حروف ثائرة

محمد البهنساوي يكتب: الإمام الشامل.. و«الويسكى الحلال»

محمد البهنساوى
محمد البهنساوى

«ضرورة دراسة العلوم الإنسانية ووسائل الدعوة الحديثة لصقل مهاراتهم فى التواصل».. استوقفتنى تلك النقطة من بين توجيهات الرئيس السيسى لوزير الأوقاف أمس الأول خلال استعراض جهود الوزارة بمجال الدعوة وتجديد الخطاب الدينى.. فدراسة العلوم الإنسانية ومواكبة الحداثة فى أساليب الدعوة يضمن سهولة التواصل الصحيح للأئمة مع عامة الناس وخاصتهم لمواجهة السيل العرم من المفاهيم الخاطئة لديننا الحنيف وتوصيل رسالته الوسطية السمحة للعالم أجمع.


وحتى نصل لتلك النقطة التى تعد ذروة سنام تجديد الخطاب الدينى ومواجهة التطرف فإننا نحتاج إلى «الإمام الشامل».. وهو الواعظ والداعية الذى لا يقف علمه فقط عند حدود أصول الدين وأحكامه.. إنما يتعداه لكافة العلوم الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والطبية وغيرها من العلوم.. فإسلامنا الحنيف منهج دنيا قبل أن يكون مناهج دين.. يتصل بكل ما يتعلق بدنيانا قبل ديننا.. وهنا تكمن أهمية فهم الأئمة لكافة العلوم.


ما أطلبه ليس بجديد على الدعوة الإسلامية والخطاب الدينى الذى ننشده.. لكنه كان حتى وقت قريب القاعدة وبفعل فاعل «أو بغياب فعل الفاعل» أصبح إستثناء لنواجه هذا الكم من الأفكار الشاذة على ديننا الحنيف..وأفضل مثال نسوقه إمام الدعاة الراحل العظيم فضيلة الشيخ الشعراوى.. الذى تربع ومازال على قلوب مئات الملايين من المسلمين.. وما كان ليحقق ذلك إلا بكونه إماما شاملا.. تفقه فى الدين وتعمق بعلومه المختلفة.

 

وغاص فى أعماق النفس البشرية متسلحا بعلومه الإنسانية ليعرف أقصر الطرق لإقناعها.. وغلف كل ذلك بثقافة واسعة بكافة المجالات.. فلتستمع إلى الشعراوى وهو يتحدث عن قدرة الله فى خلق الإنسان.. وشرحه لتخصيب بويضة الأنثى وتتبعه «علميا» لتطورها ليثبت صحتها «دينيا وقرآنيا»!.. وأى استمتاع أكبر من متابعة حديثه على قدرة الله فى حركة وتتابع النجوم والكواكب وغيرها وكأنه عالم فلك.. وغير ذلك عشرات الأمثلة.


وهناك أمثلة عديدة لعلمائنا الأفاضل الحاليين أمد الله فى أعمارهم.. ولى معايشة لهذا التفرد.. فقد رافقت ذات مرة برحلة حج فضيلة المفتى السابق د. على جمعة.. وانبهرت بثقافته الواسعة وعلمه بمختلف شئون الدنيا ناهيك عن تعمقه فى شئون الدين والربط بينهما بذكاء وإقناع.. وقد سألته عن تحريم الكثيرين للصور الفوتوغرافية باعتبارها تجسيدا محرما لخلق الله.. وبهدوء شرح الرجل الآلية العلمية لتكوين الصورة الفوتوغرافية من الأشعة الضوئية وحركة ملايين الجزيئات ومعالجتها المعقدة كيميائيا والإشعاع الحرارى وصولا لتكوين صورة لأى شئ وليس الإنسان والفوائد العلمية والعملية لذلك.

 

وقال إن هذا التحريم للصورة ينم عن جهل وتسطيح للدين.. وشبه ذلك عندما ذهب لمحل كباب فإذا بالناس ومن بصحبته يطلبون «وسكى»..ليقشعر بدنه ثم يفاجأ أن «الوسكى» هو وصف المحل لماء الطرشى.. فطلب ثلاث كئوس منها.. وقال: هل معنى تسمية ماء الطرشى بالوسكى يصبح حراما.. هذا ينطبق على الصورة.


مواقف مماثلة خلال الرحلة أزال فضيلته بالعلم والمنطق لبث دينى لدى الكثير من الحجاج وصحح مفاهيم للآلاف منهم.. ما أحوج ديننا الحنيف حاليا لهذا المنهج والثقافة للأئمة لإنقاذه من أعدائه والجهلة من أبنائه.