المُتاجرة بخوف المواطنين| أثرياء الأزمات وبيزنس الكمامات والمطهرات

بيزنس الكمامات
بيزنس الكمامات

تحول ارتداء الكمامة إلى شرط أساسي للحصول على الكثير من الخدمات الجماهيرية الهامة بعد فرضها في معظم المصالح الحكومية والخاصة والبنوك والمواصلات العامة. إلخ، ما دفع الكثير من تجار الأزمات وضعاف النفوس إلى استغلال الأزمة للمتاجرة بأرواح وجيوب المصريين.

طالت خسائر فيروس كورونا المستجد، الجميع ولم تترك صغيرًا أو كبيرًا، غنيًا أو فقيرًا، إلا أن البعض من المنتفعين والمتاجرين بأرواح وقوت الغلابة يستغلون مثل هذه الأزمات أسوأ استغلال لرفع أسعار بعض السلع التي يزيد عليها الطلب، أو إخفاء بعض السلع الآخرى تمهيدًا لزيادة ثمنها في توقيت معين وفقًا لرؤيتهم التجارية التي تحقق مصالحهم ومنافعهم الشخصية.

دخلت مصر مُجبرة في العديد من المشكلات العنيفة خلال الفترة الأخيرة بسبب الوباء العالمي المُسمى «فيروس كورونا» الذي قضى على الأخضر واليابس وتسبب في مزيد من الإجراءات الاحترازية القوية بدأت بتخفيف العمالة وإغلاق الأسواق وتوقف حركة الطيران والسياحة وكثير من الأنشطة التجارية والاقتصادية وانتهت بفرض الحظر على جميع أنحاء البلاد، وتأثر ملايين المواطنين بهذه القرارات بشكل أو بآخر كما تأثرت الدولة المصرية.

عصفت الأزمات الاقتصادية بعشرات الدول وتعرضت الأسواق لهزّاتٍ متلاحقة، والسؤال الذي يتبادر للذهن هل الأزمات تصنع الثروات؟ سؤال ربما يظن البعض أن الإجابة عنه غريبة بعض الشيء أو تبدو صعبه، لكن واقع الأمر عالميًا ومحليًا وتحديدًا في مصر يؤكد بالفعل أن الأزمات تصنع الثروات لكن السؤال الأهم هل هذه الثروات مشروعة أم يشوبها اللغط؟

لعل ما يحدث حالياً في الأسواق المصرية من ارتفاع أسعار الكمامات والمطهرات لأسعار فلكية يمثل إجابة واضحة على السؤال السابق، عقب أحداث 25 يناير 2011، عرفت مصر مصطلح جديد وهو «بيزنس الأزمات» ويقصد به استغلال أي مشكلة أو أزمة سواء كانت حقيقية أو مفتعلة لتحقيق ثروات طائلة على حساب المواطن الغلبان دون حياء أو خجل وبلا أي ضمير، لتحقيق مصالح شخصية بشكل غير قانوني أو بشكل فيه نوع من التحايل بصورة أو بآخرى، وبعد أن تنتهي الأزمة نكتشف أن الأحوال المادية لكثير من التجار تغيرت تمامًا وتحولوا إلى أثرياء بفعل استغلال الأزمات.

يطلق على هذه الفئة أيضًا لقب «أثرياء الظروف الصعبة أو أثرياء الأزمات» وهذا الأمر يحدث الآن حرفيًا في ظل انتشار وباء كورونا، فسرعان ما وجد مستغلي الأزمات الأرض الخصبة التي تمكنهم من تحقيق أحلامهم المادية، وهو ما حدث قبل بضعة سنوات بالتزامن مع حزمة الإصلاحات الاقتصادية والتي كان على رأسها قرار تعويم الجنيه عام ٢٠١٦، وقتها تضاعف سعر الدولار واستغل المنتفعين هذه القرارات و ضاعفوا أسعار السلع التي يتاجرون فيها فورًا، رغم أن هذه السلع كانت مكدسة ومخزنة في المخازن منذ عدة أشهر وربما سنوات، والآن يحدث نفس الأمر بعد توقف حركة التجارة عالميًا، قام تجار الأزمة برفع أسعار السلع والأجهزة الإلكترونية خصوصًا المستوردة من الصين بحجة عدم وجود سلع جديدة مستوردة بسبب توقف حركة الاستيراد، ومنهم قام بإخفاء السلع عامدًا متعمدًا حتى يحدث جفاف للسوق أو بمعنى أدق تحدث عملية تعطيش للسوق وبالتالي مع ندرة المعروض ترتفع الأسعار.

إخفاء آلاف الكمامات

تمكنت وزارة الداخلية، على سبيل المثال لا الحصر، من ضبط مالك شركة للمستلزمات الطبية بدون ترخيص بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة لقيامة بحجم كمية تقدر بـ 11600 قطعة مستلزمات طبية «كمامات وجوانتيات وكحول طبي» بغرض بيعها بسعر مختلف عن المتداول بالأسواق، كما أسفرت أيضًا الجهود عن ضبط المدير المسئول عن مصنع لإنتاج السلع الغذائية بالقناطر الخيرية بالقليوبية، لحيازته 7 أطنان من السلع الغذائية المخبأة، أيضًا نجحت الأجهزة الأمنية في ضبط شخصين أحدهما صاحب شركة عطور بالتجمع الخامس بالقاهرة وبحوزتهم جراكن كحول وقطن، وتبين قيامهما بإخفاء كميات ضخمة لبيعها بأسعار أكبر من سعرها الحقيقي، وهذه الضبطيات تؤكد أن المتهمين المقبوض عليهم أحد أضلاع مثلث تجار الأزمات، عشرات القضايا التي نجحت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية في كشف كافة تفاصيلها، ما يؤكد أن هذا النوع من التجارة يشتعل بشدة وقت الأزمات استغلالًا للظروف المختلفة.

بيزنس الكمامات والمنظفات

تسابق جميع المواطنين تزامنًا مع الإعلان عن تفشي فيروس كورونا على شراء الكمامات والجوانتيات، البعض يردد أن الأسعار يحكمها العرض والطلب وأن السبب هو رفع السعر من قبل الموردين، ما دفع الأجهزة الرقابية والتنفيذية وتحديدًا وزارة الداخلية إلى اتخاذ قرارات رادعة ضد كل من يضبط ببيع سلع بخلاف ثمنها الأصلي للحد من هذه الممارسات السلبية وتأثيراتها الضارة على الاقتصاد.

من جانبها أعلنت شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية بالقاهرة، على لسان الدكتور علي عوف رئيس الشعبة، أن هناك إقبالًا كبيرًا على شراء المنظفات نتيجة الخوف والهلع من انتشار فيروس كورونا حول العالم، لافتًا أن الكمامات ارتفعت بنسبة 100% خلال الفترة الحالية بالأسواق، والمطهرات ارتفعت بنسبة 250%، مشيرًا إلى أن هناك بعض التجار المجهولين الذين تدخلوا على المهنة ورفعوا الأسعار على المواطنين لاستغلال أزمة كورونا، وعمل بيزنس خاص بهم، محذرًا من الكمامات والمطهرات مجهولة المصدر التي تباع في المترو والشوارع، مطالبًا جميع الجهات المعنية، من جهاز حماية المستهلك وقطاع التموين بوزارة الداخلية ومفتشي الصحة، بتشديد الرقابة على الأسواق للقضاء على الدخلاء المهنة ومستغلي الأزمات، لافتًا إلى أنه تم زيادة الأسعار بشكل غير طبيعي مثل المعقمات المستوردة التي ارتفع سعرها من 150 إلى 500 جنيه، وعلبة الكمامات وصلت من 20 لـ 100 جنيه، بينما وصلت الكمامة N95 من 10 جنيهات لـ 100 جنيه، وهى أسعار غير مقبول بها وتدل على الجشع.

وأضاف عوف، أن أزمة «فيروس كورونا» كشفت عن الوجه القبيح لمستغلي الأزمات، حيث غابت ضمائر البعض، ساعين خلف جني الأرباح، ولو على حساب أرواح الضحايا، لذلك ظهرت مستلزمات طبية مغشوشة، وتخصصت مصانع «بير السلم»، لبيع مستلزمات طبية مغشوشة بعد أن تطبع على عبواتها معلومات خاصة منسوبة لشركات كبرى ثم تطرحها في الأسواق لتحقيق أرباح غير مشروعة، وأصبح الترويج لهذه البضائع المغشوشة أسرع وأسهل وأخطر في الوقت نفسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الحبس والغرامة عقوبة المخالفين

كان مدحت الشريف وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، طالب مجلس الوزراء باستغلال التشريعات التي تم وضعها وإصدار قرار بتحديد ماهية السلع الإستراتيجية التي شملتها المادة 8 من قانون حماية المستهلك الجديد والتي نصت على أنه يحظر حبس المنتجات الإستراتيجية المعدة للبيع عن التداول بإخفائها أو عدم طرحها للبيع أو الامتناع عن بيعها بأي صورة آخرى، وبناء عليه يصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد هذه المنتجات الإستراتيجية لفترة زمنية محددة وضوابط تداولها والجهة المختصة بذلك ويلتزم حائزي هذه المنتجات الإستراتيجية بغير الاستعمال الشخصي بإخطار الجهة المختصة بالسلع المخزنة لديهم وكمياتها، موضحًا أنه إذا تمت المخالفة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز مليوني جنيه أو ما يعادل قيمة البضاعة محل الجريمة أيهما أكبر وفى حالة العودة وتكرار نفس الفعل يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز5 سنوات وتضاعف قيمة الغرامة بحديها وفى جميع الأحوال تقضي المحكمة بالمصادرة وينشر الحكم في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة المحكوم عليه حتى يكون عنصر ردع.

الكمامة على بطاقات التموين

كانت الحكومة المصرية حددت من قبل سعر موحد للكمامة في الصيدليات يتراوح ما بين 2 إلى 4 جنيهات، لكن مع غياب الرقابة على الأسواق في ظل أزمة كورونا دفع البعض من معدومي الضمير لبيعها بأكثر من ثمنها الأصلي، لذا كان لابد من التفكير في حلول بديلة ومختلفة تتوافق مع طبيعة المرحلة التي أصبحت فيها الكمامة جزء لا يتجزأ من روتين الحياة اليومية.

يذكر أن الدكتور علي المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية، كشف عن قيام الوزارة بتوفير الكمامات على بطاقات التموين، مشيرًا إلى أن الكمامات تم توفيرها مع التموين بسعر 8.5 جنيه، لافتًا إلى أنه سيتم توفير نوع آخر بسعر ١٠ جنيهات، وهو الذي لا يقل سعره في الصيدليات عن ١٧ أو ٢٠ جنيها، ويمكن غسله من ٣٠ إلى ٥٠ مرة، مؤكدًا حرصه على توفير الكمامات في كافة ربوع الجمهورية، لافتًا إلى احتياجنا لتوفير 40 مليون كمامة، لذلك بدأ تشغيل كل المصانع التي تستطيع إنتاج هذا المنتج، لافتًا أن السوق المحلي بدأ يغير أولوياته وأن الوزارة لديها هدفين هما توفير الكمامة بالمواصفات التي وضعتها وزارة الصحة، وتشغيل المصانع وزيادة معدل الإنتاج.

وأوضح المصيلحي خلال تصريحاته، أنه تم الاتفاق على توريد 12 مليون كمامة كمرحلة أولى خلال شهر يوليو 2020 وتوريد 28 مليون كمامة الباقية على دفعات خلال شهري يوليو وأغسطس ، وسيتم توزيعها على جميع المحافظات طبقا لعدد البطاقات التموينية في كل محافظة على أن تصرف الكمامة بحد أقصى عدد 2 كمامة لكل بطاقة تموينية، لافتًا إلى أن توفير الكمامات للمواطنين وتوزيعها على المواطنين من خلال البطاقات التموينية ضمن السلع المتاحة للمواطنين على نظام صرف السلع الغذائية، كما أنه سيتم التنسيق مع الهيئة المصرية للشراء الموحد لتدبير 40 مليون كمامة قماشية واقية مستدامة وتغليف كل كمامة على حده.