إنها مصر

الشجب والإدانة !

كرم جبر
كرم جبر

كانت المصالحة بين مصر والسعودية هى مفتاح بناء موقف عربى قوى، فى أعقاب نكسة 5 يونيو 1967، ولعب السودان الدور الأساسى لإذابة الخلافات بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل رحمهما الله.
وكانت المفاجأة هى خروج الشعب السودانى لاستقبال عبدالناصر بشكل أسطورى، وافترش الملايين طريق المطار منذ الفجر، وارتسمت الابتسامة على وجه عبدالناصر لأول مرة منذ انتهاء الحرب، وخرجت من الخرطوم الرسالة الأولى: عبدالناصر لايزال زعيماً للعرب.
وكان رئيس الوزراء السودانى محمد أحمد المحجوب هو رسول السلام بين البلدين، وأقام مأدبة عشاء فى منزله للزعيمين، بعيداً عن الكاميرات والدبلوماسية، وحلف بالطلاق أن يتصافحا، وكان ذلك بداية علاج المشاكل.
دارت أغلب المناقشات فى القمة العربية بالخرطوم التى أعقبت النكسة، حول الدعم العربى لدول المواجهة، لتحقيق الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، وكان عبدالناصر يؤكد أن مصر تستطيع تحرير سيناء، ولكنه كان قلقاً على الوضع فى الضفة الغربية والقدس، ويرى ضرورة العمل الدبلوماسى لتحريرهما بأقصى سرعة، واستغلال العلاقات الطيبة بين العاهل الأردنى الملك حسين والولايات المتحدة.
وعاد عبدالناصر من السودان مزوداً بشحنات حماسية رائعة، استمدها من روح الشعب السودانى وحبه لمصر، ووقوفه بجانبها فى لحظات الشدة، وكانت حرب 67 هى الأزمة الكبرى فى تاريخ العرب، نموذجاً لدور فعال حفاظاً على تماسك العروبة ووحدتها، ومنع انفراط عقدها.
بين الدول العربية رصيد ثقافى وعلاقات شعبية كبيرة، تقف كحائط صد ضد أى خلاف أو وقيعة، لأن ما يجمع الشعوب هو رباط مقدس، تمتد جذوره منذ أن خلق الله الأرض، وتؤكد مصر دائماً أن أمن واستقرار المنطقة العربية، كان وسيظل دائماً من أمن واستقرار ومصالح مصر، وسياسة مصر دائماً تتسم بالحرص الكامل على العلاقات مع الأشقاء العرب وعدم التدخل فى شئونها.
حتى جاء الجحيم العربى وانطلق ذئاب الإرهاب يعيثون فساداً فى المنطقة، ويطلقون نيران الحروب الأهلية، فأصبح العربى يقتل العربى بدم بارد، وتمزق الجسد العربى بسيوف الفتن والصراعات.
اعتاد الزعماء العرب أن يعقدوا القمم العربية مهما كانت الخلافات، فيجلسوا ويتشاوروا حتى لو اختلفوا، لكن كان هناك كيان اسمه القمة وزعماء يحرصون على اللقاء حتى لو لم تصدر بيانات قوية.
فلسطين كانت تجمع العرب، ولكن الآن ضاعت القضية الفلسطينية فى دوامات الإرهاب، وذبحت الجماعات الإرهابية قضية العرب الكبرى، ولم يطلقوا رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، وإنما اخترقت أجساد أبناء دينهم ووطنهم.
فى أصعب الأيام وأحلك الظروف كانت تصدر عن القمم العربية بيانات نطلق عليها «الشجب والإدانة»، وحتى هذا الحد الأدنى صرنا نفتقده اليوم.