إنها مصر

فاروق وعبد الناصر والإخوان !

كرم جبر
كرم جبر

رحل فاروق عن العرش حتى لا تراق قطرة دماء، والإخوان أرادوا العرش ولو فوق بحور من الدماء.. فاروق تأكد من أن حكم مصر ليس سهلاً.. والإخوان تصوروا أنها لقمة طرية يمكن التهامها، فوقفت فى زورهم وأصابتهم بالاختناق، لأنهم لم يفهموا أن قوة مصر فى سلميتها الحقيقية، وليس فى الادعاء بسلميتهم المسلحة بالخرطوش والمولوتوف.
فاروق الذى تمتد شرعية ملكه لجده محمد علي، أدرك أن شرعية مصر تجب كل الشرعيات، والإخوان تخيلوا أن شرعيتهم فوق شرعية مصر، رغم أن حكمهم لم يمتد أكثر من عام.
فاروق أدرك أن الجيش هو رمانة الميزان والمدافع عن الشعب وأمن البلاد واستقرارها، والإخوان أرادوا الانقضاض على الجيش منذ اللحظة الأولى، واستعظموا قوتهم واستعرضوا عضلاتهم، وتجبروا وتسلطوا، ونصبوا أنفسهم فوق الشعب والدولة والقانون، ولم يفهموا كعادتهم الشعار المحفور فى ذاكرة الوطن «جيش مصر لن ينحاز إلا لشعب مصر».
صحيح أن ثورة 23 يوليو تجنت على فاروق وظلمت محمد نجيب، ولكنها ظلت بيضاء، ولم ترق قطرة دماء، وتسلحت بالروح المصرية التى ترفض العنف والاغتيالات، ولم ترفع سلاحاً إلا فى وجه من تآمروا على الشعب وهددوا حياته، وأمنه وممتلكاته.. وهذا هو سر العداء بين الثورة والإخوان.
فى اللقاء الأخير بين نجيب وفاروق، كان يصحبه عضو مجلس قيادة الثورة جمال سالم، المعروف بعدائه للملك، ولاحظ فاروق أنه يحمل عصاه فأمره بإلقائها، وحين أظهر جمال سالم شيئاً من الرفض، كرر أمره فانصاع، احتراما للتقاليد العسكرية.
قبل الرحيل طلب الملك فاروق أن تحفظ كرامته فى وثيقة التنازل عن العرش، وكتب فيها «‬نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان، كما كنا نتطلب الخير دائماً لأمتنا ونبتغى سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة فى تجنيب البلاد المصاعب التى تواجهها فى هذه الظروف، ونزولاً على إرادة الشعب، قررنا النزول عن العرش لولى عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا بهذا إلى صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه».
محمد نجيب القائد الذى ذهب للمك فاروق فى فجر يوم الرحيل، بعد أن حاصر الجيش القصور الملكية وقصر رأس التين وطلب الجيش من رئيس الوزراء فى ذلك الوقت على ماهر باشا، أن يحمل الإنذار للملك فاروق بالرحيل، وأذعن الملك، وطلب الخروج من مصر بحراً على يخته المحروسة، واصطحاب زوجته وولى عهده وبناته.
كان بوسع ملك مصر أن يعاند ويكابر ويتمسك بالعرش، ويردد أنه «‬الملك الشرعي» وكان فى مقدوره أن يأمر قوات الحرس الملكى والقوات البحرية بالتصدى للثوار، لكنه لم يفعل ذلك حفاظاً على جيش مصر، وحتى لا تراق نقطة دماء واحدة، ورسخت العسكرية المصرية ثوابتها العريقة، بأن جيش مصر لن يعمل إلا لخدمة شعب مصر.
ورحل اليخت «المحروسة» من الإسكندرية، مع غروب شمس ٢٦ يوليو ١٩٥٢، حاملاً على متنه فاروق الأول و»‬الأخير» ملك مصر، وبعض أفراد عائلته، وحقائب تضم مقتنياته الشخصية، وقال أعضاء مجلس قيادة الثورة، إنها كنوز مصر التى سرقها، وأطلقت المدفعية ٢١ طلقة، تكريماً للملك أو ابتهاجاً بالرحيل، بينما كان رحيل الإخوان مأسوياً.