يوميات الأخبار

لعبة الشيطان

جمال الشناوى
جمال الشناوى

المحتمل أن جماعات الاتجار بالدين ستكون جزءاً من المعركة المقبلة بين الصين وأمريكا..وتعود دورة التاريخ مرة أخرى وتكرر فعلتها مع الاتحاد السوفيتى.

لو بقى مكان نخبة الجمهورية الثانية شاغراً، ستتقدم إليه وتشغله نجوم طبقة تغولت لأربعة عقود، ونتج عنها مجتمع لايعرف من الكبائر فقط سوى شرب الخمر ولعب الميسر،وخلع الحجاب، بينما ذات المجتمع لايرى كبيرة واحدة فى سرقة المال العام والواسطة والمحسوبية والتحرش والاغتصاب والرشوة ووو،وباتت حقوقاً مكتسبة، يجوز الدفاع عنها.
فى جراج أحد المولات الكبرى شدتنى إحدى السيارات الفارهة، وبصفتى من مدمنى متابعة أخبار السيارات تلكأت قليلاً لأشبع ناظرى منها، وربما لحظت التجديدات التى طرأت على الطراز الجديد منها، وبينما أتابع بإعجاب العاشق، فتح الباب، وهبط منها صديق قديم لم ألقاه منذ سنوات، كان قريباً من السلطة فى زمن فات، لكنه لم يكن بهذا الثراء الذى تحدثنى به سيارته،آخر مرة قابلته كان يبيع قطعتى أرض فى التجمع الخامس حصل عليهما بجرة قلم من وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان..وبينما أحاول الابتعاد عن ناظريه،فجأة التقت أعيننا..وجاءنى مرحباً وسائلاً عن الحال والأحوال..وتحدثنا قليلاً واتفقنا على لقاء بعد عودته من الساحل حيث ترك أسرته وقبل أن يودعنى قال لى لسه عايش الوهم..» الحق نفسك وأمن مستقبل عيالك».
لا فارق كبير بين صديقى الذى تربح وهرب بثروته بعيداً عن الوظيفة الميرى وأعين القانون الغافلة، وذلك الفلاح البسيط الذى يحتفل منتصراً بقدرته على بناء بيت لأولاده على أرضه الزراعية برشوة لموظف فى الوحدة المحلية.
لم يكن الرئيس مبالغاً فى الغضب، لكن ذلك هو المجتمع الذى غابت أعين الرصد والبحث العلمى لظاهره، فأصابته تشوهات باتت من مكملات ملامحه..
والمراقب لأحوالنا يكتشف أن عدم شعور المواطن بواجباته، ينتج عنه فساد وعشوائية، وأتمنى من الحكومة أن تزيح التراب عن علوم الاجتماع وتنقب عن العالمين بها، لتشخيص ما حدث لنا وبنا..ومن ثم تضع العلاج،فالدولة التى تتشكل الآن وتبدو كمارد بدا يغادر مكمنه، يجب ألا يغيب عنها أيضا، أن تدرس تجارب الآخرين فى لجم غول الفساد، وهناك تجارب عديدة لدولة كبرى وصغيرة استطاعت تقويم مجتمعاتها، حدث ذلك فى سنغافورة وكوريا الجنوبية، وحتى بتسوانا البلد الصغير، علينا أن نواجه أنفسنا والناس بأمراضنا القاتلة للمستقبل ولم تعد تلفت انتباهنا لأنها باتت من طبائع الأمور..وأرى ما قاله الرئيس غاضباً فى الإسكندرية هو بداية المواجهة وصولا إلى حلول متاحة على رفوف مكتبات دور البحث والعلم.
فنحن نعيش مجتمعاً يريد أن يحيا كما يتوهم حياة الأجانب من مجون وترف ومتع الدنيا، ويطمعون فى الفوز بنهاية صالحة كما الصحابة كما وصفتهم رواية ثرثرة فوق النيل.
 الموظفون فى الأرض
بمراجعة سريعة للدول التى استطاعت حسم حربها مع الفساد، نجد أن الكمبيوتر أصبح أكثر أمانة من صانعه، فالآلة لا تقبل البرامج السيئة على نظام تشغيلها، فجميع الدول التى قضت على جانب كبير من الفساد، كانت التكنولوجيا وسيلتها فالآلة لا ترى رجلا مهما تجامله، أو ذلك الذى يحمل كارت توصية فتمنحه حقوق الغير.
وخيرا تفعل الحكومة، وهى تتجه إلى أدوات الموظف المصرى، الذى يرث الفساد من سابقيه فى دواوين الحكومة ويورثه لتابعيه ولمحيطيه، وباتت للرشوة أسماء كثيرة تجمّل من قبحها،والحقيقة أن بلدا مثل سنغافوره شكل فى بداية حربه على الفساد مجموعات للمحاسبة، تطوف بكل الوزارات والجهات الحكومية، وتعيد مراجعة ملفات الجميع..وتسألهم عن مصادر ثرواتهم، وتحاسبهم بقانون «من أين لك هذا».. وتبحث فى سبل التوظيف، وتطيح بكل من فاز بوظيفة عامة إرثا عن أب أو قريب، فعادت الكفاءات لينطلق البلد الصغير الفقير إلى مقدمة صفوف الأثرياء.
المهم أن نبدأ بوضع قواعد جديدة للتوظيف،ليفوز الأكثر كفاءة عن البلهاء المنتشرين فى جهازنا الحكومى والقطاع العام وحتى إعلامنا أو ما تبقى منه بعد هوجة الخصخصة.
مازال لدينا قاعدة ضخمة ومتضخمة من ذلك القطاع، وشركات وهيئات كبرى ربما لاتستطيع تدبير رواتب كبارها من المحظوظين،الفساد الآن أصبح يهدد كل نتاج الثورة الكبرى فى البناء التى تشهدها بلادنا فى السنوات الست الأخيرة.
 كتاب مهم
كتاب مثير يقدم معلومات دقيقة عن صناعة تجار الدين، والتى تمت فى دهاليز أجهزة مخابرات الغرب، أثناء الحرب الباردة، بهدف إنشاء حزام أخضر حول الاتحاد السوفيتى، عقول فكرت واختارت تلك الجماعات التى فصّلت من الدين ما يحقق الأهداف، وكانت آخر معاركها فى أفغانستان، والحقيقة لا أعرف لماذا لا نعيد النظر فى مناهج نقدمها لأبنائنا فى المدارس والجامعات، لتأمين عقول أجيال جديدة حتى لاتقع فريسة لبقايا تلك العصابات والتى تنتشر فى بلادنا منذ أربعينيات القرن الماضى تتاجر بالدين والمقدسات، وكل تلك الجماعات لم تضبط يوما متلبسة بمقاومة احتلال إسرائيل لسيناء لمدة ست سنوات..فلا رأينا سيارات ملغومة، ولا عمليات انتحارية ضد المحتل.
علموا أولادنا حقيقة تجار الدين، الذين باعوا أنفسهم للشيطان على مدى عقود طويلة، ولو كنت مسئولا عن التعليم لأجريت فورا عمليات تغيير وتحديث للمناهج، فمقاومة الفكرة الشيطانية لا يكون سوى بالحقيقة عبر أفكار أكثر إيمانا بالله والوطن.
هناك عشرات الكتب الكاشفة لوثائق عن تجنيد وتشغيل تلك الجماعات فى مصر وإيران وباكستان..ولو فعلنا، ستكون اللبنة الأولى فى الجدار الفاصل بين الجهل والمدينة الحديثة وصحيح الدين.
وأتوقع أن يعاود الغرب لعبته قريبا فى الصراع مع الصين، لحاجته إليهم فى حرب باردة، انطلقت شرارتها فى الفترة الأخيرة، وكشفت عنها المعارك الإعلامية والتجارية بين الصين وأمريكا..وأكدها ستيف بانون كبير المستشارين الاستراتيجيين للبيت الأبيض سابقا فى حوار مع قناة فوكس نيوز..بأن لدى الرئيس دونالد ترامب «خطة حرب» متكاملة لمواجهة الحزب الشيوعى الصينى أولا، ثم إسقاطه.وأن هذه الخطة وضعها ما وصفه بـ»المجلس الحربي» لدى الرئيس، والذى يضم «فرسان نهاية العالم الأربعة» وهم مستشار الأمن القومى روبرت أوبراين، ورئيس مكتب التحقيقات الفدرالى كريستوفر راي، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والمدعى العام وليام بار.
المحتمل أن عصابات الاتجار بالدين ستكون جزءاً من المعركة المقبلة بين الصين وأمريكا..وتعود دورة التاريخ مرة أخرى وتكرر فعلتها مع الاتحاد السوفيتى، ولعل ملامح ذلك تبدو فى بكائيات حول اضطهاد الصين لمسلمى الإيجور.
 النائب العام
شدنى أسلوب عمل النيابة العامة الجديد والذى بدأ مع وصول المستشار حمادة الصاوى إلى مكتبه، والرجل عرفته لفترة وجيزة فى بداية حياتى المهنية وأنا أتابع اخبار مجمع محاكم مصر الجديدة، وكان وقتها رئيسا لنيابة النزهة، كان واعيا بمهمة الإعلام وطوال عام من التعاون معه لم يحجب عنى معلومة إلا إذا كانت ستضر بالتحقيق..ويبدو أن السنوات لم تغير فكره، فأسس إدارة فى مكتبه للإعلام الجديد والقديم ومتابعة مواقع التواصل، وعبرهما تفجرت قضايا تشغل الرأى العام هذه الأيام..منها فتاة الفيرمونت.
ومتابعة تلك القضية تكشف عن مجتمع الزيف الذى كون ثروات ضخمة على جوانب دنيا الفساد التى سادت لعقود، ونتج عنه جيل بات يمثل خطرا على نفسه واسرته قبل إضراره بالمجتمع، وتطبيق القانون بصرامة هو السبيل الوحيد لرد الحقوق وحماية المجتمع.
 كلام هيكل
استمعت إلى حديث وزير الدولة للإعلام، الذى أثار غضب الزملاء، والحقيقة هو مثير للشفقة أكثر منه لأى مشاعر أخرى، فذات الكلمات رددها عبر الشاشات منذ وزارته الأولى بعد يناير، وتجربة خوزيه ماريا أزنار الذى اطاح به الغاضبون الأسبان عبر الإيميلات يكررها فى كل حوار، وكأن الوزير عاد لتوه للحكومة، ولم يكن رئيسا للجنه الثقافة والإعلام فى البرلمان لخمس سنوات لم نسمع له دعوة لدراسة إعلام المستقبل، او تشخيصا لحالة الصحافة، فخرج علينا ان المطبوع انتهى، وعلينا أن نشيعه لمثواه الأخير، ولكن لم يفسر لنا إقبال الشباب على القراءة، وتزاحم عشرات الآلاف منهم على معرض الكتاب سنويا، ربما انتهت قراءة نشرات جامدة، والشباب الآن يبحث عن قراءة المتعة والمعلومة، فلماذا لايقدم الوزير الهيئة المسئولة دستوريا عن الصحافة، لماذا لم يشرح لنا الوزير تجربته فى مدينة الإنتاج الإعلامى التى بات راتب رئيسها الضخم حلما لكل صحفى أن يحصل عليه ولو لشهور قليلة..
سيدى الوزير القضية ليست بهذه القراءة البسيطة،ونفوذ الوزارة لايتزايد بالصراع مع الآخر، بل يتسع بالعمل الجاد والنوايا الطيبة..نعم الصحافة فى أزمة، لكن ماقلته ليس هو الحل.
 حرب الدودة
سنوات قليلة وسنرى شكلا جديدا لحروب المستقبل، وبدأت تجاربه مؤخرا،وهى القتل والتدمير عن بعد، ودون اشتباك بين الجيوش، كنت اتجول فى برلين اراقب المبانى والشوارع، وتذكرت مشاهد الحرب العالمية الثانية فمن هنا كانت تخرج مئات الطائرات إلى دول الغرب لضربها، وتستقبل سماء ألمانيا ردود فعل مساوية، غارات سوت عشرات المدن بالأرض..ويبدو أن المانيا التى ارادت أن تجدد شبابها، فتحت برلين للشباب الموهوبين من كل دول العالم، تتساهل كثيرا معهم، ففى العاصمة تستطيع أن تدخن فى المطاعم والأماكن العامة،عكس باقى مدنها، يبدو أن ألمانيا ارادت أن تترك عاصمتها للموهوبين بكل شططهم، لكن كان بينهم طائفة من الشباب تخصصوا فى تكنولوجيا الاتصال والإنترنت وتوابعه من مواقع التواصل، بعضهم هاكر، يجيدون إختراق كل محظور بدءا من خصوصيات الفرد، إلى اسرار دول وأكثر مواقعها تحصينا.سمعت كثيرا عن قدراتهم، وتحدثت مع نفر منهم.
 
المستقبل قد لا تحتاج الدول إلى الدبابات والطائرات، طالما امتلكت تكنولوجيا «الدودة «
ودودة الكمبيوتر وشقيقاتها، هى سلاح المستقبل ومازال تحت التجارب فى هجمات على إيران، وتستطيع بتلك الدودة المسماة Stuxnet أن تدمر عدوك.