خارج النص

«وصية» أسامة الباز

أسامة السعيد
أسامة السعيد

فى سنوات الدراسة الجامعية، حضرت ندوة للدكتور أسامة الباز المستشار السياسى السابق للرئيسين الراحلين أنور السادات وحسنى مبارك، وكان ذلك اللقاء السنوى بجامعة القاهرة مناسبة ليتحدث بفضفضة نادرة لا تتيحها اللقاءات الرسمية.. فى ذلك اللقاء الأخير، قبل أن يخبو نجمه تحت ضغط صعود الحرس الجديد حول الرئيس مبارك، الذين أرادوا الانفراد بالسيطرة على آذان وعقل الرئيس، سُئل الدكتور الباز : كيف تجاهر بكراهية إسرائيل، رغم أنك أحد مهندسى اتفاقية السلام معها؟ فأجاب الرجل بصراحته الصادمة أحيانا، أنه بالفعل يكره إسرائيل، وسيظل على موقفه منها، وأن بيننا وبينها ثأرا ودما لا بد أن نأخذه يوما ما، لكن الدفاع عن المصلحة العليا لمصر، تجعله يقبل بالتفاوض مع الشيطان ذاته.
وحكى الباز أن موقفه ذلك طالما أثار دهشة الأمريكان والإسرائيليين على حد سواء خلال مفاوضات كامب ديفيد، فهو يقضى ساعات النهار فى تفاوض شاق ونقاش لا يهدأ، ثم إذا انتهت المفاوضات، لا يتبادل مع الإسرائيليين كلمة واحدة، ولا حتى تحية عابرة إذا تصادف والتقى بأحدهم فى بهو الفندق أو أحد مطاعمه، وعندما سأله أعضاء الوفد الإسرائيلى فى المفاوضات عن ذلك، أجاب ببساطة ومباشرة: لأنى أكرهكم.. إن جلوسى معكم صباحا هو أمر تقتضيه مصلحة بلادي، أما بعد انتهاء المفاوضات فهو قرارى الشخصي، وأنا أكرهكم وسأظل كذلك، وقد استشهد بعض أفراد عائلتى فى حروبنا معكم، وكذلك هناك شهداء فى كل بيت مصري، وميراث الدم سيظل قائما بيننا حتى بعد توقيع اتفاق السلام.
وقبل أسبوع فقط مرت الذكرى السابعة لرحيل ذلك العقل المصرى النابغ، والشخصية الوطنية المخلصة، تذكرت كلماته، وأنا أتابع كثيرا من المتغيرات التى تعصف بمنطقتنا، أدركت كم نحن بحاجة إلى استعادة تلك الرؤية الواضحة، فقد تقتضى المصلحة فى فترة ما أن نعقد صلحا مع عدو، لكن ذلك الصلح لا يمكن أن يحيل العدو إلى صديق، خاصة إذا كان ذلك العدو لم يتخل يوما عن نظرته إلينا كفريسة يتحين اللحظة المناسبة للإنقضاض عليها.. ما تحمله اتفاقيات السلام شيء، لكن ما يجب أن يبقى فى القلوب والعقول أمر مختلف.