يوميات الأخبار

«كوخ العم توم» !

عصام السباعى
عصام السباعى

وأعتقد أن هناك مشاكل كثيرة لن تنتهى، وفى مقدمتها العنصرية، مادام أن هناك من يفهم الكتاب المقدس بالخطأ،وهؤلاء يحتاجون أيضا للتجديد فى خطابهم وتراثهم الدينى.

السبت:
هل تستطيع قصة روائية تفسير العديد من الأحداث التاريخية التى تمر علينا عبر القرون؟، بالنسبة لى أعيش تلك الحالة مع رواية «كوخ العم توم»، التى كتبتها هيريت ستو ،وكانت أحد أسباب الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861مـ، بطلها العبد الزنجى العم توم، أتذكرها مع كل جريمة ترتكبها أمريكا فى أى بلد فى العالم، ولكنها كانت حاضرة وبقوة فى مشهدين حديثين ومترابطين، الأول مقتل المواطن الأمريكى أسود البشرة جورج فلويد خنقا،بعد أن وضع رجل شرطة ركبته على عنقه حوالى 8 دقائق و46 ثانية ،والثانية عندما قام ترامب بزيارة كنيسة مجاورة للبيت الأبيض،أثناء الاحتجاجات على مقتل فلويد، وظهر فى الصور وهو يحمل الكتاب المقدس، وكأنها رسالة يخاطب بها المسيحيين المحافظين، وأعتقد أن هناك مشاكل كثيرة ، وفى مقدمتها العنصرية لن تنتهي، مادام هناك من يفهم الكتاب المقدس بالخطأ،وهؤلاء يحتاجون أيضا للتجديد فى خطابهم وتراثهم الدينى، لأنهم يفسرون على هواهم ما جاء فى التوراة، عن لعنة النبى نوح لابنه حام،ممثلا فى كنعان أصل سود البشرة بأن يظل عبد العبيد لأخوته، وذلك لأن «نوح» كما جاء فى سفر التكوين، قد شرب الخمر وسكر فرأى حام عورة نوح، وفى تفسير آخر أن ابنه كنعان هو من فعل ذلك، وتماما وكما حدث فى رواية «كوخ العم توم» تسأل أوفيليا ابنة العم مارى: ألا تعتقدين أن الله خلقهم من الطينة التى خلقنا منها؟ تجيبها: «لا لا.. لست أنا التى تعتقد ذلك.. إنهم عرق سافل منحط» ، أما تلك العبدة السوداء العجوز «برو»،فتلخص حالها بقولها : لا أريد الذهاب إلى الجنة، أليست هى المكان الذى سيذهب إليه أصحاب البشرة البيضاء، إننى أفضل أن أذهب إلى الجحيم على أن أجتمع بسيدى وسيدتى فى الجنة»، وبالفعل ماتت «برو» بعد حبسها فى سرداب حقير، وربما كان ذلك ما جعل «سانت كلارا» الرجل الأبيض الطيب، يقولها صراحة لابنة عمه أوفيليا بأنه يلعن بلاده ويلعن الجنس البشرى برمته، قصة العم توم هى قصة الزنوج، هى حكاية الفلسطينى والسورى والعراقى والجزائرى وغيرهم كثير، يتعاملون معهم ومعنا، بتفسير خاطيء للكتاب المقدس بأنهم يستحقون اللعنة والعبودية!
تجديد الخطاب الدينى فى أمريكا!
الاثنين:
لفت نظرى عنوان مقال الأستاذة الكبيرة عبلة الروينى فى عمودها اليومى «نهار» بجريدتنا الأخبار، وكان العنوان»يد الله»، تذكرت ساعتها عنوان كتاب يحمل نفس الكلمتين «يد الله»، للكاتبة الأمريكية جريس هالسل، والتى عاشت سنوات من عمرها داخل مطبخ البيت الأبيض، وتناولت فيه مشروع الأصوليين المسيحيين،والذى يؤمن به ملايين الأمريكيين وغيرهم فى بعض الدول الأوروبية، الذين ينقادون كالقطيع للدعاة الأصوليين، مثل هولى ليندسى وتيم لاهاي، ولهم هدف واحد وهو الأخذ بيد الله ليرفعهم إلى السماء، محررين من كل المثالب، حيث سيراقبون المعركة العالمية الكبرى «هرمجديون» بين الأخيار والأشرار قبل أن يحدث الدمار الشامل، ويؤمن بذلك أتباع الكنائس الانجيلية المعمدانية، بل إن إحدى الحركات الكبرى تحمل عنوان «الحملة الصليبية من أجل المسيح»، ويفسرون ما يشاءون بشأن روسيا والصين، وغير ذلك من دول المنطقة مثل العراق وسوريا، وتنقل لنا مؤلفة الكتاب ما سمعته من أحد هؤلاء المؤمنين: «على اليهود أن يفعلوا ما يفعلونه حتى يعود المسيح.. لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح ويجلس على عرش داود»، وتشير إلى أنهم يرون أن اقامة دولة اسرائيل 1948 كان تحقيقا لنبوءة توراتية، وأن اقامة الهيكل الثالث وايمان اليهود ضرورة للمجيء الثانى للمسيح.
وتشرح الكاتبة بالتفصيل، كيف أن الملهم الأول فى ذلك المشروع هو «إنجيل سكوفيلد» واسع الانتشار، والذى يتضمن إلى جانب النصوص التفسيرات التى وضعها «سكوفيلد»، ويؤكد فيه أن هناك خطوات معينة يجب على المسيحيين اتخاذها للإسراع بعودة المسيح، ويسميه البعض «الانجيل المرجع»، يبقى أن تعرف أن «سكوفيلد» كان مدمن كحول، قاتل فى الحرب الأهلية، تخلى عن زوجته وطفله، متهم باختلاس هبات سياسية وسجن فى سانت لويس عام 1879 مـ، وفى السجن تأثر بجيمس بروكس التلميذ المخلص فى مدرسة المسيحيين القدريين، ثم أصبح عام 1882 أسقف أبرشية دالاس الأولى.
أعود بذاكرتى إلى رواية «كوخ العم توم»، أستعيد مشهد السيد المحترم سانت كلارا، وهو يشرح لعبده توم أن والدته علمته وهو غلام أن يصلى قائلا «مملكتك آتية»، ولكن الخلاف كبير حول تلك المملكة السماوية التى تمد يدها للمؤمنين، فهناك من يراها يدا دموية ساحقة ماحقة، تأتى فى الأيام الأخيرة وبعد حرب ضروس ودماء وضيقة عظمى تتحقق فيها نبوءات الكتاب المقدس التى تطول منطقتنا بما فيها مصر والنيل، حتى يأتى المسيح ثم يتم الـ«هربازو» أو عملية اختطاف المؤمنين، ومن أجل ذلك كانت اسرائيل، وكان ما تفعله امريكا وغيرها، والمساحة تضيق بتفصيل ذلك، ولكن يمكنكم التوسع بقراءة كتاب يد الله، وكتاب الشعب المختار اسطورة الفكر الأنجلو أمريكى كليفورد لونجلى ترجمة قاسم عبده قاسم،وكتاب المطرودون محنة فلسطين لديفيد جيلمور، والذى يوضح لنا أنه عندما صدر وعد بلفور 1917 كان الفلسطينيون يشكلون 90% من السكان، ورغم ذلك تم الترويج لمقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، أما الفلسطينيون، فيشير الكتاب إلى وصف أحدهم للفلسطينيين بأنهم همج كالحيوانات ولا وجود لهم، وأقتبس هنا تلك الفقرة من الفصل الأخير من رواية «كوخ العم توم» قال توم: ولكن المسيح يحرم ذلك، فأجابته المرأة «كاسي» فى مرارة: المسيح لايزور هذه الديار، وابتسمت ابتسامتها الصفراء .
وهل بعد الكذب على الرسول ذنب ؟!
الأربعاء :
عاتبنى البعض على ما كتبته عن الأفّاق أحمد صبحى منصور زعيم قطيع القرآنيين المقيم فى أمريكا، وكل من والاه بلا تفكير، اتهمنى البعض بأننى سلفى من الضالين المغضوب عليهم، وبعيدا عن تنمرهم، فيشرفنى أننى كتبت ما كتبته لكشف ذلك الرجل، والسبب بسيط،وهو أنه كاذب وجاهل ومغرض ومدلس، فقد سقط من نظرى واعتبارى، عندما كتب مقالا منذ 16 عاما بعنوان «الإسناد فى الحديث»، وأراد أن يدلل فيه على خطورة اسناد الأحاديث المنقولة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنها فى حقيقتها ليست سوى تغييب للعقل بحسب سوء قصده، ولم يجد حرجا فى أن يكذب على الرسول، المهم أنه لكى يؤكد كذبته، استشهد بقصة تراثية، ملخصها أنه فى عصر الخليفة المأمون كان الشاعر العتابى يسير فى شوارع بغداد، فدخل السوق وهو يأكل الطعام، واحتج عليه صديقه قائلا: «أتأكل الطعام فى السوق ويراك الناس؟» فقال له العتابى ساخرا: «وهل اولئك ناس؟ انهم بقر»، ولكى يثبت ذلك صعد العتابى إلى ربوة ونادى فى الناس «ياقوم هلموا أحدثكم عن رسول الله، فاجتمع الناس من حوله، ووضع منصور التحابيش من عنده على القصة، وأنه ظل يخرج من حديث إلى آخر،الى أن قال لهم... وروى أكثر من واحد أنه صلى الله عليه وسلم قال: اذا بلغ لسان احدكم أرنبة انفه دخل الجنة، وسكت... فاذا بكل واحد من المستمعين يخرج لسانه يحاول ان يصل به إلى أنفه، فالتفت العتابى إلى صديقه ساخرا وقال: ألم اقل لك انهم بقر؟ والغريب أن تلك الحكاية ومنذ ذلك التوقيت فرشت صفحات آلاف المواقع نقلا عن ذلك الكاذب، ويستطيع أى واحد أن يكشف كذبه من خلال الكلمة المفتاحية لـ«الشاعر العتابى»، وسيجد القصة أولا فى كتاب «القُصاص والمذكرين» لأبى الفرج بن الجوزى طبعة بيروت ص 319 وص320، ومن خلاله سيعرف المصدر الأصلى للقصة، وهو كتاب الأغانى للأصفهانى كما فى طبعة دار الكتب المصرية الجزء 13 ص 114، ومن يقرأها لن يجد فيها أى ذكر لأحاديث عن الرسول، ولا كلمة الرسول أبدا، ولا «التحابيش» التى وضعها،و لكن ولأنه رجل «واطي»، من حيث الأمانة العلمية والدينية، كذب على الرسول وشوه تلك القصة، لخداع البسطاء وتكذيب ما وصلنا عن أحاديث الرسول.. فى النهاية احترسوا من ذلك الكاذب وراجعوا كل كلمة يقولها مثله مثل ذلك الطبيب، أو ذلك الباحث المخنث، أو مقدمى برامج قناة الحرة،فكلهم تحت التوجيه والرعاية الأمريكية المباشرة، والنتيجة نراها فى تشويه و«تفسيخ العقول» !
 كلب يفتح باب الجنة والمغفرة !
الجمعة:
البشر طباع، ومنهم «كلاب البشر»، وإذا كان هناك بالفعل،مصل لعضة الكلب، فلا يوجد أى مصل لأى عضة قد تنالها من أمثال هؤلاء البشر، ولحسن حظى أننى عرفت منذ صغرى محبة الكلاب، وأجدنى تلقائيا أتجنب كلاب البشر، وأقترب من ذلك المخلوق الجميل حتى لو كان من كلاب الشوارع، وأى واحد فينا يستطيع أن يكون جميلا نحوهم، ولو بطبق فيه بقايا طعام أو أى شيء فيه ماء يشربون منه فى ذلك الحر الفظيع، أو حتى فى معاملتهم، كما فى الحديث الشريف عن قصة ذلك الرجل الذى سقى كلبا يأكل الثرى من العطش، فشكر الله له فغفر له، وعندما سألوه: يا رسول الله، إن لنا فى البهائم أجرا؟ فقال: «فى كل كبد رطبة أجر»، ولن أنسى فى حياتى قصة مع تلك الجميلة «بابلز»، كانت أسرتها فى طريقها للسفر خارج مصر، وأصابها النزيف الصديدى، ورغم أن الوقت قد تعدى منتصف الليل، إلا أن الطبيب الانسان فى ذلك المستشفى العظيم، عاد وأجرى لها الجراحة فورا، وتطوع طبيب آخر وهو د. محمد خالد فى مدينة العبور بمساعدة صديقة العائلة هدى استيفانوس، برعايتها خلال فترة النقاهة، وحكاية الاثنين مع الحيوانات حكاية جميلة، أو بتعبير هدى «محمد ماشى يعالج فى كلاب وقطط الشارع»، وربما كان محمد يقول نفس الشيء عنها، مثلهما مثل جارتهما فى نفس المدينة السيدة سارة صبحى، ومشهورة بأنها تطعم قطط شارعها طقتين يوميا، والحكايات لا تنتهى، وأطرفها قصة القطة التى تركتها صاحبتها وسافرت، ومن كثرة «النونوة الحزاينى»، وبعد بحث عن مصدر الصوت فى كل العمارات وتحديد مكانها، تم عقد «كونسلتو» من أصحاب القلوب الرحيمة، وتفتق ذهن أحدهم إلى الاتصال بالمطافىء، وصدق أو لا تصدق، فقد جاءت المطافىء، وتم انقاذ القطة، وآخر الحوادث المؤلمة قصة كلبة «جريفون»، انتقلت صاحبتها إلى مسكن جديد وتركتها، فوقعت فى يد مجموعة صبية سحلوها على سبيل اللعب والمرح، ثم علقوها فى شجرة، حتى رأتها هدى وخلصتها منهم وعالجها محمد، وهى الآن فى أحد الملاجئ فى انتظار أن يتبناها أحد، باب الجنة مفتوح فى سقى قطة.. باب المغفرة مفتوح فى إطعام كلب أو عصفور.. فتدبروا أيها البشر!
كلام توك توك:
شجرة العشم طرحت معلش!
إليها:
لن يخذلك الله أبدا.