دراسة: مقبرة «توت عنخ آمون» سرقت مرتين قبل اكتشافها عام 1922

مقبرة «توت عنخ آمون»
مقبرة «توت عنخ آمون»

اهتم المصريون القدماء اهتمامًا كبيرًا بمقابرهم وتشييدها واعتبروها قصورًا أبدية ينعم فيها المتوفى بحياة جديدة، وحرصوا على حمايتها من لصوص المقابر، وهذا ما رصدته الدراسة الآثارية للباحث الآثارى الدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص فى الآثار اليونانية والرومانية.

ويشير الدكتور حسين دقيل إلى أن قدماء المصريين أحسنوا صنع مقابرهم ووضعوا بها كل ما يحبه المتوفى ويتمناه؛ فاحتوت على أرفع الأشياء وأثمنها، فوضع بها أفخر أنواع التماثيل بمختلف الأحجام، وضع بها الحلي الفاخرة المصنوعة من الذهب، والأحجار الكريمة، والمعادن النفيسة، وكان هذا مطمعًا للصوص الذين ما كان لهم أن يتجرؤوا على اقتحام تلك المقابر دون سبب مقنع، وخاصة إذا علمنا أن بعض عمال المقابر أنفسهم كانوا من هؤلاء اللصوص.

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار الضوء على هذه الدراسة، موضحًا أن المصريون القدماء اتخذوا كل التدابير التي من شأنها حماية مقابرهم من السرقة، فبالإضافة إلى إغلاق المقابر بشكل دقيق، وعمل مداخل وبوابات وهمية، بل وإخفاء المقابر كاملة ودفنها بشكل يصعب الوصول إليها عمل المصريون القدماء أيضا على تحذير اللصوص وترهيبهم من المساس بمقابرهم، وذلك من خلال وضع النصوص الدينية على مداخل المقابر اعتقادًا منهم أنها ستكون سببًا في ردع هؤلاء اللصوص وإثنائهم عن اقتحامها.

ويضيف الدكتور ريحان من خلال الدراسة أنه رغم اتخاذ كل هذه الاحتياطات والتحذيرات فقد تمت سرقة المقابر حتى إننا لم نجد حتى الآن من مقابر المصريين القدماء أي مقبرة لم تصل إليها يد اللصوص غير مقبرة الملك الشاب توت عنخ آمون، وإن كانت هناك دلائل على أن محاولات عديدة قد أجريت من أجل سرقة تلك المقبرة قديمًا فبحسب بعض الاعتقادات تعرضت المقبرة لمحاولات سرقة مرتين على الأقل قبل اكتشافها عام 1922؛ حيث تشير المراجع إلى أنه تم نهب المقبرة مرتين، الأولى بعد دفن المومياء فيها بوقت قصير، ومن المرجح أن السرقة تمت بواسطة أحد الذين عملوا على تجهيزها، إذ إنه كان على دراية كاملة بمحتوياتها، أما الثانية فكانت بعد ذلك بنحو 15 عامًا، ولكن السرقتين اقتصرتا فقط على نهب غرفة واحدة من المقبرة.

وينوه الدكتور ريحان إلى أن النصوص العديدة التي كانت عبارة عن قيم وتعاليم أخلاقية رفيعة تحذر من انتهاك حرمة المقابر؛ تبارى المصريون القدماء في وضعها بتلك المقابر، بل ونشروها أيضا في أدبياتهم الأخرى كورق البردي وغيره من المنقوشات.

ومن تلك النصوص ما اعتبر أن العبث بحرمة المقابر ومحتوياتها مدعاة لانتقام المعبودات، وهناك عبارات ترهيب تتوعد كل من تسول له نفسه انتهاك حرمتها، كتلك النقوش التي ظهرت خلال عصر الأسرتين الخامسة والسادسة تحذر اللص بأنه "سيُحاكم على فعله أمام المعبود الكبير".

ومنها ما ورد في نصوص مقبرة القاضي "حتب مري آخت" في عهد الملك "ني وسر رع" خلال عصر الأسرة الخامسة يقول فيه إنه "بناها من أملاكه دون أن يغتصب شيئًا من الآخرين، وفى مكان ظاهر حيث لم تكن هناك مقبرة أخرى، وأولئك الذين سيدخلون إليها ويمسونها بسوء سيُحاكمون أمام الإله العظيم".

ونقش آخر على مقبرة كبير كهنة الملك منكاورع يقول "كل من يحب المعبود أنوبيس الذي يسمو فوق جبله، لا يأتي بأذى لمحتويات هذا القبر".

ونصح الملك خيتي الرابع خلال الأسرة العاشرة ابنه مري كا رع بوصية أوضح فيها تلك المعاني، حيث قال "لا تضر منشأة الغير، اقطع الأحجار من المحاجر، وشيّد مقبرتك بما قطعته يدك من أحجار".

وهكذا يتضح لنا أن المصريين القدماء حاولوا بكل الطرق المحافظة على مقابرهم، غير أنه للأسف استطاع اللصوص الوصول إليها وانتهاك حرمتها.