بالشمع الأحمر

ضحايا الدبلومة الأمريكية

إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى

لم يكن الاتجاه إلى الدبلومة الأمريكية تعاليا على نمط تعليمى تقليدى، بل رغبة فى الهروب من شبح استوحش لسنوات، وبدأ يلتهم أعصاب أبنائنا فى شهور، وقد يستمر تأثيره لسنوات ممتدة. لم يتجه الكثيرون لهذه الدبلومة جريا وراء الحلم الأمريكى المعتاد، بل طلبا للجوء تعليمى يحميهم من كابوس يتزايد، واختاروا إنفاق آلاف الجنيهات على الدراسة، بدلا من صرفها على علاج ما تُفسده الثانوية العامة. ليكتشفوا فجأة أن الطرق كلها تتلاقى، وأن» كورونا» جعل النتائج تتشابه، فالمجاميع» الباهظة» لطلاب الثانوية المصرية لم تُمكّنهم من أحلامهم، تماما مثلما هدّدت ممارسات خارجية عجيبة طموحات الهاربين إلى التعليم الأجنبي.
الهدف إذن كان الفرار من ضغوط زادت على الحد، ومنح أبناءنا فرصة تحصيل العلم بعيدا عن توترات الاختبارات ومفاجآتها، لأن تعدد الفرص يُوفّر هدوءا نسبيا، خارج إطار مغامرة وحيدة، ربما تُبدل ملامح المستقبل إلى النقيض، لمجرد ضياع درجة أتلفها القلق! فى العامين الأخيرين انقلب الحال، وفوجئ طلاب الدبلومة بصنف مُبتكر من التوتر، بعد إلغاء عدة امتحانات بسبب تسريب الأسئلة، ثم أدّت الجائحة لإلغاء اختبارات أخرى تباعا. ظل الكثيرون ينتظرون وصول الحل مع البطل الأمريكى فى اللحظات الأخيرة، مثلما يحدث فى أفلام الإثارة التى تُنتجها هوليوود، وأخيرا تم رفع الحظر عن الامتحانات، وتسلّح الآلاف بالإصرار استعدادا لماراثون الفرصة الأخيرة. لكن السيناريو تغيّر بشكل مباغت، وأعلن الأمريكيون استسلامهم أمام تسريب الامتحانات، وقرروا تعليق امتحانات «sat» فى مصر حتى يونيو القادم، حفاظا على مصداقية دبلومتهم! دون أن يُفسّروا كيفية حدوث التسريب المُتكرر، رغم أن الامتحانات فى حوزتهم، مما يعنى أن الخلل ضارب فى منظومتهم، التى يُعاقب آلاف الطلاب المصريين على أخطائها، مع أن التسريب ليس حكرا عليهم، لكنهم وحدهم من تعرضوا للعقاب. وهكذا تحولت الدبلومة الأمريكية بدورها إلى مقامرة بالمستقبل، يفوق خطرها سلبيات امتحاناتنا التى طالما شكونا منها.
رغم أن مصير طلاب الدبلومة لا يدخل فى اختصاصات وزير التربية والتعليم، إلا أنه حاول أن يجد لهم مخرجا، وهو أمر يستحق الإشادة بعد معارضتى له فى قرارات وتصريحات سابقة. نصح د. طارق شوقى من لم يستكملوا امتحاناتهم بخوض امتحان «act» البديل، ثم قرر طرح نموذج مصرى آخر مُعترف به، يخوضه ضحايا القرار الأمريكى بعد أيام، صحيح أنهم ظلوا يتساءلون حتى كتابة هذه السطور عن آليات الاختبار، لكنه يبقى تدخلا محمودا فى النهاية. غير أنه يفجر مشكلة جديدة.
الأساس فى أية امتحانات هو تكافؤ الفرص، لهذا يخضع الطلاب بمختلف المحافظات لامتحان ثانوية عامة واحد، تسرى صعوبته أو سهولته على الجميع، فتأتى النتائج حاسمة قدر المستطاع. غير أن محاولة إنقاذ الموقف أطاحت بمبدأ التكافؤ، ووضعتنا أمام ثلاث نوعيات من الطلاب: من أنهوا امتحانات «sat» فعليا قبل قرار تعليقها، والذين أدوا اختبارات «act»، ومن سيخوضون التجربة المصرية المقترحة. أى أننا أمام تنوع فى الاختبارات، وقد تكون الأسئلة سهلة فى أحد المسارات وصعبة فى آخر، ليجتمع الكل فى النهاية بتنسيق واحد، وكل منهم حسب حظه!
لا أكتب اليوم مطالبا بحل لطلاب الدبلومة وابنى واحد منهم، وسأظل مقتنعا باختيارى لأنه الأفضل من وجهة نظرى، لكن الاكتشاف الجديد هو أن شبح الثانوية العامة تجاوز المحلّية، وامتدت تأثيراته إلى الشهادات الأجنبية، أمريكية كانت أو إنجليزية، بفضل فيروس غير مرئي، وقرارات عشوائية تم تصنيعها فى الخارج!

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي