بأقلام الأشقاء

إلى أين تبحر سفينة العرب؟!!

غسان محمد عسيلان
غسان محمد عسيلان

غسان محمد عسيلان

لا شك أن التاريخ الحقيقى–لا المزيف–هو ذاكرةٌ أمينةٌ لكل راغبٍ فى التعلُّم وأخذ العظة والعبرة من أحواله وتقلباته وأحداثه الجسام، ولكن يبدو أننا لا نقرأ التاريخ ولا نتعظ به ولا نعتبر بما يجرى فيه من أحداث ؛ فما زالت أطماع السيطرة على العالم العربى مثيرة للكثير من المؤامرات لإشاعة الفوضى فى المنطقة العربية للهيمنة عليها وعلى مقدراتها وخيراتها، ولسنا من عشَّاق نظرية المؤامرة ولا من المسكونين بهواجسها وعوالمها المظلمة الكئيبة؛ لكن الواقع يؤكد أن التآمر ما يزال مستمرًا بل إنه يتسارع إلى ذروته لتفكيك النظام الإقليمى العربي، وطمس هويته وإعادة تشكيله وفقًا لأيديولوجيات متصارعة.
وكما هو معروف فقد تم تقسيم أراضى الوطن العربى بموجب معاهدة (سايكس بيكو) التى تم توقيعها سنة 1916م بين بريطانيا وفرنسا، وشاركت فيها روسيا القيصرية التى كانت -وما زالت- تطمح فى امتلاك موطئ قدمٍ وإيجاد نفوذٍ لها فى هذه المنطقة الحيوية من العالم، وعندما سيطرت الثورة الشيوعية على موسكو كشفت أسرار هذه المعاهدة!!
وفى 2 نوفمبر 1917م قَّدمت بريطانيا وعدها المشؤم المعروف بـ (وعد بلفور) لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، وفى عام 1922م تمَّ سحق الثورات العربية فى فلسطين وسوريا والعراق، ووُضِعت هذه البلدان تحت الانتداب الفرنسى والبريطانى بمصادقةٍ حينها من هيئة الأمم، وبدأ نشاط الحركة الصهيونية لتنفيذ وعد بلفور بإقامة إسرائيل، وتمَّ بذلك طعن العرب بخنجر صهيونى ما زال يُدمى الجسد العربى حتى الآن!
وبعد مرور أكثر من مائة عام على معاهدة (سايكس بيكو)، هناك محاولات محمومة تجرى حاليًّا لتقسيم المقسم، وتشظية المنطقة إلى دويلات طائفية متناحرة تستغلها إسرائيل لتحقيق حلمها فى إنشاء (إسرائيل الكبرى) من النيل إلى الفرات، وليس فى الأمر مبالغة!! فالحق أن هناك أخطارًا حقيقية تهدد أمتنا العربية، ويُطرح منذ سنوات فى أروقة ودهاليز السياسة الدولية مشروع لإعادة تقسيم الوطن العربى إلى دويلات تقوم على أُسس عرقية وطائفية ومذهبية، فهناك دويلات للسُّنَّة، ودويلات للمسيحيين، وأخرى للشيعة، والعلويين والأكراد، وبهذه الطريقة يتم تفتيت الدول العربية.
إن من لا يقرأ التاريخ بوعى وتمعن لن يدرك حقيقة ما يجرى فى عالمنا العربى الآن!! فلم يتوقف الأمر عند فلسطين؛ إذ تمَّ تقسيم السودان والعراق وسوريا والصومال، وفى ذلك تنفيذ للمخطط الاستعمارى الذى خططته وصاغته قوى الصهيونية والماسونية العالمية لتفتيت العالم العربى وتحويله إلى «فسيفساء متنازعة» يكون فيه الكيان الصهيونى هو السيد المطاع فى المنطقة، وليس هذا الكلام افتراءً على أحد فخطة «برنارد لويس» لتقسيم العالم العربى منشورة ومعروفة، ويجب تبصير الناس بها وتحذيرهم منها، وخاصةً الشباب الذين هم عماد الأمة وصانعو مجدها ونهضتها، والذين يتعرضون لعملية «غسيل مخ» ممنهجة عبر وسائل التواصل الاجتماعى خدمةً للمشروع الصهيونى فى المنطقة.
ومن يسبر أغوار المشهد العربى يجد أن الأحداث المتشابكة والمعقدة فى منطقتنا العربية لا تأتى فرادى!! ولا تتحرّك منفصلة وإن بدت كذلك فى الظاهر!! إن نيران المؤامرات تنهمر علينا من كل حدب وصوب، فمن إرهاب داعش وغيرها إلى محاولات التغرير بالشباب العربي، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية هنا وهناك، ومن الحروب الاقتصادية المستعرة إلى محاولات زرع الفتن وإشعال الحروب والصراعات فى كل بقعة من وطننا العربي، فمحاولات إشاعة الفوضى فى المنطقة لا تهدأ، وإشعال النيران فى الجسد العربى لا يتوقف، والمحزن أن نرى شبابنا ينساقون دون وعى إلى هذه المؤامرات التى تريد تدميرهم وتدمير أمتهم وأوطانهم، ومن حقنا أن نسأل ونتساءل: ألم تأتِ بعدُ تلك اللحظة الحاسمة التى ينبغى أن نتأمل فيها كل ما يجرى حولنا بعمقٍ وبصيرة ونعيد حساباتنا لنعرف إلى أين تبحر سفينة العرب؟!!