ استوائي، إنما يتعلق بالبعد عن الأعمال المملة نفسها، ويهرب معظم الناس حتى لا يضطروا إلى التفكير في المشكلات التي خلفوها وراءهم.

 

ووفقًا للباحثين، فإن تجربة التعايش مع ثقافة أخرى تمنحنا عقلية متفتحة قيمة، مما يجعل من السهل إدراك أن شيئًا واحدًا يمكن أن يكون له معان متعددة بسبب التناقضات الثقافية حول العالم.


 

السفر بلا شك هو الخيار الأفضل لمن يؤمنون بحياة صحية، أولئك الذين يسافرون هم أقل عرضة للمشاكل الصحية لأنهم أكثر نشاطًا، مما يعزز من صحة القلب عن طريق خفض ضغط الدم وحتى منع السكتة الدماغية، ويوسع آفاقك ويعزز صحة الدماغ الصحية والإبداعية، وثبت علميًا أن السفر يقلل من مستويات التوتر ويمكن أن يساعد ذلك في إزالة السموم ويجعلك نشيطًا جسديًا وعقليًا ويجعلك تشعر بالصحة والحيوية.

 

يجعلك السفر تواجه تحديات تجعلك شخصًا أقوى مما يؤدي إلى نسخة أفضل من نفسك، ويمكن أن تعيد اكتشاف من أنت حقًا، لذلك يسافر الإنسان لأنه يحتاج إلى ذلك، لأن المسافة والاختلاف هما العامل السرّي للإبداع، عندما نعود إلى المنزل، يبدو المنزل كما هو، ولكن شيئًا ما في أذهاننا قد تغير، وهذا يغير كل شيء، اخرج من منطقة الراحة الخاصة بك وسافر لتجربة عالم جديد.

 

السفر طريقة للتعلم والنمو داخل الذات وهو طريقة لصقل المهارات وإدارة الوقت، وفرصة للتواصل مع العالم المختلف عنك، يمكن أن يوفر السفر وسيلة لتوحيد البشرية.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي