إنها مصر

طريق بلا عودة !

كرم جبر
كرم جبر

من المثير للغرابة بعد سنوات من احداث يناير الدرامية الصاخبة، أن يستمر الإخوان فى قراءة المشهد السياسي، بنفس الغباء المزمن المصاحب لهم منذ نشأتهم، ولم يفهموا أن الذى يميز مصر، أنها دولة عريقة ومتماسكة، وتستمد عوامل قوتها من ثوابتها، ولديها القدرة على تحقيق الاستقرار لشعبها، و«لو» استوعبوا دروس صدامهم بالدولة منذ نشأة الجماعة، لتراجعوا ألف مرة عن الترويج لمخططات التآمر.
فإذا كان المقصود من اكاذيبهم رسالة للخارج، بأن مصر تعيش أجواءً من عدم الاستقرار، فعلى أرض الواقع تكسب الدولة المصرية مساحات واسعة شرقا وغربا، ويترسخ دورها كقوة إقليمية فى المنطقة، استطاعت أن تنجو من زلزال الجحيم العربي، وتحفظ وحدة أراضيها، وتنمى قدراتها الذاتية وتفوق جيشها، وكما لم تنجح الأخونة فشل التقزيم، وبات استقواء الإخوان بالخارج مثيرا للشفقة والرثاء، وشاهدا حيا على تراجع مفهوم الهوية الوطنية لصالح مشروعهم الخاص.
أحرقت الجماعة الإرهابية كل المراكب، وسارت فى طريق بلا عودة، ودفنت أطماعها فى مقبرة حفرتها بأيديها، وإذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فقد لدغوا من نفس الجرح عشرات المرات، ولم تعد معركتهم كما يتخيلون مع الدولة، بل مع الشعب المصرى كله، ومن اختار منهم العنف والتحريض، حكم على نفسه بالسجن والمحاكمة العادلة، التى لم يوفروها لغيرهم أثناء توليهم الحكم، أما من اختار أن يعيش مثل غيره من المصريين، فوطنه يحتويه ولم ينله أذى أو سوء.
لاتزال أبواقهم تنعق ولم يتعظوا من جيل اختطاف الحكم القابع فى السجون، أين صلاح أبوإسماعيل الذى كان يصول ويجول ويقتحم أقسام الشرطة وبنى مستعمرة أمام مدينة الإنتاج الإعلامي؟.. أين العريان والمرشد وصفوت حجازى والشاطر والكتاتنى والبلتاجى وغيرهم، الذين تصوروا أنهم الدولة والسيف والجلاد والقانون؟ وهل كان يخطر بخيال أحد التخلص منهم بهذه السهولة البالغة، بعد أن كانوا خطوطا حمراء لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها.
اجهزة الدولة نفسها طويل وبالها أطول، وتعرف أن الحرب ضد الإرهاب طويلة وشرسة، لكنها فى النهاية محسومة لصالح الشعب الذى يحرسه جيشه، والشرطة التى استردت عافيتها واستعادت قوتها، ولن يثنيها عن أداء مهمتها المقدسة شهيد هنا أو جريح هناك، وأن الجيش الذى حرر سيناء من إسرائيل بجيشها الذى لا يهزم، لن تستعصى عليه جماعات إرهابية، تختبئ كالفئران فى الجحور.
المؤكد أنها حرب خاسرة، لكن الإخوان ماضون فيها إلى النهاية، حرب لن تعيدهم إلى السلطة، بل تعمق الكراهية وتشيد مزيدا من أسوار العزلة، ولم يستفيدوا من دروس الماضى والحاضر، وكتبوا نهايتهم بأيديهم وجعلوا عودتهم إلى الحياة السياسية مستحيلة، بعد أن خسروا كل شيء وفقدوا معالم الطريق إلى المستقبل، فمصر تسابق الزمن للبناء والتنمية والخروج من عنق الأزمة الاقتصادية، رغم ظروف كورونا بينما الإخوان غارقون فى أوهامهم المصبوغة بالدماء، بعد أن ذهبت شرعيتهم الكاذبة إلى مزبلة التاريخ، فالشرعية للوطن وليس لفرد، ولجموع الشعب وليس لجماعة أو عشيرة، وأصبحت شرعيتهم مثل أصنام الكعبة التى عبدوها ثم أكلوها، وأسقطها الشعب وداسها بالأقدام.
لن يجدوا أمامهم إلا شعبا وجيشا وشرطة »إيد واحدة»، وتصميما أكيدا على استئصال من يعوق مسيرته، ولن تنقذهم أكاذيبهم وتمسحهم بالإسلام، بعد أن ذاق الناس مرارة حكمهم واكتووا بنارهم، وتهاوت تحت الأقدام أساطير الخداع، التى روجوا لها على مدى ثمانين عاما.
مستقبل مصر أمامها ومستقبلهم وراءهم، وحربهم الخاسرة لن تكسبهم أرضا بل مزيدا من الضحايا والآلام، وليوقفوا عمليات غسل المخ لجيل جديد، تربى على كراهية مصر وشعبها، وضل الطريق إلى الإسلام الصحيح، فالقاتل لن يرتقى إلى السماء إذا قتل بل إلى حفرة فى النار، ومن الصعب على النفس أن يحمل جزءا من شباب الأمة السلاح ضد شعبهم، ويتحولوا من عناصر للبناء والتعمير، إلى دمى للقتل والإرهاب.