السفيرة البلجيكية فى حوار الوداع: ليس من حق أى دولة تقرير مصير النيل بمفردها

محرر الأخبار خلال حواره مع السفيرة البلجيكية
محرر الأخبار خلال حواره مع السفيرة البلجيكية

السفيرة البلجيكية :

 

قصر البارون رمز علاقاتنا.. وسعيدة بإقبال الشباب على زيارته


الاتحاد الأوروبى مستعد لتقديم خبراته لحل أزمة سد النهضة


وقف التدخلات الأجنبية بداية حل فى ليبيا


معجبة بـ«تضحيات» المصريين وتضامنهم الشعبى

 

أطلقت السفيرة البلجيكية فى مصر سيبيل دى كارتييه مجموعة تغريدات تعبر عن تجربتها خلال 4 سنوات، مع انتهاء عملها وقرب تسليم مهمتها فى القاهرة.. وقالت عبر موقع تويتر أنها تشعر أن «قلبها مكسور لانتهاء مهمتها فى بلاد العجائب مصر».

 

«الأخبار» التقت السفيرة البلجيكية فى حوار عن مجمل عملها فى السنوات الماضية وعبرت عن اعتزازها بزيادة التبادل التجارى بين البلدين بنسبة 50% فى السنوات الأخيرة، وكشفت عن استعداد الاتحاد الأوروبى لتقديم خبراته فى مجال إدارة الأنهار الدولية، للمساعدة فى حل أزمة سد النهضة.. وإلى تفاصيل الحوار:

 

< مؤخراً بدأت نشر تغريدات على تويتر عن تجربتك فى مصر.. لماذا؟


- حرصت على الكتابة عن العمل الذى قمنا به فى السنوات الماضية، سواء فى مصر أو السودان، واستنتاجاتى عن البلدين والتى بالطبع لا تعطى صورة كاملة لأن تويتر يسمح فقط ببضع كلمات، وإنما تمثل بعض اللمحات فقط.


< ما الذى تعتبرينه إنجازك الأبرز خلال السنوات الأربع من تواجدك سفيرة فى مصر؟


- اعتقد أننا حققنا تقدماً فى كافة المجالات خلال السنوات الأربع الأخيرة، فقد عقدنا اجتماعات سنوياً على مستوى وزيرى خارجية البلدين، كما التقى الرئيس السيسى رئيس الوزراء البلجيكي، والعام الجارى يشهد لجنة المشاورات الثنائية المصرية البلجيكية، وكانت محادثاتنا دائماً تشهد التباحث حول مختلف جوانب العلاقات الثنائية وقضايا المنطقة ودور الاتحاد الأوروبي.

 

هذا ما يمثل أول الأعمدة الأساسية لعلاقاتنا، أما الأساس الثانى فهو العلاقات الاقتصادية سواء فى الاستثمار أو التبادل التجارى الذى شهد تقدماً كبيراً فى الاتجاهين بلغ نحو 50% بفعل التسهيلات التى أتاحتها الإصلاحات الاقتصادية التى مازالت جارية، ومن أكبر الأمثلة على تعاوننا الاقتصادى شركة بيسيكس العاملة فى إنشاء المتحف المصرى الكبير المنتظر افتتاحه، وتعاون هيئة ميناء انتويرب مع السلطات المصرية لتتحول إلى مركز إقليمى للطاقة، وهذه كلها تعد علامات رئيسية وهناك الكثير من الشركات البلجيكية الأخرى التى تقدم خبراتها وعملها، فلسنا دولة تهدف للاستفادة فقط وإنما نأتى للشراكة ونشر خبراتنا، هذه قيم بلجيكا ونحن سعداء بتطبيقها فى مصر.

 

هناك أيضا العلاقات الثقافية الاجتماعية التى تعد الأساس الثالث لعلاقاتنا، وقد شهدنا الكثير من التحسن فى ذلك الإطار، وأكبر دليل على ذلك قصر البارون إمبان، حيث ساهمنا فى دعم جهد الحكومة المصرية فى ترميم وإعادة تأهيل القصر الذى يمثل رمز منطقة هليوبوليس ورمزا أيضاً لعلاقاتنا الثنائية، وكذلك هناك مشاريع مستمرة فى مجالات الآثار والموسيقى وغيرها من مجالات التعاون الثقافي، وبالتالى فقد شهدنا فى كافة المجالات تقدماً وتعزيزاً للعلاقات خلال السنوات الأخيرة، وهناك الكثير تم إنجازه، كما لا يزال أمام السفير المقبل الكثير للقيام به.


رؤية خاصة


< ما الأولويات التى قد تنصحين بها السفير المقبل؟


- بالطبع أى سفير جديد تكون لديه رؤية خاصة جديدة وهذه من مميزات وجود سفير جديد، لكنى اعتقد أنه يجب العمل على تقوية التعاون ضمن الأسس الرئيسية لعلاقاتنا الثنائية، من اجل خلق مزيد من فرص الشراكة، وتسهيل الاستفادة من تلك الفرص باعتبار ذلك المهمة الأساسية لأى سفير، كما أن هناك دعامة أساسية لعلاقاتنا يجب ذكرها هى العلاقات متعددة الأطراف من خلال الإتحاد الأوروبي، الذى يعد أحد أهم الشركاء مع مصر، ودورنا كبلد عضو فى الاتحاد أن نعمل على تقوية تلك العلاقات المصرية الأوروبية، فالإتحاد يلعب دوراً كبيراً فى مساندة مصر وبعض ذلك الدعم غير مرئى بدرجة كبيرة، على الرغم من امتداد ذلك الدعم إلى مجالات كثيرة مثل المياه والبيئة وسياسات تنظيم الأسرة وتطوير الاقتصاد، ويعد تعزيز تعاون مصر مع الإتحاد الأوروبى الأساس الرابع لعلاقات مصر مع بلجيكا.


< ما شعورك عندما ترين زيارة مئات الشباب المصريين إلى قصر البارون بعد التطوير وهو ملف عملت عليه كثيراً فى السنوات الأخيرة؟


- يجب الإشارة إلى أن ترميم قصر البارون لم يبدأ خلال سنوات عملى فى مصر، يجب الاعتراف بالدور الكبير الذى لعبه السفراء السابقون فى مجال تطوير هليوبوليس بالشراكة مع الحكومة المصرية، وكان الاحتفال بمئوية مصر الجديدة عام 2005 تذكير للجميع بقيمة ذلك الحى ثقافياً كتراث حضاري.

 

ومنذ ذلك الوقت قمنا بالكثير من العمل وتم عقد مؤتمر ثم نشر كتاب عن تاريخ هليوبوليس وقصر البارون، وبعد حصول الدولة المصرية على ملكية القصر عام 2005 بدأ علماؤنا فى دراسة حالة القصر كمبنى، وبسبب الأحداث التى شهدتها مصر بين عامى 2011 و2013 تعطل العمل، وفى عام 2016 مولت بلجيكا انهاء الدراسة، وتمت ترجمتها واهدائها للحكومة المصرية، وكان ذلك عامل اساسى فى دعم جهد مصر لتطوير قصر البارون، ثم مؤخرا قمنا بوضع قيمة تبادل مقايضة الديون وكذلك خبرائنا تحت تصرف الحكومة المصرية، لمساعدتها على ترميم قصر البارون، والنتيجة التى نشهدها اليوم محصلة جهد مشترك تحت اشراف وزارة الآثار المصرية. اعتقد ان ذلك المشروع كان مهماً باعتباره تاريخا مشتركا، وقد وقعنا اتفاق تبادل الديون لإعطاء رسالة حول أهمية الحفاظ على التراث خاصة فى هليوبوليس.


< ما التأثير المتوقع للإقبال على قصر البارون فى تعزيز العلاقات الشعبية بين البلدين؟


- نحن سعداء أن تراثنا المشترك يلقى ذلك الاهتمام من الشعب المصري، باعتبار القصر يشكل أيقونة علاقاتنا الثنائية، اعتقد أنه سيكون مفيداً فى خلق معرفة وفهم أفضل لدى المصريين بدور البلجيك فى بناء وتنمية مصر، حيث يشكل القصر رمزاً للتاريخ والعمل المشترك بين البلدين.. اعتقد أن الكثير من المصريين ليسوا على علم بالدور الهام للبلجيك فى بناء وتعمير القاهرة الحديثة من مد للكهرباء ومشروع الترام والطرق والقطارات، فالكثير من المواطنين البلجيك لعبوا أدواراً هامة فى مجالات الصناعة والبنوك والبناء بمصر فى الفترة بين نهاية القرنين التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ولحسن الحظ أن تذكر ذلك الدور بمصر، يأتى فى الوقت الذى يقوم فيه الباحثون بالعديد من الجامعات والمؤسسات البحثية داخل بلجيكا بدراسة تلك الفترة لتحقيق فهم أفضل ومعرفة تفاصيلها.


وداع القصر


< هل ستقومين بزيارة وداع لقصر البارون قبل مغادرتك البلاد؟


- لقد زرت القصر بالفعل مرتين مؤخراً، ما يمكن اعتباره توديعا للقصر.. وعلى القول أنه بين زيارتى عام 2016 والعام الحالى لقصر البارون هناك اختلاف كبير وأنا سعيدة بذلك.


< بصفتك سفيرة فى كل من مصر والسودان.. كيف يمكن للبلدين التوصل إلى حل ينهى أزمة سد النهضة الإثيوبي؟


- اعتقد أن النقطة الأهم أن يأتى كل طرف للنقاش والتفاوض بحسن نية.. حالياً بلجيكا بحكم عضويتها فى مجلس الأمن وتواجدها فى الإتحاد الأوروبى وغيره مطلعون على الملف ولدى تلك المؤسسات رسالة مشتركة، إن كانت هناك حاجة لخبرات من الاتحاد الأوروبى فنحن مستعدون لتقديمها، حيث أن هناك الكثير من ملفات المياه المشتركة العابرة للحدود بين دول الاتحاد، التى يمكن استخدامها مرجعاً للأسلوب الذى قد تتخذه الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا للتحرك قدماً، لكن الأهم هو أن تواصل الدول الثلاث التفاوض بحسن نية للتوصل إلى اتفاق من أجل المستقبل، وليس من حق دولة بمفردها أن تقرر، ولكن يجب أن تتفق الدول الثلاث على سبيل يحقق مصالح شعوبهم جميعاً.


< الاتحاد الأوروبى شارك كمراقب فى المفاوضات الأخيرة بشأن سد النهضة.. ما تقييمكم لتلك المفاوضات؟


- مجدداً أؤكد أنه من المهم مواصلة الحوار والتفاوض، نعلم أن تلك المحادثات مستمرة منذ فترة طويلة ومليئة بالتحديات، ومن المهم أن تستمر وتصل لنتيجة، ويمكن دائما صنع التاريخ وهناك فرصة حالية بمواصلة التفاوض والوصول إلى مخرجات.


اقتصادى وسياسى


< ماذا يحتاج السودان من أصدقائه حالياً فى ظل الفترة الانتقالية التى يمر بها؟


- السودان بالطبع فى مرحلة انتقال وتحول يحتاج فيها للكثير من الدعم، ليس فقط دعم اقتصادى وإنما سياسى أيضا للوصول إلى أهدافه.. الجزء الأكبر من العمل يقع على عاتق السودانيين أنفسهم لتهيئة الأوضاع والاستفادة من ذلك الدعم. أعتقد أن الجميع نظر باعجاب إلى ثورة السودان العام الماضي، لكنه يظل مجرد نصف المسافة لتنمية البلاد، وهناك الكثير من العمل اللازم القيام به من جانب السودانيين.

 

الإتحاد الأوروبى كان مشاركا أساسيا فى مؤتمر برلين لدعم السودان، وكذلك بلجيكا على المستوى الثنائى لدعم التنمية بالسودان، كما أن الأمم المتحدة تكثف جهودها عبر مؤسساتها العاملة داخل البلاد، لكن يجب ألا ننسى أن كثيرا من الجهود يجب أن تكون داخلية مثل إصلاح قوى الأمن والقيام باصلاحات اقتصادية ووجود عدالة انتقالية، وغيره الكثير من العمل الذى يجب إنجازه.


< ما تأثير نقل آلاف المقاتلين السوريين إلى ليبيا على أمن دول الاتحاد الأوروبي؟


- الأمن الأوروبى تأثر بالأزمة السورية منذ بدايتها لكننا الآن نتحدث عن مقاتلين لهم خبرة فى الأسلحة وليس مجرد لاجئين.


هذا ليس جديداً.. فقد شهدنا العمليات الإرهابية فى بلجيكا وفرنسا وارتباطها بسوريا والمقاتلين الأجانب، لذلك من سوء الحظ فانه ليس بتحد جديد.

 

النقطة الأساسية فى الوضع الليبى هو وقف كافة التدخلات الإجنبية، واللجوء إلى عملية الحل السياسى برعاية الأمم المتحدة، وهو الجهد الذى يتمتع بمصداقية، ويجب أن يجمع جميع الأطراف للتحرك قدماً باتجاه إنهاء الصراع، لأن غياب آليات الحل السياسى يغذى تلك التحديات الأمنية وتدخل الأطراف المختلفة فى ليبيا، لذلك يجب العودة لعملية الحل بقيادة الأمم المتحدة، وهذا هو النداء الذى نوجهه فى الأزمة الليبية.


عدم  الاستقرار


< باعتباركم عضوا فى الاتحاد الأوروبي.. هل لديكم مخاوف من تأثير غياب الاستقرار فى ليبيا على زيادة نسب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا؟


- مسألة تأثير عدم الاستقرار فى ليبيا على قضايا مثل الهجرة غير الشرعية والأمن مطروحة على أجندة الإتحاد الأوروبى منذ عام 2011، لأن ليبيا تعتبر جارة الاتحاد الأوروبي، وبالتالى عدم الاستقرار هناك يعد عامل اهتمام وقلق، لذلك ندعو إلى حل سياسى للأزمة الليبية، لأن الحلول العسكرية لا تؤدى إلى نتيجة.


< كيف يمكن لبلجيكا أن تدعم مصر فى مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟


- هناك أدوات أوروبية لدعم ريادة الأعمال مثل بنك الاستثمار الأوروبي، وعلى المستوى الثنائى بلجيكا كما قلت بلد يأتى لمشاركة خبراته وتجاربه، وهناك أفضلية دائماً لنقل خبراتنا إلى رواد الأعمال، كما أعتقد أن العامل الأهم هو السياق العام فى مصر، وقد تحدثنا عن الإصلاحات الاقتصادية المستمرة فى مصر خاصة تخطى البيروقراطية وتعزيز الشفافية، وكلها عوامل أساسية فى صالح المشاريع الصغيرة وريادة الأعمال وتعبر عن الاتجاه الصحيح الذى يمكن لتلك المشاريع أن تزدهر من خلاله.


تعلمت الكثير


< ما أكثر ما أحبته عائلتك عن مصر؟


- الكثير من الأشياء فقد كان لنا شرف زيارة العديد من الأماكن فى مصر واستكشافها، ليس فقط المدن الكبرى والأماكن المشهورة وإنما أيضا أماكن تعتبر غير معروفة أو ليست مشهورة.


< كنت دائما من السفراء الذين يفضلون السير فى شوارع مصر والاختلاط بالمصريين.. هل هناك مقولة أو حكمة مصرية لن تنسيها؟


- هناك الكثير من الأشياء تعلمتها هنا، فلا يمكن مغادرة بلد مثلما دخلته، لكن يمكن القول أن التضامن الذى عايشته هنا، من الفقير للغنى ومن أبسط شخص لأكثر الناس تعليما وثقافة، أكثر الأشياء التى سأحتفظ بها فى ذاكرتي، ولدى إعجاب كبير بما رأيته فى مصر عن كيف يمكن لشخص أن يضحى ليدعم أحباءه وأسرته والمقربين منه.