أخر الأخبار

يوميات الأخبار

قصيدة البردة: النص المهيمن

د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران

لم يكن يخرجن من البيت إلا نادرا إما للمدينة لزيارة طبيبة فى مرض مؤلم أو فى جنازة قريب عزيز.

الرغبات فى مكتب التنسيق
من خلال عملى الأكاديمى بالجامعات المصرية والعربية والألمانية رأيت الفارق بين الطالب الذى يلتحق بكلية ما برغبته وبين من يُجبر من الأهل للالتحاق بكلية محددة لأنهم يريدون ذلك دون أدنى مراعاة لميول الطالب ومواهبه وتخطيطه لمستقبله، صار هَمُّ الآباء والأمهات التحاق ابنهم أو بنتهم بكليات القمة التى يوافقهم الابن عليها إرضاءً لهم وينتظم بها ليكتشف ضياع أحلامه وفرض الأهل عليه هذا التخصص الذى لا يوده فتبدأ الانتكاسات والتعثر العلمى والاكتئاب النفسي، فلماذا لا يترك الأهل الابن يختار طريق حياته؟ وسائق ماهر أفضل من طبيب فاشل، وُربّ خياط ممتاز أفضل من مهندس خائب قد يتسبب فى كارثة تضيع فيها أرواح كثيرة، اتركوهم لما يرغبون وسوف ترون أنهم ناجحون.
متى يرحل ترامب؟
فى رسالة عبر الإيميل من أستاذى الألمانى اشتيفان فيلد العميد بجامعة بون بألمانيا حكى لى عن ابنته التى عملت بأمريكا عدة سنوات وعادت لأنها لم تتحمل أمريكا ثم أردف قائلا :
«أسوأ رجل فى العالم هو ترامب» وأرى أنه قال الصواب، فكل مشكلات الحروب زادت فى عصره ومنح القدس لإسرائيل هدية كى ينتخبه اليهود الأمريكان فى الفترة الثانية وأدار حروبا فى معظم البلدان العربية وأشعلها باقتدار وباع كل منتجات مصانع الأسلحة لأعوام قادمة بمليارات الدولارات للعالم الثالث والعالم الرابع حتى العاشر؛ متى يرحل؟
قصيدة البُردة :النص المهيمن
لم تحظ قصيدةٌ فى التاريخ بما حظِيَتْ به قصيدة البردة للإمام البوصيرى من تقديس وشهرة وتبجيل وتخميس وتسبيع حتى غدت وِردا يوميا لدى عدد كبير من الناس وقد تبارى المنشدون فى إنشادها والجميل فى الأمر أن المنشد ينشد بيتا وجموع الحاضرين يرددون خلفه فى جوقة تبتّل وتضرع إلى الله سرعان ما يطغى صوت الجموع على صوت المنشد الذى يقودونه فى الإنشاد لسطوة النص الشعرى وجماله، والأجمل أنها تقال فى الأفراح والأتراح، فقد سمعتها فى تشييع جنائز الموتى منذ خروج الجثمان من البيت حتى المقبرة وحُفّاظ البردة جموع لا تُعد ولا تحصى كما سمعتها من الشيخ عبدالعظيم العطوانى- رحمه الله تعالى- ينشدها فى الأفراح واحتفالات الحج؛ فهى نص شعرىِ مسيطر، به من القصيد أجملُه ومن التراكيب اللغوية أبلغها ومن الألفاظ أفصحها، ولا أدرى سر انتشارها بين الناس والتبارك بأبياتها هل يعود إلى ما صاحب تأليفها من شفاء شاعرها البوصيرى من داء الفالج «الشلل» الذى أصيب به عندما ألّفها؟ أو أنه- فيما رُوى- قد وصل إلى الشطر الشعرى:
فمبلغُ العلم فيه أنه بشرٌ
وارتُج عليه فلم يستطع إكمال البيت فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فبرئ من مرضه وأكمل له - عليه الصلاة والسلام بيته وأنه خير خلق الله كلهمِ.
وهنا تتجلى الكرامات التى رفعت من شأن القصيدة وجعلتها نصا إبداعيا مقدسا يُتبارك به، وقد تخطت شهرة القصيدة مصر إلى كافة ربوع العالم الإسلامى شرقه وغربه، تُقرأ فى مواسم دينية فى طقوس احتفاليه مبهجة، لقد غدت النص الشعرى المهيمن على قرائه ومحبيه، صار النص الشعرى يعالج قلوبا مريضة ونفوسا مَسَّها الوهن وأرواحا فى حاجة إلى طمأنينة فرأت فى التوسل إلى الله دواءً وملاذا آمنا.. فى جو كهذا يجد الباحث نفسه مأخوذا فى جو روحانى يخاف أن يدخله لكن تلميذى النجيب د. محمد سيد محمد على عاشق البردة أهدى إلى القراء هذا الكتاب الفريد المعنون ب «بردة البوصيرى، قراءة نصّية» ليضيف دراسة جادة فى حقل اللغة والنقد الأدبى بأدوات باحث جاد يعيش فى ثنايا النص وأجوائه ونفحاته الكبيرة فى منهج علمى دقيق.
مرحى بهذا الكتاب الذى أثبت فيه د. محمد سيد تمكنه العلمى وحياده التقريبى ورؤاه النقدية المفيدة وبركات البردة.وعلى الرغم من أن هذه القصيدة على وزن بحر البسيط وهو بحر صعب مملوء بالأسباب والأوتاد والتفعيلات المكرورة إلا أن الجموع لحنتها بمفردها لتكون لحنا جماعيا وأداء جماعيا تتمايل فيه الأرواح والأجساد حبا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولسان حالهم يقول:
يا لائمى فى الهوى العذريّ معذرةً
مِنيّ إليكَ ولو أنصفْتَ لَم تَلُمِ
مَحَّضْتنى النّصح لكنْ لستُ أسمعُه
إن المحبّ عن العُذَّال فى صَمَمِ
حلبية المصرية والْـ «دليفرى»
عندما كنت صغيرا كانت هناك امرأة أربعينية السن تأتى لقريتنا كل شهر وكانت تحمل فوق رأسها لفة كبيرة من الأقمشة النسائية وتدور على بيوت القرية وتفرش أمام بوابتنا كل ما معها من أقمشة ملوّنة داخلية وخارجية ولأن معظم نسائنا آنذاك لم يكن يخرجن من البيت إلا نادرا إما للمدينة لزيارة طبيبة فى مرض مؤلم أو فى جنازة قريب عزيز ولذلك يجدن فى حلبية المصرية فرحة إحضار الأقمشة والشيلان(جمع شال) والحبرَة (ملاءة سوداء يلففنها على أجسادهن عند الخروج من المنزل)، وكانت أسماء الأقمشة مبهجة لنا نحن الأطفال مثل «العتبة قزاز، البفتة، البِردة، النايلو، القطيفة» والأجمل طريقة عرض حلبية ذات الجمال عليهن سلعتها وكلامها وكأنها عارضة أزياء تلف القماش على جسمها حتى يبدو براقا لهن فيشترين ما يحتجنه وتمضى فرِحَة بأرباح مبيعاتها، لكن الآن صار الشراء بنظام online الذى استخدم الانترنت وطرائق الإعلان والتسويق شبكة يصطاد بها أعين الناس، تطاردنا الإعلانات فى كل مكان فى الشارع وفى الهاتف وفى نشرات الأخبار والمسلسلات والأفلام وفى الأحلام نشترى دون حاجة والأدهى أنك تشترى بالفيزا فلا تبصر الفلوس وهى تُعد ولذلك لا تشعر بصرفها، فلو أردت أن تشترى من متجر كبير وذهبت إليه فأنت تدخل هذا المول الغول وطرائق العرض والإضاءة تستهويك فلو كنت قاصدا شراء صنف واحد أنت فى حاجة حقيقية إليه فستبصر أنك اشتريت أصنافا متعددة لا تحتاج إليها لكنك وقعت ضحية الإعلانات والعروض، ولذلك عندما كنا صغارا نذهب إلى دكان الشيخ عبدالحليم الطاهر ذلك التاجر التقى كنت تقف أمام الدكان ولا تدخله وتطلب منه شراء صنف أو صنفين أنت ذاهب لشرائهما ولا يُسمح لك بدخول أى دكان على الاطلاق...كم نحن فى شوق لإعادة هذه الدكاكين والترحم على نظام بيع حلبية المصرية!
إلى عزت الطيرى فى مشفاه
شاعرنا الكبير عزت الطيرى يرقد فى مستشفى الصداقة بأسوان، وكلنا يعرف عزت فهو شاعر غزلى عاشق حتى الثمالة، مشاغب حتى الضوضاء، يبحث عن غزالة يركض فى إثرها، يمنحك عزت سعادة فتحس أن الحب ما يزال يثمر فى هذه الأرض، يُضمّن قصائده رؤاه الخفية للكون، عرفته عندما كان أمين اللجنة الثقافية باتحاد طلاب جامعة أسيوط العريقة، ملأ الجامعة شعرا، وما يزال يملأ الدنيا شعرا وبهجة ؛ يا عزت أنت أقوى من المرض بأشعارك وابتسامتك وبحكايا محمود ابن عمك الذى صار متابعوك يبحثون عن حكاياه، فتناول دفترك واكتب قصائدك التى تجعل الأرض واسعة ودوّن لنا أحاسيسك فى المشفى وحكايا محمود.. عُد يا عزت الطيرى فمحبوك يتمنون لك الشفاء.
من حكايا الشعراء
قال الشاعر إدريس جمَّاع (1922ـ1980)
أعلى الجمالِ تغارُ منّا؟ ماذا عليك إذا نظرنا
هى نظرة تنسى الوقار وتسعد الروح المعنّى
دنياى أنت وفرحتى ومنى الفؤاد إذا تمنّى
أنت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنّا
هلا رحمت متيماً عصفت به الأشواق وهنّا
وهفت به الذكرى فطاف مع الدُجى مغناً فمغنا
هزته منك محاسنٌ غنّى بها لما تغنّى
آنست فيك قداسة ولمست إشراقاً وفنّا
ونظرت فى عينيك آفاقاً وأسراراً ومعنى
وسمعت سحرياً يذوب صداه فى الأسماع لحنا
نلت السعادة فى الهوى ورشفتها دنّاً فدنّا

فى النهايات تتجلى البدايات
هُوَ ذَا أَتَى
فلْتفْتحى كلَّ النّوافذ
لم يعدْ وحشاً نخافُه!
واسْترْسِلى فى حَكْيِ قِصَّتِكِ الأخيرة
ولْتَغْلِقى الأوهامَ كيْ أَغْفو ؛
فخلفَ البابِ مُنتظرٌ غريب
ولتطفئى دَمْعَ الشموع!
سيجيْء عصفورٌ جميل
يُلقى على وَجَعى السلامْ
فدعيه يأتى، لا تُميطى عن مُحَيّاه اللثامْ
وتَمَسّكى بالحلم، لاتقفى على طللي
وَبِيعى ما تبقّى من خيالاتى وأوعيتي
وهاتى نَبْتةَ الأحلامِ من حقلِ السنينِ الخالياتِ
فخلفَ أوراقى تئنُّ حروفُها غَرْقَى المدادِ
تمدّ كلّ نقاطها، وتغوص فى بئر الطلاسم والسواقى الطاحنات
ولْتكتبى فوق الطلول الناحبات:
«ماخاننى أحدُ
بلْ خاننى الجسَدُ»!