تعرف علي قصة «قارئة الفنجان» و «زبيدة» التي أحبها مينو

قارئة الفنجان
قارئة الفنجان

"ستكونين ملكة ولكن نهايتك ستكون حزينة" هكذا قالت قارئة الفنجان لزبيدة إبنة محمد عبد الرحمن البواب الميزوني التاجر برشيد الذى تزوجت من قائد الحملة الفرنسية "مينو" ومن هذا المنطلق كانت دراسة الباحثة أحلام السيد الشوربجى باحث ماجستير في التاريخ الإسلامي بكلية الآداب جامعة دمنهور.

وتشير الباحثة «أحلام السيد الشوربجى» إلى أن زبيدة لم تهتم بنهايتها الحزينة بقدر اهتمامها بأن تكون ملكة وهى "غادة رشيد" التى عشقها الجنرال الفرنسي «مينو» وتزوجها وغيّر ديانته من أجلها، ثم ألقاها في شوارع وحواري فرنسا كقطة ضائعة لا تعرف لغة وليس لديها مال، فقط خادم بائس يذكّرها بالأيام القديمة التي كانت مفعمة بالمجد والثراء العظيم ورغد العيش.

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، الضوء على هذه الدراسة موضحًا أن البداية كانت على شاطئ البحر المتوسط في مدينة رشيد حيث ولدت الجميلة «زبيدة»، وتربت كبنت عز تأمر فتطاع وفي الثامنة عشرة تزوجت من أحد المماليك الأثرياء وهو «سليم أغا نعمة الله» لكن لم تستمر هذه الزيجة طويلًا حيث وقع الطلاق بعدها بعام واحد فقط.

حكاية "زبيدة" التي أحبها "مينو"

وبدأ "جاك جاك مينو" حاكم مدينة رشيد و القائد الثالث للحملة الفرنسية علي مصر فى البحث عن زوجة مصرية بغرض التقرب من أهل رشيد عن طريق مصاهرتهم لذلك وقع اختياره علي بنات الشيخ "علي الجارم " لعراقته في الشرف العلم إلا أن «الشيخ الجارم» عندما وصلته الأخبار تلك سارع بتزويج ابنتيه إلى اثنين من تلامذته فبدأ مينو يبحث من جديد عن عروسه حتى ظهرت الحسناء «زبيدة» إبنة محمد عبد الرحمن البواب الميزوني التاجر برشيد والذي ينتمي إلى طبقة الأعيان والأثرياء ويعيش في بيت كبير مكون من خمسة طوابق لايزال موجودًا حتي يومنا هذا.

وثيقة زواج مينو الفرنسي تؤكد إسلامه

ويتابع الدكتور ريحان بأن عائلة «البواب» وافقت على زواج ابنتهم من الجنرال الفرنسي سريعًا ودون اعتراض، فقط طلبوا منه إعلان إسلامه، وتم عقد الزواج في وثيقة بمحكمة رشيد الشرعية فى 25 رمضان 1213 هجرية الموافق 2 مارس 1799 ميلادية، وتضمنت الوثيقة أيضًا اعتناق الجنرال للإسلام وتسمى فى الوثيقة باسم «عبدالله مينو» كما أثبتت وثيقة الزواج من زبيدة إنها أصغر منه بثلاثين عامًا.
وكان صداق زبيدة الذي قدمه لها «مينو» 100 محبوب كل واحد منها بمائة وثمانين نصفها فضة، كما تضمنت في أحد شروطها أن يدفع لها مينو 2000 ريال نظير فراقه لها في حالة الطلاق وإن مات وكانت لا تزال في عصمته تأخذ من ماله الألفي ريال.

وتؤكد الوثيقة على صدق إسلام «مينو» ونطقه للشهادتين وتسميه «عبد الله»، وكان عقد القران بحضور أئمة مصر وقد افتتن «جاك مينو» بزبيدة وجمالها، وتوجد رسالة يصف فيها «زبيدة» لأحد أصدقائه فيقول فيها: «زوجتي طويلة القامة، مبسوطة الجسم، حسنة الصورة من جميع الوجوه، لها عينان رائعتان، ولون بشرتها هو اللون المصري المألوف، وشعرها طويل فاحم، وهي لطيفة الطبع، وجدتها تتقبل كثيرًا من العادات الفرنسية بنفور أقل مما توقعت، وأنا لم ألح عليها بعد في الخروج سافرة على الرجال، ولن أنتفع بما أباحه النبي من الزواج بأربع نساء، فإن في زوجة واحدة أكثر من الكفاية».

ويوضح الدكتور ريحان، من خلال الدراسة بأن مينو كان يعاملها معامله الفرنسيات، فكان يمد يده لها كل ما همت بالدخول الى غرفة الطعام معه ويقدم لها أشهى الأطعمة ويلتقط منها منديل الطعام إذا سقط منها مما جعلها موضع حسد الكثير من نساء رشيد، وعاشت زبيدة مع مينو في سعادة كبيرة وأنجبت منه ولدًا سمته «سليمان مراد جاك» في 27 نوفمبر عام 1800، لكن هذه السعادة لم تستمر طويلًا فبمجرد أن تسلم «مينو» قيادة الحملة ظهرت بشائر تكشير الدنيا عن أنيابها لزبيدة فلم تجلس «زبيدة» بصفتها زوجة حاكم مصر على عرشها وكان يجب عليهما الاستعداد للمغادرة.

وينوه الدكتور ريحان إلى رحيل زبيدة مع «مينو» إلى فرنسا لكن معاناة «مينو» مع المرض كانت قد بدأت وهو في طريقه إلى فرنسا مع زوجته وعقب تماثله للشفاء ووصوله إلى باريس بدأت ملامح انهيار وتداعي قصة الحب التي جمعت بين مينو وزبيدة حيث أصبح مينو حاكمًا لإقليم فلورنسا فترك زبيدة مع ولدها الصغير فى مارسيليا.

سكنت زبيدة في مدينة مارسيليا بينما تولى «مينو» إدارة حكم ثلاث مدن خلال خمس سنوات ورغم كل مناصبه لم ينس أصله فعاشر سيدات واتخذ عشيقات لنفسه أغلبهن من راقصات الحانات تاركًا زوجته ونجله ومع تراكم الديون عليه فضلاً عن سوء أخلاقه، تم طرده من الخدمة العسكرية في باريس، وكانت زبيدة مقيمةً في منزلها وحدها بصحبة ولدها، ولم يرعهما سوى خادمها «سرور» وكانت زيارات مينو لها قليلة وقد أنجب منها ولدًا آخر، ثم كانت وقعت الكارثة على زبيدة ، حيث ارتد مينو عن الإسلام وقرر التوجه إلى زوجته ليأخذ الولد الثاني لتعميده في المسيحية وهو الأمر الذي رفضته زبيدة وقال إن الإسلام لا يمنع تعميد الطفل لأن الله يقضي بإيمان أهل الكتاب عملاً بقول الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، سورة البقرة آية 62 وعلى إثر ذلك وافقت زبيدة وتم تعميد ولدها الذي تربى في أسرة فرنسيةٍ فيما بعد.

ويشير الدكتور ريحان من خلال الدراسة إلى كتابات المؤرخين عن زبيدة حيث ذكر رفاعة الطهطاوي عن " لا يُعْرَف أي شيء عن نهاية زبيدة على مستوى اليقين، سوى بعض تكهنات المؤرخين أن ولدها الأكبر توفى في ظروف غامضة، ولم تستطع الوصول إلى نجلها الثاني خاصة بعد وفاة مينو سنة 1810 في الستين من عمره، كما أن أهلها لم يتمكنوا من الوصول إليها، حيث عاشت في شوارع مارسيليا تتسكع في طرقاتها"، ويقال ان مينو قد اجبرها علي أن تستنصر، وأنها ماتت مسيحية.

وذكر الجارم في روايته غادة رشيد "، أن زبيدة كانت تحب ابن عمها «محمود» قبل زواجها من مينو، وأن خادمها «سرور» ساعدها في العودة إلى مصر، ولما رجعت وجدت حبيبها ميتًا وعلى قبره تجلس حبيبته الإنجليزية، وأنها ماتت مع حبيبة محمود حزنًا عليه " وهو ما لم يحدث أصلاً حيث اختلفت الأقاويل في نهايتها وذكر "الجبرتي" المؤرخ المصري الشهير أن زبيدة لم تغادر أرض مصر نهائيًا وبقيت فيها مع ابنها «سليمان» حتى توفيت ولكن من الثابت أنها ماتت غريبة،وحيدة، مشردة وبذلك تكون قد تحققت نبوءة العرافة أنها أصبحت ملكة ونهايتها باتت حزينة .