إنها مصر

قلبى يهفو إلى مكة

كرم جبر
كرم جبر

يهفو قلبى إلى مكة المكرمة، والطواف بالكعبة المشرفة والسعى بين الصفا والمروة.. أيام وذكريات هى الأفضل فى حياتنا، حين نرتدى ملابس الإحرام، ونترك خلف ظهورنا كل الآلام والأوجاع.
أديت فريضة الحج عدة مرات، هى أفضل الرحلات فى العمر، فما أجمل من أن تكون قريباً من المولى عز وجل، تشكو إليه ويعلو صوتك بالدعاء، وترجوه العفو والمغفرة، والستر فى الدنيا والآخرة.
آخر مرة دعوت الله أن يمنحنى الصحة والعافية لآخر يوم فى عمري، وأن أظل واقفاً على قدمى حتى يحين الأجل، فلا يشفق عليَّ حبيب أو عدو، ولا أرتوى بكوب ماء إلا وتحمله يدي، ولا أحتاج لأحد ولا يتضايق منى أحد، ولا يكون وجودى عبئاً.
أجمل شيء فى الحياة أن يستغنى الإنسان عن مغريات الحياة، فيؤمن أن اللقمة التى تهضمها معدته حتى لو كانت «عيش حاف»، أفضل مليون مرة من مباهج الطعام التى لا تستطيع معدته أن تهضمها، أو يكون محروماً منها بسبب العلل والأمراض.
أجمل شيء أن تنبع ابتسامتك من القلب، فلا تبات حزيناً مهموماً ولا تنكسر فرحتك ولا تحزن على عزيز غال، وأن يطمئنك الله على من تحب وتدعو لهم بالسعادة و»راحة البال».
راحة البال.. هى إكسير الحياة، فإذا كان وجهك أصغر من سنك، وملامحك مريحة وهادئة وغير منفرة، وصوتك صاف وهادئ، وأعصابك ساكنة ومستريحة، وابتسامتك تأتى من الأعماق، وتنظر للناس بنفس صافية.. إذا كان كل ذلك، فأنت تتمتع بـ «راحة البال».. والبال هو الحال أو الشأن، ويقول أحمد رامى فى رباعيات الخيام «لا تشغل البال بماضى الزمان.. ولا بآتى العيش قبل الأوان».
دعوت الله أمام الكعبة بـ «راحة البال»، ولن يعرف إنسان الراحة والانسجام والهدوء والسلام، إلا إذا أسلم وجهه لخالق الكون، وصعد دعاؤه من الأرض إلى السماء.
مكة هذا العام غير كل الأعوام، لا تمتلئ حواريها وشوارعها وأزقتها بضيوف الرحمن، بملابس الإحرام البيضاء، ولا ترتفع أصواتهم بالدعاء الذى يجلجل السماء، مكة هذا العام تنقل رسالة الأرض إلى السماء، أن تزول الغمة والوباء، وتعود القلوب المرهفة والمشتاقة إلى زيارة بيت الله الحرام.
قلبى يهفو إلى المدينة المنورة وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجمل المدينة وهدوءها وسحرها وفنادقها وطرقها، تشعر فيها بالسكينة والراحة سواء قبل أداء شعائر الحج أو بعد انتهائها، فتكون مدينة الرسول خير استقبال وخير داع.
حكمة المولى عز وجل أن نشعر بالحرمان من شعيرة عظيمة، تغسل الإنسان من ذنوبه وآثامه، ويخرج منها كما ولدته أمه، فأراد المولى أن يذكرنا بنعمه وفضله، فحالت كورونا دون السماح للملايين بتأديتها، وفى نفوس العاشقين والهائمين والمشتاقين لوعة، متى يرتفع نداء «لبيك اللهم لبيك»، وتعلو الأصوات فى السماء مجلجلة، ذاكرة وحامدة لفضل الله؟
خير دعاء: «اللهم اصرف عنا الوباء، بلطفك يا لطيف، إنك على كل شيء قدير».