ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: «الحرم الرابع».. مشروع التجلِّي الأعظم

ياسر رزق
ياسر رزق

«إن هذا البلد الذي اصطفاه الله ليتجلى بنوره على بقعة من أرضه.. أبداً لن يضام»                                                                                                                                                  عبدالفتاح السيسي


لم يكلم الله أحداً من خلقه إلا هنا.

ولم يظهر المتجلِّى على بقعة من أرضه إلا هنا.

فلقد اصطفى الله مصر، واصطفى منها سيناء، واصطفى من سينين الوادى المقدس طوى ليكلم فيه عبده ونبيه موسى، وجبلاً راسياً ليتجلى عليه فيجعله دكا.

وفى محكم آياته، قال الله عز وجل فى سورة طه:

«وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّى آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ  لاَ  إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِى».

وفى سورة الأعراف، قال تعالى:

«وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِى وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ».

كفى ذلك إذن بمصر منزلة علية، وبسماها مجداً وسؤدداً، وبأرضها قدسية بين الأرضين وفى العالمين.

< < <

لكن.. على مدار 3300 عام، منذ واقعة الكلام الربانى والتجلى الإلهى، ظلت تلك البقعة المباركة فى سيناء، خارج اهتمام كل حكام مصر دونما استثناء، وبقيت نسياً منسياً على مر العصور، برغم أنها كنز الكنوز التى يزخر بها هذا البلد الثرى، وبرغم أنها موطن البركة السرمدية على ظهر الأرض، ومهبط قبس النور الربانى.

فى حين، أن مقار الصديقين والأولياء والصالحين تقام لها الأضرحة الشامخة، وآثار الفراعين والملوك تنشأ عليها المعابد والقصور والمتاحف، وزيارات الأباطرة والقياصرة والأكاسرة تدون على الجدران وتروى على جانبى مسالكها القصص والأساطير.

< < <

أذكر فى أكثر من مناسبة، أن الرئيس السيسى وهو يتحدث فى لقاءات خاصة أو أحداث عامة، كان يحرص على رفع ثقة الشعب المصرى بقدرة أبنائه على الخروج من المخاطر التى تحدق بمصر ومن الأزمات التى تتربص بها، قائلا: «إن هذا البلد الذى اصطفاه الله ليتجلى على بقعة من أرضه أبدا لن يُضام».

ومنذ ست سنوات مضت، وجدتنى أمسك بقلمى، وأكتب لهذا المكان مقالا نُشر هنا يوم 2 نوفمبر 2014 تحت عنوان: «الحرم الرابع».

 

اخترت هذا الاسم، لأنه ليس هناك على ظهر الأرض، مكان قدسه المولى وباركه بعد الحرم المكى حيث بيته العتيق، وبعد الحرم النبوى حيث مسجد خير خلق الله، وثالثهما الحرم القدسى حيث المسجد الأقصى وقبة الصخرة، سوى البقعة المباركة فى سيناء وواديها المقدس طوى، لذا اخترت لها -غير مبالغ ولا متزيد ولا متعسف - اسم «الحرم الرابع».

بل لعلى أتجاسر فى تدليلى على قدسية تلك البقعة فى سيناء، وأقول: إن الله عز وجل أقسم فى سورة «التين» بطور سينين قبل أن يقسم بالبلد الأمين مكة المكرمة.

< < <

وقتها، وقبل أن أكتب اتصلت بصاحب الفضيلة الدكتور محمد مختار جمعة العالم ذى القلب الشجاع ووزير الأوقاف الهمام، وسألته عن الفكرة وعن مسماها، فاستحسنهما وساق لى الأدلة القرآنية وغيرها على قدسية طور سينين، الذى سميت باسمه سورة قرآنية: «الطور»، استهلها المولى بالقسم «وَالطُّورِ ، وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ».

وقال: إن هذا المكان المقدس يمكن أن يجمع بين السياحة الدينية الروحانية والسياحة العلاجية معا، فالله جل وعلا يقول فى محكم آياته فى سورة «المؤمنون»:

«وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ».

والرسول الكريم قال عنها: «كلوا من زيتها وادهنوا به، فإن له دواء وشفاء».

وحينما ألحت علىّ الفكرة، انتهزت فرصة لقاء لى مع هشام زعزوع وزير السياحة فى ذلك الحين، فى دارنا أخبار اليوم، وطرحت عليه الفكرة واسم «الحرم الرابع»، فأبدى حماساً لها وترحيبا كبيراً، ولعله استشعر بحسه السياحى الرفيع انعكاسها على إحداث ثورة فى جذب السياح إلى مصر.

والتقينا بعد ذلك، ثم التقيت فيما بعد بوزير السياحة يحيى راشد الذى تحمس هو الآخر، وعرضت الأمر على اللواء خالد فودة أهم محافظ لجنوب سيناء منذ تحريرها، وبدأنا نفكر فى مناقشة الفكرة وتفاصيلها مع مستثمرين سياحيين، غير أن أحداثا معروفة وحوادث فى سيناء تسببت فى تراجع هائل فى التدفق السياحى وأجلت التفكير فى هذا الموضوع.

< < <

يوم الإثنين الماضى، سررت بالغ السرور وأنا أطالع الأنباء التى طالعتنا بها المواقع الإخبارية وعلى رأسها بوابة أخبار اليوم، ثم صحيفة الأخبار فى طبعتها الأولى ليلا، عن الاجتماع المهم الذى عقده الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مقر الرئاسة بقصر الاتحادية، مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء الكفء والنموذج بحضور الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الدءوب والمتمكن وصاحب القرار.

وكان العنوان الرئيسى لهذا اللقاء الذى شارك فيه اللواء أمير سيد أحمد مستشار الرئيس للتخطيط العمرانى، هو استعراض مقترح مشروع «التجلى الأعظم» بالمنطقة المقدسة فى سيناء.

ومساء «الجمعة» وقبل أن أشرع فى أسطر هذا المقال، وأعيد تسليط الأضواء على فكرة «الحرم الرابع» التى طرحتها منذ ست سنوات، اتصلت بالصديق الكريم الوزير الدكتور عاصم الجزار وسألته عن تفاصيل ما جرى من نقاش حول مشروع «التجلى الأعظم».

وفهمت من الوزير أن الرئيس السيسى كان قد أصدر توجيهاته خلال افتتاح المرحلة الثالثة لمشروع الأسمرات منذ أسابيع، بالاهتمام بأعمال مدينة سانت كاترين الجديدة.

وعقب الافتتاح قام الدكتور عاصم الجزار بتمحيص فكرة إنشاء مشروع ضخم فى موقع التجلى الأعظم يكون مكاناً للسياحة الروحانية للناس من أتباع الديانات السماوية، على أن يتم طرح المشروع للدنيا كلها لتشارك فيه ويكون هذا المشروع الضخم رمزاً تقيمه مصر للتسامح بين الشعوب دون تمييز.

وفى اجتماع الاثنين الماضى، حصلت فكرة المشروع على مباركة الرئيس الذى وافق على المضى فى تطوير الكيان الحالى لمدينة سانت كاترين وتحديث مرافقها وبنيتها الأساسية، ومد الطرق وتوسيعها من دهب ونويبع إلى سانت كاترين، وكلف وزير الطيران بإجراء تطوير شامل على مطار سانت كاترين ليستوعب الزيادة المتوقعة فى الحركة لاسيما بعد إنشاء هذا المشروع الروحانى العملاق.

 

 

وتقرر ابتداء من الأسبوع الحالى، أن يتم عقد جلسات مع الخبراء والمختصين لمناقشة الجوانب المقترحة العلمية والفنية والسياحية لهذا المشروع والطرق المثلى للترويج له عالميا.

واتفقت مع الدكتور عاصم الجزار، على عقد لقاء بمنتدى أخبار اليوم للسياسات العامة لمناقشة تفاصيل مشروع «التجلى الأعظم» أو مشروع «الحرم الرابع» كما أسميه، وأظن أنه المسمى الأنسب دينياً والأكثر جذباً من الناحية السياحية والروحانية.

< < <

وأسمح  لنفسى أن أطرح أفكاراً بعضها سبق أن أشرت إليه فى المقال الأول وبعضها أعرضه لأول مرة فى هذا المقال:

- تشكيل لجنة وطنية لوضع التصور العلمى والفنى اللائق بهذا الحرم الرابع.

وربما تضم اللجنة مع الوزراء المعنيين بالإسكان والأوقاف والسياحة والثقافة والإعلام ومحافظ جنوب سيناء، وممثلى القوات المسلحة والخارجية وأجهزة الأمن والمعلومات الاستراتيجية والحربية والوطنية. خبراء فى مجالات التخطيط العمرانى والسياحة والاستثمار والدعاية والترويج.

- إنشاء مجمع ضخم للأديان السماوية الثلاثة، على غرار مجمع الأديان الذى سبق أن طرح إنشاءه الرئيس الراحل أنور السادات صاحب الرؤى السابقة لعصرها.

- إنشاء مزار دينى روحانى على أعلى مستوى من الإبهار عماده بانوراما على الجبال المحيطة بالوادى المقدس، تروى القصة القرآنية والقصة التوراتية بين الخالق وكليمه موسى، مع الاستعانة بأمهر الرسامين والنحاتين والموسيقيين لتكون هذه البانوراما تحفة فنية عالمية خالدة.

- إقامة منتجعات لإقامة زوار ورواد هذا الحرم الروحانى، بجانب منتجعات علاجية قريبة.

- ربط هذا الصرح بالمنطقة الساحلية والصحراوية الممتدة بين الطور وشرم الشيخ لتنميتها فى إطار منظومة متكاملة يدخل فيها الجانب السياحى والعلاجى والعمرانى.

- وضع خطة ترويج إعلامية لهذا المشروع العالمى العملاق، وجذب الاستثمارات الأجنبية له، جنبا إلى جنب مع الانتهاء من المخطط العام والتصميمات الخاصة بمكوناته.

< < <

أحسب أن مشروع «الحرم الرابع»، سيكون جوهرة التاج للفترتين الأولى والثانية لرئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لاسيما أننى أتوقع - وفق معدلات التنفيذ القياسية التى أصبحت سمة هذا العهد- أن يتم الانتهاء من مرحلته الأولى قبل منتصف 2024.

«الحرم الرابع» سيكون قبلة للتسامح والرحمة ومقصدا لعباد الرحمن ورمزا لقدسية مصر التى اصطفاها الله ليتجلى بنوره على أرضها الطاهرة المباركة.