«أبيدوس» القبلة الرئيسية إلى «الحج» في مصر القديمة.. تعرف على أصل الحكاية

أبيدوس
أبيدوس

كان للدين الأثر الأكبر في الحضارة المصرية القديمة، فهو يعد الباعث الأول لقيام هذه الحضارة ولا توجد أمة أثرت الديانة في كل جوانب حياتها مثلما أثر الدين في حياة المصريين القدماء ومن هذا المنطلق كانت دراسة الباحث على سرحان بكلية الآثار جامعة جنوب الوادى عن الحج إلى أبيدوس.

ويوضح الآثاري على سرحان، أن هناك اعتقاد بأن رأس الإله " أوزير" دفُنت في أبيدوس كما شاع الاعتقاد في وقت من الأوقات "عصر الدولة الوسطي" أن جسد "أوزير" كله يستقر في واحدةٍ من أقدم المقابر في أبيدوس وهي المقبرة التي اتضح أنها تخص الملك "جر" أحد ملوك الأسرة الأولي، وقد أدت هذه الإعتقادات إلي زيارة قداسة هذه المدينة في نفوس المصريين القدماء ومن هنا نشأت طقوس الحج إلى مدينة أبيدوس بملابس بيضاء عبارة عن إزار أبيض قصير يلبس حتى الكتف وكانت للملابس البيضاء في رحلة الحج دلالات ورموز حيث إن اللون الأبيض يدل على التطهر والورع والنقاء، حيث إن كلمة "حج" في اللغة المصرية القديمة تعني أبيض أو ناصع.

ويلقي خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، الضوء على هذه الدراسة، موضحًا أن معبد "سيتي الأول " بأبيدوس الذي شيده الملك سيتي الأول وأتمه الملك "رمسيس الثاني" يعد معرضًا لصور الآلهة والآلهات على أشكالها المختلفة وتعد المناظر المسجلة علي جدرانه من أهم المراجع التى تفيد فى دراسة الخدمة اليومية التي كانت تجرى لهذه الآلهة داخل المعبد، وكانت مدينة أبيدوس القبلة الرئيسية للحجاج في مصر القديمة وكان يجب علي كل مصري ورع في مصر القديمة القيام بالحج إلي الأماكن المقدسة وهو ما صورته لنا المناظر علي جدران المقابر وإن لم يكن في استطاعة الفرد القيام بهذا الحج كان عليه أن ينذر لأبيدوس إحدي اللوحات وهي اللوحات المعروفة باسم " اللوحات الأبدية " أو قد يكتفي بنذر تمثال أو بعض الأواني الفخارية وذلك طبقا لحالته المادية.

ويشير الدكتور ريحان، إلى أن أبيدوس المقدسة كانت مكانًا لأسلوب نذري جديد يتمثل في طبعات الأقدام على جدرانها وهناك أمثلة لذلك عثر عليها علي جدران "الأوزيريون" وظلت أبيدوس تتمتع بقداستها الدينية طوال العصور المصرية القديمة غير أنها عظمت مكانتها عندما كثرت بها عصر الإنشاءات الملكية العظيمة بنهاية عهدي رمسيس الثالث ورمسيس الرابع من ملوك الأسرة العشرين.

ومن أهم مظاهر عبادة "أوزير" في أبيدوس الاحتفال سنويًا بعيد الإله، حيث تقام مسرحية يمثل فيها موت أوزير وآلامه وبعثه وكان مخرجو المسرحية يبذلون مجهودًا عظيمًا في أدق التفاصيل سواءً ذلك فيما يخص الملابس أو الإخراج وكافة ما يلزم وكان ذلك يعد في دقه وعناية وذكر "رالف لنتون" أن هذه التمثلية العاطفية كانت تستمر لعدة أيام وكان الملك يسند الأدوار الهامة الرئيسية فيها إليه وكان السكان المحليون وآلاف الحجاج الذين كانوا يجيئون إلي الاحتفالات يشتركون في هذه المسرحية كممثلين خارجين.

وينوه الدكتور ريحان من خلال الدراسة إلى أن المصري القديم يرى أن الدفن في أبيدوس أو نقش اسم المتوفى قرب أوزير هى أهم أمنياته حتى يضمن مكانة متميزة في العالم الآخر، حيث اعتقد أن أبيدوس هي بيت "الكا" أي الجسد وبيت "البا" بمعنى الروح الخاص بأوزير، وقد حرص المصري القديم على زيارة الـ"كا- با"، وهي تقابل "الكعبة" الخاصة بأوزير أثناء حياته في رحلات يستخدم فيها المراكب كما تدلنا النقوش والنصوص المسجلة في معظم مقابر الدولة القديمة بسقارة بالجيزة، حيث يعتقد أن روح أوزير تعيش في مكان بالقرب من أبيدوس، سجل منظر الحج علي جدران مقبرة "سن نفر" وكان عمدة مدينة طيبة فى عهد الملك أمنحتب الثانى الأسرة الثامنة عشر من الدولة الحديثة وبها نقش يصور رحلة الحج التى قام بها "س نفر" إلى إبيدوس.

ويتابع بأن الحجاج الذاهبون إلي رحلة الحج إلي أبيدوس إلتزموا بميعاد ثابت ومحدد وهو يوم الثامن من الشهر الأول من فصل الفيضان حتى يوم السادس والعشرين من نفس الشهر، حيث كان يقوم أهالي المتوفى وأقاربه بوضع الميت في ختام الأربعين بعد تحنيطه في مركب ليعبر النيل، أما الأقارب والأهل والأصحاب كانوا يصحبونه في مركب آخر، وعندما يصلون إلى البر الغربي يرتلون "السلام عليك أيها الإله العظيم، يا سيد تاور العظيم في أبيدوس، لقد أتيت إليك فأنت صاحب العطف، استمع لندائي ولب ما أقوله، فإني أنا واحد من عابديك"، ثم يقوم الكاهن بتقديم القرابين وحرق البخور أمام جثمان الميت، ثم يقوم بطقوس فتح الفم وصب المياه أمامه وسط نحيب وولولة الزوجة والأهالي.

No photo description available.