في ذكرى وفاء النيل، تعرف على احتفال المصريين بالنهر

تعبيرية
تعبيرية

في ذكرى وفاء النيل، تعرف على احتفال المصريين بالنهر

في يوم 15 أغسطس من كل عام يحتفل المصريون بيوم وفاء النيل كما كان يحتفل القدماء وفى ضوء ذلك كانت الدراسة الأثرية للباحث الآثارى الدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص فى الآثار اليونانية والرومانية التى تؤكد أن قدماء المصريين كانوا يقدمون القرابين للمعبود حابي (رب النيل) ويرددون الأناشيد اعترافًا بفضله على أرض مصر وأهلها.
ويشير الدكتور حسين دقيل إلى ما ذكره المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت منذ 2500 عام أن "مصر هبة النيل" وكأن النيل هو من وهب مصر الحياة والوجود ولولاه ما قامت على هذه البقعة تلك الحضارة التي أذهلت الشرق والغرب على السواء فمصر بغير النيل صحراء جرداء.

ويضيف الدكتور حسين دقيل بأن تسمية النيل ترجع إلى الإسم اليوناني "نيلوس"، وكلمة نيلوس يُرجعها البعض إلى أصول فينيقية مشتقة من الكلمة السامية "نهل" أو "نخل" ومعناها "جرى" أو "مجرى" أو "نهر".

ولكن ديودور الصقلي له رأي آخر فهو يرى أن النهر كان يسمى في الأصل إيجيبتوس ثم أطلق عليه نيلوس نسبة لملك يدعى نيلوس تولى الحكم فشق القنوات والترع، وعندما دخل العرب مصر لم يغيروا اسمه وإن أطلقوا عليه أيضا البحر لدرجة أنه لا يزال يطلق عليه هذا الاسم حتى الآن في الكثير من المناطق المصرية.

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار الضوء على هذه الدراسة موضحًا أن نهر النيل ينبع من بحيرة فيكتوريا وهي من الثلاث بحيرات العظمى على مستوى العالم، ثم يتجه شمالًا حتى يصل إلى المصب في البحر المتوسط قاطعًا مسافة يبلغ طولها 6650 كم، ويغطى مساحة تبلغ 3.4 ملايين كيلو متر مربع، ويمر في طريقه بعشر دول إفريقية يطلق عليها دول حوض النيل.

ويوضح أن المصرى القديم لم يكتف بالزراعة على ضفاف النيل بل استغل النهر أيضا في الصيد، فكانت الأسماك من أهم مصادر الغذاء واستخدموا في صيدها القوارب والشباك ولا تزال الجدران بالمقابر والمعابد تشتمل على عمليات الصيد وكانت تقام بالنيل أيضا مسابقات خاصة بالسباحة والتجديف ومختلف الألعاب البحرية.

وينوه الدكتور ريحان من خلال الدراسة أن المصرى القديم سجل ارتفاع منسوب مياه الفيضان، وقد طور البطالمة والرومان طرق قياس النيل وكانت الأداة في البداية أداة محمولة عبارة عن عصا من البوص مدّرجة توضع بشكل طولي في مجرى النيل لقياس مستوى الفيضان، ثم تطورت لتصبح عبارة عن سلم نقشت على جدرانه الداخلية قياسات الفيضان بالأذرع وقد أقام البطالمة المعابد على ضفة النهر وزودوها بمقاييس النيل وفي مقياس النيل بمعبد فيلة نقش توقيت وزمن الفيضان وكانت الضرائب تحسب على أساس مستوى فيضان النيل.

أمّا بخصوص عروس النيل فيوضح الدكتور ريحان من خلال الدراسة أنه لا أساس ولا دليل أثرى لخرافة إلقاء فتاة في النيل من أجل الفيضان وقد روجها المؤرخ الإغريقي بلوتارخ حين قال إن "إيجيبتوس" ملك مصر نزلت كوارث بالبلاد في عهده فاستلهم الوحي ليهديه السبيل فنصحه بأن يضحي بابنته ويلقيها في النيل ففعل ثم شعر بالذنب فألقى بنفسه في النيل أيضا فهلك كما هلكت ابنته وهذه الرواية ظلت تتناقل عبر العصور مما جعل الكثيرين يتوهمون أنها حقيقة كانت تكرر عامًا بعد عام.

أما ورقة "هاريس" فليس بها ذكر لعروس النيل وإنما جاء فيها أنه كان على امتداد النيل ما يزيد على مائة مرساة بين كل مرساة والتي تليها مسافة سبعة أميال، وفي كل مرساة كان يوجد تمثال لمعبود النيل حابي يرعاه كاهن وفي كل محراب تماثيل لحابي ولزوجة معبود النيل الربة "ربيت" مصنوعة من الفضة والذهب والقصدير وغيرها من المعادن المختلفة وكانت هذه التماثيل تلقى في النيل يوم الاحتفال بعيد حابي قبيل الفيضان، وتتكرر كل عام.

ويتابع الدكتور ريحان بأن المصريون قدموا للمعبود حابي أناشيد عديدة كانت تردد في الاحتفالات بالفيضان وقد وجد على جدران المعابد العديد منها كما أن هناك مقتطفات أخرى لتلك الأناشيد موجودة بالبرديات المصرية القديمة.

ومما ذكر في بردية تورين عن النيل "إنه هو الذي يروي المراعي، وهو المخلوق من رع ليغذي كل الماشية، وهو الذي يسقي الأراضي الصحراوية البعيدة عن الماء، فإن ماءه هو الذي يسقط من السماء إنه هو الذي يأتي بالقوت، وهو الذي يكثر الطعام، وهو الذي يخلق كل شيء طيب، ويمدحه الناس...، هو الذي يخلق العشب للماشية، ويمد كل معبود بقرابينه، سواء كان في العالم السفلي أو في السماء أو في الأرض، وهو الذي يملأ المخازن ويزيد من حجم شون الغلال، وهو الذي يعطي الفقراء، وهو الذي يجعل الثمار تنمو كما يشتهي الجميع، فلا ينقص الناس أي شيء، ومن كان حزينا يصبح مسرورًا ويبتهج كل قلب، وهو الذي يسعد الإنسان ويجعله يحب أخيه، أنت الفيضان الذي ينساب على الأرض الخضراء لكي يعطي الحياة إلى جميع الظمأى، وعندما ترتفع تشدوا الأرض فرحانة" .

كما أن أخناتون في أناشيده يمتدح رب النيل، فيقول:
أنت خلقت النيل في العالم الأرضي
وأنت تخرجه بأمرك فتحفظ به الناس
يا معبود الجميع، حين يتسرب إليهم الضعف
يا رب كل منزل، أنت تشرق من أجلهم
أنت موجد حياتهم
أنت الذي خلقت في السماء نيلا
لكي ينزل عليهم ولهم
يتساقط الفيضان على الجبال كالبحر الزاخر
فيسقي مزارعهم وسط ديارهم
ما أبدع تدابيرك يا معبود الأبدية
في السماء نيل للأمم الغربية
ولماشية البلاد الأخرى ودوابها، ولكل ما يمشي على رجلين