فى الصميم

الدرس الذى قدمته فرقة رضا..!!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

لم تكن مضت على ثورة يوليو ٥٢ إلا بضع سنوات، ومع ذلك كانت رياح التغيير تقصف بالقديم البالي، ومصر التى تحررت من الاحتلال واستعادت الإرادة وقناة السويس تمضى لتؤكد مكانتها وتبنى قوتها، وطاقات الإبداع تتفجر فى كل المجالات.. فى الاقتصاد والعلوم، كما فى الثقافة والفنون.
فى هذا المناخ كان ميلاد فرقة رضا يمثل نقطة انطلاق جديدة فى عالم الفن، كما يمثل عمق التغييرات الاجتماعية والثقافية فى هذه السنوات الحاسمة. بروح الشباب العاشق للفن يقود محمود رضا ومعه شقيقه على وزوجته الفنانة العظيمة فريدة فهمى التجربة الجديدة. شباب جامعى مثقف لا يتردد فى اقتحام الفن من أصعب أبوابه، يقدمون الرقص الشعبى كفن راق جميل. يطلون على الناس ناشرين البهجة  والجمال مؤكدين على أن الهوية الوطنية للفن هى مفتاح التطوير والتقدم.
تنجح التجربة منذ البداية، ويتضاعف النجاح بعد أن أصبحت «فرقة رضا» تحت رعاية الدولة وتوافرت لها كل الامكانيات المادية والدعم الأدبي. أصبحت إحدى الواجهات المميزة للفن المصرى يحرص على رؤيتها كل ضيف كبير للدولة، وتحرص مصر على أن تطوف العالم لتمثل مصر، وان تتحول الى نموذج لفرق عديدة تمثل المحافظات وتعرض فنونها ورقصاتها الشعبية فى مهرجانات لا تنقطع على مدار العام.
كان ذلك قبل أن تداهمنا سنوات التراجع وخفافيش الظلام التى تمكنت على مدى عقود من إطفاء معظم مصابيح الثقافة والفنون، والتى كادت تعيدنا عندما تمكنت من الحكم فى عام الاخوان الأسود إلى أسوأ عصور التخلف، حيث الفنون مجرد لهو مرفوض، والابداع حرام، وغاية الثقافة هى التكفير وقطع الرءوس، وغاية العلم هو التداوى ببول الابل!!
بالأمس.. رحل عن عالمنا محمود رضا، عاش معنا حتى رأى الأمل يتجدد، وثقافة الحياة تهزم ثقافة الموت، والعمل يبدأ لكى تستعيد مؤسساتنا الثقافية الحياة، ولكى تنطلق طاقات الإبداع الحقيقية فى كل المجالات، والمهمة ليست سهلة فى مواجهة سطوة مال يعشق التفاهة من جانب، وإرهاب يعادى كل ما هو جميل فى الحياة من جانب آخر.
ونحن نودع محمود رضا ننحنى احتراماً لواحد من أبرز رموز الفن المصرى فى النصف الثانى من القرن العشرين. وننتظر من أجيالنا الجديدة فى الفن أن تواصل الطريق وأن تقهر التحديات، وأن تملأ الدنيا بالغناء والموسيقى والرقص الجميل، وأن تحتفى بالحياة فى وجه أعداء الحياة.