سر تراجع الشيخ «مينو» عن دخول مسجد الحسين

الجنرال الفرنسى مينو
الجنرال الفرنسى مينو

أراد إصلاح كسوة الكعبة وإرسالها إلى مكة باسم « المشْيخة الفرنسية»!!

 

تقدم الجنرال الفرنسى مينو بحصانه محاطا بجنوده، اخترق الجموع حتى وصل إلى باب جامع الحُسين، هبط واتجه إلى المدخل، ففوجىء بزحام جعله يتراجع للخلف، وبدا على وجهه القلق. أخبره المشايخ أن هذا أمر معتاد فى نهار رمضان. وأضافوا أن أحدا لم يطلب منهم منع دخول الناس للمسجد وقت زيارته. قرّر الرجل الانصراف مع وعد بالعودة يوما آخر، لإتمام المهمة التى جاء من أجلها.

 

يبدو أن ذكريات اغتيال سلفه كانت حاضرة فى ذهن القائد الفرنسي، خاصة بعد أن تعرض كليبر للقتل فى مكان شبه خالٍ، فما بالنا بزحام شديد قد يفتح الباب أمام مغامرين يستهدفون زعيم الفرنسيين، حتى بعد أن أعلن إسلامه وأضاف عبد الله إلى اسمه.

 

فى أحد أيام يناير1801، أخبر الجنرال أعضاء الديوان العام، أنه ينوى زيارة المشهد الحسينى لفحص كسوة الكعبة، وإصلاح أى خلل بها قبل إرسالها إلى مكة، لتُكسى بها الكعبة على اسم «المشيخة الفرنساوية»! التعبير الأخير ليس ساخرا، فقد استخدمه وكيل الديوان ونقله الجبرتي، ويبدو أن مينو قد بدأ يُقنع نفسه أنه شيخ الإسلام! ولو طال به البقاء فى مصر، فربما ارتفع سقف طموحاته، وأعلن تأسيس دولة الخلافة.. الفرنسية! عموما لم يُكرر الجنرال المُسلم الزيارة، وبعدها بأسبوع عاد اثنان من كبار القادة الفرنسيين ومعهما المشايخ والقاضى والوالي، وكشفوا على الكسوة وأصلحوا ما بها من خلل.

 

إسلام سياسي

 

على مدار التاريخ تم استغلال العقائد لخدمة السياسة، وهو ما استوعبه مينو، وحاول التودد للمصريين بإعلان إسلامه وزواجه بفتاة من رشيد، وعندما أنجب منها ولدا أطلق عليه اسما إسلاميا هو سليمان مراد. اختار هذا الاسم تحديدا ليُذكّره دائما بقاتل كليبر. كان مينو يكره الجنرال القتيل وأراد أن يُعلن ذلك بوضوح.

 

غالبا لم يكن الجنرال يتذكر الإسلام إلا فى فرماناته، التى تُشبه مقدماتها الطويلة خُطب الجمعة، وسيطرت على ديباجاتها عبارات اعتاد معظمنا سماعها فى الملتقيات الدينية حتى عصرنا هذا. عندما هنأه أعيان الديوان بمولد ابنه، رد عليهم برسالة طويلة قرأها المُترجم، ومما جاء فيها: «فنحن نعلم أن القرآن العظيم الشأن.. ذلك المُصحف الأكمل، والكتاب المُفضّل، يشتمل على مبادىء الحكمة السنية، والحقوق اليقينية».

 

وواصل: «وبمثل ذلك عرفتُ أنه لمن المستحيل أن القرآن الشريف يُفصح إلا على ما هو من باب النظام، لأنه- من دون ذلك- فكل ماهو فى العالم الفانى ليس إلا معابر وخراب». ثم تطرق إلى نظام الخلق الذى يمتد لكل شيء: تعاقب الليل والنهار، الفصول الأربعة، وسريان النيل، وقال بعدها: «لهذا نكون من أشر المُذنبين إذا سرنا سيرة كالضالين، وعلى أوامره عصاة غير منخضعين، ومع ذلك نسأله جل شأنه أن يقوينا على السلوك فى ديننا ودُنيانا». مجرد عبارات مجتزأة من مُقدمة طويلة لقرار بإعداد دفاتر للمواليد والوفيات وحالات الزواج.

 

خمّارة فى المسجد!


فى فرماناته التالية استخدم مينو عبارات تمضى فى السياق ذاته، مثل: «وما توفيقى إلا به وبرسوله الكريم عليه السلام الدائم»، و«وما النصرة إلا من الله وبشفاعة رسوله الكريم». فى الوقت نفسه كان جنوده يحولون مسجد الرويعى إلى خمارة! ويجعلون من جامع آخر سوقا! ويعبثون بالكثير غيرهما، دون أن يعترض «المؤمن الفرنسي» على ذلك! ولم يحتج أيضا أحد من جنود الحملة الذين اعتنقوا الإسلام، وتزوج كثيرون منهم بنات الأعيان، وغالبا كان إسلامهم شكليا لمجرد الزواج، وهو ما جعل الجبرتى يبرر تحوّل الواحد منهم بأنه: «ليس له عقيدة يخشى فسادها».