حكايات| «يد واحدة تصفق».. أردني «متعدد المواهب» يحلق في السماء قاهرًا الإعاقة الجسدية

عبده ناصيف
عبده ناصيف

-أول مرحل جوي من ذوي القدرات الخاصة عربي يهندس الرحلات بيد واحدة 
-الشاب عبده ناصيف: أطمح في مقابلة الرئيس السيسي.. وأعشق مصر كثيرًا
-رسالتي تقبل الآخر والقبول بالاختلاف معه بما في ذلك ذوي القدرات الخاصة

 

"ألا انهض وسر في سبيل الحياة.. فمن نام لم تنتظره الحياة" كلمات الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، التي شداها عبرت من المغرب العربي إلى مشرقه لتصل إلى آذان شاب أردنيٍ، شاءت الأقدار أن يحيا عمره بيدٍ واحدةٍ فقط. 

"لا تدع الحلم يتوقف".. "لا تسطر بيديك أحرف النهاية والانجراف نحو الهاوية مهما بلغ حجم التحديات" .. "فقط ابدأ في درب الحياة.. حتما ستصل مبتغاك".. تلك الجمل كانت تدور في أذهان ذلك الشاب الذي قهر إعاقته الجسدية واختار أن يتسلق جبلًا شاهقًا يقف حائلًا في أن يسلك طريقه نحو حلمه، الذي رأى النور يومًا ما. 

في الأردن، وُلد عبده ناصيف في أسرة استثنائية أب أردني وأم يونانية، ومن صغره كان عبده يحب الديكور نتيجة تأثرة  بالحضارة اليونانية والأردنية، وقد ساعده ذلك في أن يكتسب ثقافة بلدين ولغة بلدين وعادات وتقاليد بلدين وحتى فنون بلدين وهذا كان شيئًا إيجابيًا بحياته، حسبما قال.

بعد انتهاء دراسته الثانوية، قرر عبده أن يطور هذه الموهبة وأن يكون مجال دراسته هي موهبة فتخصص في هندسة الديكور في التعليم الجامعي عن حب وشغف ليطور كثيرًا من فنه في فترة الدراسة التي استمرت لمدة أربعة سنوات ثم يتخرج بعدها ويبدأ حياته وعمله في الديكور.

بعد تخرج عبده عمل في الديكور لمدة عام واحد، ولكنه لم يكتفِ بذلك فأصبح لديه حب وشغف لزيارة بلاد العالم، والتعرف على فنون جديدة ، وثقافات دول العالم المختلفة ، ومعرفة كل حضارة عن قرب فعمل كمضيف جوي في شركة طيران أردنية لتبدأ مرحلة جديدة من حياته.

ولكن بعد سنتين ونصف يشاء القدر أن يتغير كل شيء، فيتعرض عبده لحادث يفقد على إثره ذراعه وتتغير حياته بعد هذا الحادث ليس للأسوا بل للأفضل كما يراها عبده الذي يرفع شعار "يد واحدة تصفق وترسم وتخطط لرحلات الطيران من الألف إلى الياء".

ففي مثل ذلك اليوم الرابع عشر من شهر سبتمبر عام 2012، كان القدر يحمل بين طياته حادثًا ألميًا، ظنه المقربون من عبده ناصيف أنه وضع حدًا لطموحه في الحياة، لكن من رحم المعاناة تُولد الإنجازات، ليتبدل الحال ويصل عبده إلى ما وصل إليه بعد مرور ثماني سنوات عن ذلك الحادث، الذي أفقده ساعده الأيسر.

"بوابة أخبار اليوم " حاورت الشاب الأردني عبده ناصيف تحدث عن حياته ورحلته التي ارتقاها على سلم المعاناة والكفاح. 

 
دراسة ومهنة

ويقول عبده "درست هندسة تصميم داخلي وديكور بالجامعة لمدة 4 سنوات أول ما تخرجت عملت بمجال التصميم والديكور لمدة سنة ثم قررت بعد ذلك العمل بمجال الضيافة الجوية لكون يوجد بداخلي حب للسفر والتعرف على ثقفات مختلفة وفنون مختلفة عن الموجود بالأردن حتى أضيفها على عملي بالديكور ومعرفتي فكان العمل مضيف طيران وسيلة للسفر حول العالم لكي أفيد نفسي بمجال الديكور".

وبسؤاله عن عمله مرحلًا جويًا وهو عمله الحالي .. "فما المهارات التي اكتسبها خلال المهنة الجديدة؟ وماذا افتقد من مهنة الضيافة؟".

أجاب عبده قائلًا "حاليا أشتغل مرحلًا جويًا بعد الحادث واكتسبت خلالها مهارات أكثر بمجال الطيران فأصبح لدي معرفة أكثر بالطيران وأصبح لدي مسؤلية أكبر خاصة وأن مهمة المرحل الجوي  داخل شركة الطيران تعادل شغل الطيار، فالمرحل الجوي هو من يبني خطة الطيران من حيث كمية وقود الطائرة وأي ارتفاع يجب أن تطير عليه الطائرة وأي مطارات وأذن المرور الخاص بالرحلة والمطارات البديلة حالة الجو. كل شيء متعلق بالتخطيط للرحلة وهناك ساعات طيران يجب أن أقوم بها مع الطيار". 

وأضاف عبده، "بالنسبة لشغلي كمضيف جوي أفتقد أصدقائي وبيئة العمل والركاب، لكن بالنسبة للسفر لم أتوقف عنه فطبيعة عملي الحالي تسمح لي بالسفر.. أسافر من خلال مهنتي لأن هناك ساعات طيران يجب أن أقطعها مع الطيار ومتابعة تنفيذ الخطة التي أقوم بوضعها بحيث إذا كان هناك أخطاء لمتابعة الأداء". 

أول مرحل جوي

 وحول شعوره وهو أول مرحل جوي في العالم العربي من ذوي القدرات الخاصة، يقول الشاب الأردني "الحقيقة لا أعرف إذا كنت أول واحد بالوطن العربي فقط قد أكون أول مرحل جوي بالعالم، ولكن بخصوص تفردي على الوطن العربي قد تأكدت منها وأشعر بالفخر، لذلك، وأشعر أني مثال لأشخاص كثر قد ولدوا من ذوي القدرات خاصة كي يطمحوا ويكون لديهم إيمان بأنه لا يوجد مستحيل بالحياة". 

وحول رغبته في العمل كمضيف جوي من ذوي القدرات الخاصة، يتحدث عبده قائلًا "لا أستطيع.. لأنه ضد معايرالسلامة و ضد معاير المتعارف عليها في الطيران المضيف الجوي يجب أن يكون جسديًا كاملًا لأنه قبل أن يكون مضيف جوي فهو شخص مسؤول عن سلامة المسافرين. إذا كان هناك أية حالة طوارئ هو موكل بمهمة إخلاء الطائرة وحماية الركاب وهذا ليس بيدي لا أستطيع أن أكون مضيف جوي مع ذوى قدرات خاصة ومتقبل ذلك".

مواهبه 

ويتحدث عبده عن مواهبه المكتشفة في حياته، فيقول "أغلبها ظهرت عندي بعد الحادث فأصبح لدي بعد الحادث تحدي بيني وبين نفسي وهو  أنني أستطيع. ولا يعني أني أصبحت بيد واحدة أن لا أقدر على عمل شيء، فأغلب المواهب والتفكير والتقدير للحياة بعد الحادث الرسم لم أكن أرسم  قبل الحادث".

ويحكي الشاب الأردني عن لوحة الدرويش، التي عرضها ضمن معرضه الفني، "رسمتها عام 2018 ضمن لوحاتي بمعرضي الفني «يد واحدة تصفق» لدي مبدأ بالرغم من أن هناك مثل عربي يقول يد واحدة لا تصفق، لكن أقول «يد واحدة تصفق»، فليس شرطًا أن تصفق فعليًا، ولكن تصفق بإنجازاتها ونجحاتها".

لوحة درويش عبده 

ويلفت إلى أن "لوحة درويش عبده كانت ضمن المعرض وافتتحته الأميرة عالية الطباع بالأردن، لم تكن الفكرة تأثير بالتصوف، لكن أنا متأثر بطريقة رقصة الصوفي الذي يرقص عبادة نتيجة للوصول إلى سلام داخلي فوصل إلى مرحلة النشوة الصوفية وأصبح غير مبالٍ بالعالم المادي".

علاقاته الإنسانية 

وحول علاقاته بأصدقائه بعد الحادث، يقول "لم أكن بعلاقة ارتباط قبل الحادث،  لكن كنت بعلاقات صداقة وبعد الحادث هناك كثير من علاقات صداقة، أصدقاء لي تركوني والسبب أني أصبحت مصدر حزن لهم، فعندما ينظرون إلي يحزنون. وهناك من كانوا يشعرون بالخجل من الذهاب معي للسباحة بيد واحدة خوفًا من نظرة الناس لي عندما يبحثون عن يدي الثانية، بالمقابل هناك كثير من الأشخاص الذين وقفوا إلى جواري، أهمهم والدتي التي كان لها دور كبير في تقديم الدعم والتشجيع، وأيضًا تعرفت على أشخاص جدد". 

يقول عبده، "تجمعني بأمي علاقة صداقة منذ الطفولة فدعمها لي كان الأول والأخير وهي من اجبرتني على تجاوز الحادث".

العاطفة في حياة ذوي القدرات الخاصة

ويكمل قائلًا، "العلاقات والعاطفة لدى ذوي القدرات الخاصة في أحيان كثيرة يقابلون بالرفض من الناس وقت الارتباط العاطفي كلنا نعمل فئة الناس السطحية والتي تهتم بالشكل دائمًا يكون لديهم تطلعات عن رغبتهم في الارتباط بشريك  لديه الشكل الكامل والكمال والجمال والجسم الجميل فلا يتطلعون على الجوهر قبل الشكل الخارجي. هذا ملاحظ وهناك عدد من ذوي القدرات الخاصة يعانون من هذه المشكلة".

ويبعث عبده  برسالة يقول فيها، "أريد أن أوجهها للناس إذا كان الشخص الذي أمامك يفكر بهذه الطريقة فأنت ليس في حاجة له من الأساس. دائما أبحث عن شخص يرى ويهتم بجوهرك قبل شكلك الخارجي" مستطردًا بالقول"مؤكد هم أشخاص نادرون لكن هذا لا يعني أنهم غير موجودين".


 
الفارق بين الغرب والعرب

وبسؤاله عن الفرق بين الغرب والعرب، من خلال تجاربه، يذكر عبده "هناك في الغرب طريقة تفكير عملية أكثر، وبعد نظر، وبالأخص كحالتي أنا من ذوي القدرات الخاصة. تعاملهم مع ذوي القدرات الخاصة المتواجدين في المجتمع أهم شيء في المعاملة هو المساواة وعدم التميز حتى يشعر ذوو القدرات الخاصة أثناء تحركهم بالشارع بذلك.. فلا يجد نظرة الاستغراب الموجودة لدينا في الدول العربية مؤخرًا".

ويضيف "أما في الدول العربية بدأنا نرى محاولة التعامل مع هذا الموضوع، ولكن في الآخر هذا الأمر يرجع لثقافة الشعوب. يمكن للدول العربية تنشر توعية وبرامج دمج لذوي القدرات الخاصة مع المجتمع، لكن ثقافة الشعوب تحتاج شيئًا أكبر من ذلك، وأبسط مثال أحب دائما أن أقوله إن أول ناس عليهم البدء في هذا الموضوع هم العائلة".

ويتابع قائلًا، "الأب والأم عليهم أن يربون أولادهم أن هؤلاء الأشخاص مكملون للمجتمع، وممكن أن يكون هناك أشخاص لديهم أعضاء ناقصة اسمه ذوي القدرات الخاصة، فلا تستغرب وجوده بالمجتمع ولا تجرحه بنظرة أو كلمة هو شخص مثلك.. لا تستغرب وجوده".

حكاية عشق لمصر.. مقابلة السيسي حلم 

وحول أفضل البلدان العربية الأوروبية التي يحب زيارتها، يقول عبده "إجمالًا دول أوروبا وبالأخص اليونان بلدي الثاني. ومن الدول العربية مصر.. كل شهر أسافر إلى مصر مرة إلى مرتين حتى وصلت إلى مرحلة التفكير فى الاستقرار بمصر شعبها الطيب وبلد جميل والأكل حلو.. فقد زرت مصر كلها". 


 
ويردف قائلًا، "هناك شيء مشرف لفت انتباهي منذ أول زيارة لي إلى  مصر بمطار القاهرة وهو وجود أماكن مخصصة لذوي القدرات الخاصة للانتظار بالمترو. الأولوية لذوي القدرات الخاصة، وعندما أمشي في مصر وأنا أظهر البتر الموجود في ذراعي كنت أستقبل نظرات إيجابية واحترام.. هذا أكثر شيء إيجابي لمسته. ومؤخرًا تابعت أكثر من مؤتمر مخصص لدعم ذوي القدرات الخاصة بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي اتمنى يوما ما أن أقابله وأهدية لوحة من لوحاتي".

ويمضي قائلًا، "أعرف أنه طموح كبير لكن هذا من كثرة حبي له ولاهتمامه الإنساني بذوي القدرات الخاصة، فأنا من أكبر معجبيه ودائما أتابع زيارته للأردن ومقابلاته مع الملك عبد الله الثاني".

مياه النيل.. مصر أم الدنيا 

وعن سر حبه لمصر يقول عبده، إن مقوله أن من شرب من مياه النيل يرجع له حقيقيه .. القاهرة والأكل والناس والبساطة والنفسية الحلوة وجو مصر أنا أبكي عندما أتذكر مصر وأنا بعيد عنها .. حقيقي لا أستطيع أن أصف حبي لمصر.

الأكل المصري 

يقول عبده وهو مبتسم، "لقد وقعت في حب الأكل المصري خاصة الحمام و كحك العيد والأرز باللن والخبز المصري .. أفكر في مشروع مطعم يجمع بين المطبخ المصري و اليوناني والأردني". 

ويقول ناصيف أيضًا إنه يغار على مصر جدا إذا أحد تحدث عنها بسوء، مؤكدًا أن من سمى مصر أم الدنيا كان شخص صادق من كثرة حضرتها وشعبها ونيلها.

ويمضي قائلًا، "حقيقي حلمي الاستقرار بمصر انا حياتي أجدها في مصر".

رسالة التعايش وتقبل الآخرين من تجاربه

ويعمل عبده ناصيف من خلال مقاطع فيديوهات يبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي على حث الأشخاص على تقبل الآخر والاختلاف من خلال فيديوهاته.

وفي غضون ذلك، يقول "بعد الحادث أصبحت أهتم بذوي القدرات الخاصة، لم أكن أهتم بالسابق بقضاياهم كنت لا أعيرها انتباهًا ولكن لا أنتقدهم ولا أرفض وجودهم أبدًا".

ويستدرك قائلًا، "لكن أصبح لدي بعد الحادث شغف وحب لنشر توعية بين الناس والشباب تحديدًا على تقبل الآخر بغض النظر عن هل الآخر من ذوي القدرات الخاصة أو دين مختلف أو جنسية مختلفة يجب أن نتقبل الآخر وحكمنا على الآخر يجب ألا يكون على حسب شكله أو لونه أو لغته أو إصابته أو دينه.. يكون على حسب أخلاقه".

ويتابع "لذلك دائما في الفيديوهات التي أقوم بنشرها عبر السوشيال ميديا أتحدث عن الطاقة الإيجابية وتقبل الشخص لذاته أولًا ثم تقبل الآخر؛ لأنه إذا الإنسان لا يتقبل ذاته ونفسه فسيكون صعبًا أن يتقبل الآخرين".

تطلعاته في المستقبل

وحول تطلعاته في المستقبل، يشير عبده ناصيف قائلًا، "لدي طموحات كبيرة وأحلام كبيرة أحب أن أزود قدراتي  في مجال الطيران والفن، فبعد الحادث أصبحت أرسم لوحات ومعارض ولوحاتي تباع لسفراء وأمراء بهدف نشر رسائل إجابية من خلال لوحاتي".

ويؤكد "كل لوحة لها رسالة تحكي عن شيء إيجابي مثل السعادة والأمل والإرادة والقوة. أحب أن أقرن لوحاتي بشيء إيجابي كتير، أفكر في إنشاء مركز لتعليم الأطفال والشباب من ذوي القدرات الخاصة"، مضيفًا "الكثير يعرف أن الرسم والألوان والفن علاج نفسي للأشخاص ومريح ويعمل على تفريغ الطاقة السلبية والعصبية، فأود أن أعمل هذا الشيء ليتم اللجوء للفن كنوع من أنواع العلاج النفسي والراحة النفسية ومنه تعليم الرسم ويكونون أعضاء فاعلين في المجتمع".