إنهــا مصـــــــر

لبنان بين نارين

كــــــــــــرم جبــــــــــــر
كــــــــــــرم جبــــــــــــر

 أدعوالله أن يحمى لبنان ويحفظ شعبها، بلد جميل مفعم بالحب والحيوية والحياة، وشعب طيب لا تغيب عنه الابتسامة، فماذا يريدون منه ولماذا أحرقوه؟
 لا تفتش كثيراً عن أسباب أزمة لبنان، فإذا لمحت حزب الله عرفت السبب، ولماذا تحول وطن المحبة والسلام إلى الحروب والصراعات والأزمات؟.. ولماذا أصبح الفقر شبحاً يطارد شعباً لم يكن يعرف الفقر؟
 كُتب على لبنان أن يكون بين نارين أسوأ من بعضهما: البعث السورى وحزب الله الإيراني.. ومنذ عدة سنوات كانت صور حافظ الأسد ومن بعده بشار تملأ الشوارع والميادين وكأنك فى دمشق، وأعقبها صور حسن نصر الله وآيات الله وكأنك فى طهران.
 >>>
 جاءت سوريا إلى لبنان للقضاء على النفوذ الفلسطينى الكثيف الذى بدأ عام 1970، بعد أن استباح الفلسطينيون الوطن الطيب، وكونوا دولة داخل الدولة، وأشعلوا الحروب فى كل مكان.
 رحل الفلسطينيون وحل محلهم النظام السوري، غادر ياسر عرفات وجاء حافظ الأسد، واستمرت الهيمنة السورية حتى اغتيال الحريرى عام 2005، وكان ضرورياً أن ترحل سوريا عن لبنان إثر الحادث الأليم.
 انسحب السوريون وحلت إيران وحزب الله لملء الفراغ، بإمكانات عسكرية وقدرات على تعبئة الطائفة الشيعية، وتشكيل كيان سياسى وعسكرى واجتماعى وقاعدة جماهيرية ونفوذ كبير.
>>>
 حزب الله اللبنانى لم ينسلخ منذ نشأته الأولى عن إيران، وكان ظهوره لمساعدة آية الله خومينى فى بداية الثمانينات، وهوالذى قام بأعمال التصفية الجسدية ضد معارضى الخومينى، وتولى تأديب المتظاهرين، وحرق دور الصحف وقمع أى حركات مناوئة.
 فاتورة حزب الله ضخمة، ففى عام 2016 ـ مثلاً ـ صدرت قرارات من الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، السبب هواتهام الحزب بأعمال تجسس وأنه يجند الشباب للقيام بأعمال إرهابية فى دول الخليج.
 واتخذت الدول الخليجية إجراءات مشددة، تمثلت فى تجميد أرصدة الشركات والأفراد المنتمين للحزب، والتضييق على نحو360 ألف لبنانى يعملون بدول الخليج، بلغت تحويلاتهم السنوية إلى لبنان نحو4 مليارات دولار، وأوقفت السعودية دعمها لقوى الأمن اللبنانية.
        وفاتورة خسائر أخرى كبيرة، جعلت هذا البلد الهادئ يتحمل فوق طاقته، وتمزَّق النسيج اللبنانى الناعم، القائم على التوافق والتعايش وقبول الآخر، وصار دولة داخل الدولة، تابعاً لإيران ويؤتمر بأوامرها، وأصبح حسن نصر الله لغزاً فى المعادلة السياسية، ويمثل وجوده عبئاً كبيراً على الأوضاع فى لبنان.
>>>
 الأيام المقبلة حُبلى بما تخبئه الأطراف المتصارعة، وذكريات الماضى الأليم تعاود لبنان، وأوجاع حرب الـ 15 عاماً التى اندلعـت عام 1975 تخيم بظلالها، فقد كانت "حروب الآخرين" على أرض لبنان سر شقاء لبنان، وراح ضحيتها 150 ألف قتيل و300 ألف جريح و25 مليار دولار.
 من الصعب أن يأتى "حريرى" آخر، يعيد بناء الدولة من بين الأنقاض، ويضخ عشرات المليارات من الدولارات التى أعادت بلداً كان خارج نطاق الحياة، إلى عهده المزدهر وحيويته المشهودة، لتغنى له فيروز "لبنان عم بيخلق جديد".
 لبنان لا يحتمل أكثر من ذلك، تنهكه صراعات وقودها الشعب اللبناني، ومشعلوها هم "الآخرون" و"حزب الله".