أمنية

أردوغان.. وغياب الإنسانية

محمد سعد
محمد سعد

غُيبت الإنسانية إلى الأبد أو ربما شيعت إلى مثواها الأخير، بمجرد أن أصدرت المحكمة الإدارية العليا فى تركيا قرارها يوم 10 يوليو الماضى، بأن متحف آيا صوفيا هو فى الأصل مسجد، قام الرئيس التركى مباشرة باصدار مرسوم بتحويل المتحف إلى مسجد، وبدأت إقامة الشعائر الدينية الإسلامية مباشرة.
والغريب فى ذلك، أن تركيا لم تهدأ بعد من أزمة تدخلها الفج فى ليبيا، وإذ بالرئيس التركى يخترع بؤرة جديدة للصدام مع العالم اجمع، لكن هذه المرة حول مجمع آيا صوفيا الدينى فى اسطنبول، الذى كان بمثابة متحف، يضم بعض اللوحات وآيات القرآن ولوحات للديانة المسيحية وكان مزاراً للسياح من كافة الأديان فى مدينة اسطنبول إلى مسجد تقام فيه الشعائر الإسلامية.
وعلى الرغم من أن مجمع آيا صوفيا تم إنشاؤه بأمر من الإمبراطور يوستنيان فى فترة حكم البيزنطيين فى القرن السادس الميلادى، لكن بعد فتح الأتراك للقسطنطينية على يد محمد الفاتح تم تحويل هذا المجمع إلى مسجد، وظل هكذا حتى عام 1934، عندما قام مصطفى كمال أتاتورك بتحويل مجمع آيا صوفيا إلى متحف للجمهورية التركية فلم يتوقف أردوغان عن فعلته.
المؤكد أن تركيا سوف تخسر كثيراً نتيجة هذا القرار، فناهيك عن أن متحف آيا صوفيا كان قبلة للسائحين من كل دول العالم، حيث كانوا يشاهدون الآيات القرآنية إلى جانب الإيقونات المسيحية على الحوائط فى تناغم فريد، وبالتالى كان يدر دخلاً مادياً على تركيا يقدر بعشرات الملايين من الدولارات كل عام، فإن الكثير من السياح من دول مختلفة ربما يمتنعون عن الذهاب إلى تركيا للسياحة باعتبار أن التسامح الدينى الذى كان يرمز له متحف آيا صوفيا لم يعد موجوداً واقتصر على ديانة واحدة ولم يعد من حق الديانات الأخرى الولوج إلى داخله. والسؤال هنا ما الذى جعل إردوغان يفكر فى فعلته التى ستفتح عليه أبواب جهنم من دول كثيرة حول العالم، والآن على وجه التحديد ؟، أولاً أنه شعر أنه تورط فى بحر الرمال الليبى وهو لم ينته بعد من تورطه فى حرب شمال سوريا حيث يخوض الأكراد حرب عصابات ضده، أما السبب الآخر فهو أنه أراد إلهاء شعبه عن أزمة اقتصادية شعر بأنها لن تنتهى قريباً، فى نفس الوقت يرأس إردوغان حزبًا سياسيًا يعتمد بالدرجة الأولى على جماعات إسلامية متشددة، وربما لإغراء هذه المجموعات بدعمه فى مغامرة ليبيا أو سوريا اتخذ القرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
تصرف إردوغان يهدف بالدرجة الأولى إلى كسب تأييد الناخبين بعد أن تدنت شعبيته وكذلك صرف الأنظار عن الأزمات الاقتصادية فى تركيا نظراً لأن شعبية حزبه تدنت كثيراً، وحتى دخول مغامرة ليبيا كان الهدف منها كسب شعبية على اعتبار أنه يقاتل خارج البلاد ويجب الوقوف خلفه.
- مسك الختام
اردوغان كاذب مضلل اعتاد ممارسة الخداع وها هو يحاول مرة اخرى تضليل جماهير حزبه وشعبه والعالم أجمع، وخرج بتصريح أن المجمع الدينى سيكون مفتوحاً أمام الجميع كما كان، للأتراك والأجانب، للمسلمين وغير المسلمين، بجانب إقامة الشعائر الإسلامية،لكن متى صدق إردوغان فى الوفاء بوعوده حتى يصدقه العالم الآن؟!.