إبداعات القراء| «ضيّ» قصة قصيرة لـ «أمنية عبدالله»

الكاتبة أمنية عبد الله
الكاتبة أمنية عبد الله

أرسلت إلينا الكاتبة أمنية عبد الله، قصة قصيرة بعنوان «ضي» لنشرها ضمن إبداعات القراء في باب صحافة المواطن ببوابة أخبار اليوم .

ومن أجواء القصة:

كل ليلة، أستلقي على سريري بهدوء، وكأنها الليلة الأخيرة. أعتدل فأنام على جانبي الأيمن، وأنا مغمضة العينين. أحاول ألا أكترث إلى نبضات قلبي المسموعة. تزيد؛ أفتح عينيّ وأنا لا أبصر إلا الظلام. 

اعتدت تعتيم غرفتي كمحاولة فاشلة للنوم سريعًا، أنظر إلى النافذة في سكون، بينما تكافئني نبضات قلبي المتزايدة بضيق في التنفس. 

ألهث وكأنني أنهيت للتو خمسة كيلومترات ركضًا، بينما لم أحرك سوى جفنيّ. أستخدم حيلة تنظيم الشهيق والزفير، والتي لا تجدي نفعًا أيضًا. فأُصبِّر نفسي قائلة: "حسنًا، لا بأس، يمكنني أن أستيقظ لبضع دقائق إضافية، سأنام لاحقًا".
و لكن، ثمة ألم يحدث هنا!
أشعر بهوة تشق صدري!
هوة ممتلئة بدخان أسود أكاد أشم رائحته.
الآن قد فهمت لماذا لا أشفى من السعال.
حسنًا، سأستسلم، بعد قليل سيأتي طيفه هنا. ربما هذه المرة يُطَمئن روحي، ويزيل ألمي، وأظفر بالنوم. 
ينتبه لحضوره كل ما بي، وكل ما حولي.
أقسم أنني أرى الجدران تهتز!
وخزانتي ترقص فرحًا!
تزهر ألوان السجاد، وتلمع الأرضيات.
أكاد أرى بريق بالفضيات، ولمعة بالكريستالات.
حتى أن قططي تبدأ في المواء، فتقف "كراميلا" على الأرض واضعة يديها بجانبي على السرير في محاولة للفت انتباهي وهي تحرك ذيلها، بينما يتتبع "دودّ" صوت خطواته القادمة من أسفل الباب. لتفزعنا جميعًا علبة "مكياچي" بشقلباظات بهلوانية.
أراقبهم في صمت؛ حتى يصيح أحمر شفاهي -وهو يستشيط غضبًا-: "أسرعي! إنه قادم! ضعي اللون الوردي".
فيرد مورد وجنتيّ: "إنه يحبني أكثر".
وتبقى "الماسكرا" في سكون تام برفقة قلم الكحل؛ ربما يعلما عاقبة الأمور.
أسمع الآن زجاجات عطري يتخبطن، ويناديني سيشواري وفرشاتي وزجاجات طلاء أظافري.
لا بأس ببعض الهلاوس، لم أجن بعد، سأتجاهل كل هذا، وأدير ظهري وأدفن وجهي في وسادتي. أريد أن أنام، أقسم أنني متعبة ومنهكة. فقدت الأمل وفقدت معه روحي.
لن أفتح بابي لأحد!
سأضع يديّ على أذنيّ حتى لا أسمع دقات أصابعه على الباب.
هو يعلم أنني أشتاقه، وما أفعله ما هو إلا محاولة للهروب من حنيني إليه.
فيأتي ويمسد شعري، ويقبل جبيني متسائلًا: "انتِ زعلانة مني؟".
يذوب قلبي، يعلم أن مثل تلك الأسئلة تذيب قلبي؛ لطالما حييت بين أناس لا يشعرون، يقومون بإيذائي ولا يتساءلون.
أجيبه بتحريك رأسي يمينًا ويسارًا. أعي تمامًا أنني لا أستطيع أن أحمل سوى الحب تجاهه. أتذكر الآن ارتفاع حرارة جسدي وكأنه يحترق؛ كلما رأيت صورة له مع أخرى. أتذكر أنين قلبي؛ كلما تخيلت كواليسها.
أصر على الصمت، فيقول: "ضَيّ.. انتِ بتوحشيني، مش قولتلك تبعتيلي رسايل حتى لو مفيش شبكة؟"
"هتسيبيني؟"
"ماشي"
"ماتزعليش مني، أنا ضايقتك بدون قصد"
"خليكي، أنا عاوزك معايا"
"اهتمي بأكلك عشان خاطري"
"مش بتبُصيلي عشان مش عاوزة تشوفي عينيا؟"
"ضَيّ.. مش شايفك، بُصّيلي، أنا بحب عينيكي".
فأقول -بنبرة مرتعشة-: "أنا بحبك".
فيجيب -وهو يهم بالرحيل-: "ما انتِ بتحبيني، بس الحب ده هينتهي ويزول، وهيتوجه لشخص تاني، زي الفرق بيني وبين الشخص اللي قبلي".
ويكمل -قبل أن يغلق الباب بقوة-: "مش هاصدق.. مش هاصدق.. مش هاصدق".
ليتركني أرى العالم يتضاءل بعيني، والمرارة تزيد بحلقي، ويتعاظم زهدي أكثر وأكثر. يتركني لشوك يلتف حول جسدي؛ فيسري فيه ألم بغيض لا أطيقه. فالرجال دونه دون. والحياة دونه دون. والحب دونه دون. بحياتي ما رأيته سيئ؛ كان صادقًا معي، فكيف أصفه بما ليس فيه لأزهد فيه؟
أحاول الهرب من أفكاري حتى يحل الصباح. أسمع زقزقة العصافير يتخللها صوت "أم كلثوم" العذب، وهي تشدو متألمة: "والعمل، إيه العمل، ماتقولي أعمل إيه؟ والأمل، انت الأمل، تحرمني منك ليه؟ .