من وراء النافذة

من قلبى سلام لبيروت

هالة العيسوى
هالة العيسوى

قومى يا بيروت، انهض يا لبنان، الحزن لا يليق بك.لقد احترق قلب العالم مع احتراق قلبك. سبق أن واجهت مصائب شتى وقمت منها شامخًا بهيًا، جابهت الاحتلال صهيوني، أنهكتك الحروب الأهلية، أحزنتك الاغتيالات سياسية، مزقك الانقسام الطائفي، عانيت من الانسدادالحكومي، أرهقك الانهيار الاقتصادي،أمسيت على شفا الإفلاس، وأخيرًا أضحيت على هذا الانفجار الكارثى الذى أصاب الميناء الرئيسي، وقدرت خسائره ما بين 20 و25 مليار دولار.
بيروت توصف الآن بأنها مدينة منكوبة تحتاج لمد كل أيادى العون، ولبنان يوصم بأنه دولة فاشلة. علامات الاستفهام تحيط بملابسات الحادث، وتطل إشارات المؤامرة بوضوح، سواء من حيث التوقيت، أومن حيث كيفية وقوع الانفجار المروع الذى وصلت أصداؤه إلى قبرص المجاورة، وتعادل قوته زلزالا بقوة 5،6 بمقياس ريختر.
التوقيت كانت له دلالته الواضحة مع اقتراب النطق بحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان فى قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى وقد تسبب الحادث الكارثى فى تأجيل إعلان الحكم الذى كان مقررًا اليوم إلى الثامن عشر من هذا الشهر، كذلك يأتى الانفجار المدمر وسط استغاثات لبنان للعالم من أجل إنقاذه من الإفلاس جراء الانهيار الاقتصادى الخطير، ليأتى هذا الحادث المروع ويجهز على الاقتصاد اللبنانى والدولة اللبنانية تمامًا وكأن المطلوب ألا تقوم لها قائمة لاسيما مع احتراق مخزن الحبوب الرئيسى ليصبح الجوع هو بطل المشهد.
أما من حيث الكيفية فالتساؤلات فى هذا الصدد كثيرة: كيف سكتت السلطات اللبنانية المتعاقبة عن تخزين هذه الكمية المهولة التى بلغت 2750 طنًا من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار بطريقة غير آمنة فى منطقة مأهولة بالسكان ومجاورة لأكبر ميناء لمدة ست سنوات؟ ألم تدرك خطورة المادة المخزنة؟ المعروف ان هذه النترات مادة صلبة بيضاء تشبه الكريستال تنتج بكميات كبيرة لإنتاج النتيروجين كأساس للمخصبات الزراعية. وهى فى حد ذاتها ليست خطيرة، لكنها إن تركت لمدة طويلة فإنها تمتص كميات من الرطوبة تحولها إلى الشكل الصخرى وتصبح قابلة للانفجار اذا اقتربت منها مادة مشتعلة. الإرهابيون يعرفون هذه الخاصية، وسبق أن استخدمت فى حادث أوكلاهوما عام 1995 وتستخدمها بعض الجيوش فى إنتاج القنابل. لا تكمن خطورة نترات الأمونيوم فى قابليتها للانفجار وحسب، إنما فى تخلفه الانفجارات من غازات سامة مثل غاز الأمونيا وأكسيد النيتروجين.
فهل تعرضت هذه الكمية الضخمة إلى مصدر اشتعال؟ وكيف؟ هل كان الاشعال متعمدًا أم نتيجة خطأ بشرى غير مقصود؟ وفى كل الأحوال لماذا تجاهلت السلطات اللبنانية التحذيرات التى انطلقت أثناء تفقد الشحنة المخزنة قبل شهور من " القنبلة العائمة" التى من شأنها تفجير بيروت بأكملها؟ هل كان التجاهل بسبب انشغال الحكومات اللبنانية بمشكلاتها السياسية وانغماسها فى المشاحنات الطائفية أم أن الإهمال كان متعمدًا، أو ربما شعر الجناة - إن وجدوا - بقيمة هذه الهدية الثمينة فاستغلوا هذا الإهمال ؟
أيًا كانت الإجابات على هذه التساؤلات التى يفترض ان تقدمها جهات التحقيق المحلية أو الدولية كطلب لبنان، تبقى بلاد الأرز مستحقة لكل أنواع التكاتف الدولى لانتشالها من أزماتها المتلاحقة، وهى ليست أقل من اليونان التى وقف الاتحاد الأوروبى إلى جانبها وأنقذها من الإفلاس. قد تكون للاتحاد الأوروبى مصلحة مباشرة فى إنقاذ دولة عضو به، لكن العالم بأسره يجب أن ينظر بعين المصلحة أيضًا نحو لبنان.