أدخلها الصوفية مصر.. رحلة عبر الزمن عن تاريخ وأصل تسمية «القهوة»

تاريخ القهوة
تاريخ القهوة

"القهوة".. ذلك المشروب المفضل لدى الكثيرين والذي يفوح منه عبق التاريخ والتُراث، تختلف الأقاويل حول تاريخ ظهورها، إذ يعتبر البعض أنها تعود إلى القرن العاشر، والبعض الآخر يرجح أنه تم اكتشاف هذه النبتة في القرن الخامس عشر من أصل إثيوبي.

تأخذنا آلاء أحمد بَكير، مديرة القسم التعليمي بمُتحف المركبات بوزارة الآثار، في رحلة عبر الزمن لنتعرف على بعض الإشارات التاريخية عن أصل القهوة، بالإضافة إلى أدواتها وبعض العادات المرتبطة بها في مِصر.

عن أول استعمال للقهوة كمشروب هناك الكثير من القصص التي نُسِجَت حوله، ففي حين يَذكُر أغلب المؤلفين أن الحبشة هي الموطن الأصلي لهذه النبتة، وأنها أول بلاد شُرِبَ فيها هذا المشروب.

هناك بعض الروايات الأخرى التي تَذكُر أن اليمن هي الموطن الأصلي للبُن، حيث يتوفر فيها أفضل مناخ له والتربة الصالحة لزراعته.

 

الروايات الأسطورية في أصل القهوة

 قصّة أسطوريّة، تحكي عن رجل إثيوبي يدعى خالدي، ويُعزى إليه اكتشاف القهوة وذلك في القرن الـ19م، وذلك بأنّه كان يخرج بقطيعٍ يملكه من الماعز للمراعي، فكان يتنبّه لتصرفات القطيع الغريبة بعد أن يتناولوا من نبات وحبوب القهوة.

 قصة الشيخ عمر

تحكي بأنه يعود اكتشاف نبات القهوة إلى الشيخ عمر، والذي كان يقوم بمعالجة مرضاه من خلال الدعاء، إلاّ أنّه نفي لمنطقة غريبة عنه، ولمّا شعر بالجوع، التقط من ثمر بعض الشجيرات التي بجواره، فأحسّ بطعمها الطيّب، فعمد إلى شواء بذورها، ولكنه صدم عندما رآها اكتسبت الصلابة، فما كان منه إلاّ أن قام بغليها لعلّها تكتسب بعض الطرواة، ففوجئ بسائل ذو لون بنّي وله رائحةٍ لذيذة استساغها، ولم تذوقها أعجبته، فشربها، ليتنبّه بأنّها مدّته بالنشاط لأيّام عديدة.

أصل تسمية القهوة

لكلمة "قهوة" جذور في عدة لغات مثلاً في اليمن، عندما تم اكتشاف نبتة القهوة من قبل واحد من أقدم المزارعين، كانت تسمّى الحبة الواحدة "قهوة" مأخوذة من قهوة البن، بمعنى النبيذ من القهوة، جلبت طرق التجارة الإسلامية القهوة إلى الشرق الأوسط، حيث دعا الأتراك القهوة السائلة "كهفه"، ودعاها الهولنديون بشراب القهوة، حيث أحضروا القهوة السائلة إلى إنجلترا على طول طرق تجارتها مع آسيا وأفريقيا، والتي أصبحت أخيراً قهوة باللغة الإنجليزية.

مكتشف القهوة أبو بكر العيدروسي:

ذكر الباحث الأثري هشام الحديدي، لـ"بوابة أخبار اليوم"، أن مكتشف القهوة هو الشيخ أبو بكر العيدروسي الشاذلي المتوفى سنة 909هـ، وأنه وجد نبات القهوة أثناء سياحته في الجبال فاقتات من ثمره حين رآه متروكاً مع كثرته، فوجد فيه "تجفيفاً للدماغ واجتلاباً للسهر وتنشيطاً للعبادة" فاتخذها قوتاً وشراباً، وأرشد أتباعه إلى تعاطيها، وبذلك عرفها الناس وانتشرت في اليمن والحجاز ثم في الشام ومصر وسائر الأقطار، وفي القرن العاشر الهجري ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني المتوفى عام 973 هجرية.

وأضاف هشام الحديدي، أن القهوة كانت معروفة في مصر منذ القرن السابع الهجري، وأن الصوفي المصري المشهور إبراهيم الدسوقي المتوفى عام 669، كان يتعاطاها، وكان يحض أصحابه على تعاطيها.

ويقول: "يا أبناء قلبي عليكم بشرب القهوة القرقفية واستعمالها فوعزته وجلاله من صدق منكم وأخلص لا يمسى أحد إلا نبعت منه الحكمة، وواضح الصوفية كالعادة بهم حين يدعون لشيء فإنهم يضيفون عليه الجانب الديني ليكون أكثر تأثيراً، ويظهر ذلك في موضوع القهوة، فقد جعلها الشيخ العيدروسي منشطاً للعبادة وجعلها إبراهيم الدسوقي عاملاً مساعداً في الوصول إلى العلم اللدني طبقاً لعقائد التصوف وأوهامه والمهم أنه يوجد لدينا رأيان في المصادر التاريخية والصوفية عن اكتشاف القهوة ونشرها، أحدهما ينسب ذلك للشيخ العيدروسي في القرن العاشر، والآخر يجعلها معروفة في عصر الدسوقي في القرن السابع".


مكتشف القهوة الشيخ العيدروسي

وأكد هشام الحديدي، أن مكتشفها هو الشيخ العيدروسي، ولأنها اكتشاف صوفي فقد وقف منها الفقهاء موقف العداء فحرموا تناولها نكاية في خصومهم الصوفية، والشعراني كبير الصوفية في القرن العاشر عاب على فقهاء عصره أنهم يقعون في الذنوب المجمع على تحريمها مثل الغيبة والنميمة، ومع ذلك تنفر نفوسهم من القهوة، ومن الطبيعي أن ينحاز الشعراني إلى جانب الدفاع عن القهوة وينسب تلك الكلمة إلى الشيخ إبراهيم الدسوقي في الحض على شرب القهوة وهو يعلم أن الفقهاء في القرن العاشر لا يجرؤ أحدهم على انتقاد الشيخ إبراهيم الدسوقي.


القهوة والتصوف:

وبسبب سطوة التصوف وكثرة وتشعب الطرق الصوفية فقد انتشرت القهوة سريعاً وسارت المشروب المفضل في جلسات الأذكار الصوفية وفي غيرها، وبدأ ذلك سريعاً في بداية القرن العاشر نفسه، وبسبب ارتباط القهوة بالتصوف فقد أضيفت لها إحدى لوازم الصوفية وهي ادعاء علم الغيب والكشف عن المستقبل بقراءة فنجان القهوة، تأثرا بتلك الكذبة التي روجها الشعراني ونسبها لإبراهيم الدسوقي عن صلة شرب القهوة بالعلم اللدني الذي يعلم فيه الصوفي الغيب بزعمهم وحتى الآن تعتقد البيئات الشعبية في قارئة الفنجان أو قارئ الفنجان، وفي معرفته للغيب، مع أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، ويبدو أن ذلك الاعتقاد قد انحدر إلينا من إصدار بعض الأشياخ الصوفية لبعض نبوءتهم وهم يرتشفون فنجان القهوة.

القهوة عند الأتراك:

وأدى الفتح العثماني لمصر إلى سيطرة العثمانيين على معظم الأقطار الإسلامية، وأصبحت الدولة العثمانية تمثل العالم الإسلامي في مواجهة الغرب الصليبي، وكانت القهوة هي المشروب المفضل للأتراك ودخلت اليمن في التبعية للعثمانيين، وفي نفس الوقت بدأ الغرب في صناعة البن في المستعمرات الأمريكية والعالم الجديد، وأصبح البن من بنود الحرب الاقتصادية بين العالم الإسلامي العثماني والعالم الغربي الصليبي وبعد الفتح العثماني لمصر بأكثر من قرنين حظر العثمانيين استيراد البن من أمريكا، وكان اسمه البن الافرنجي كما حظروا تصدير البن العربي اليمني إلى أسواق أوروبا، وكانت مصر العثمانية هي الوسيط في تجارة البن بين أوروبا واليمن، وتعرض التجار المصريون للضرر من ذلك القرار فكانوا يتحايلون عليه عن طريق رشوة الموظفين العثمانيون في المواني البحرية.


وكانوا يصدرون سنة 1760م ما بين 4000 و5000 طنا من البن العربي على موانئ إيطاليا وفرنسا، ويحدث أحياناً أن يشتروا البن الأمريكي ليخلطوه بالبن اليمني عالي الجودة، واستمرت تجارة البن المخلوط برغم أنف القوانين العثمانية.

اكتشاف شجر القهوة

اكتشف شجر القهوة في القرن الخامس عشر، عن طريق قبيلة "الأورومو" في أثيوبيا، ولم يوجد دليل على استخدامهم لها، ولكن في القرن الخامس عشر تناولت الأديرة الصوفية في اليمن بجنوب شبه الجزيرة العربية مشروب القهوة بعد اكتشافهم لشجر البن هناك، ثم أخذت في الانتشار من أثيوبيا إلى اليمن ومنها إلى مصر، وينمو حاليا شجر البن في أكثر من 70 بلدا.


فوائد القهوة ظهرت عام 1583

ووفقا لما قدمه الطبيب الألماني "ليونارد راوولف"، بعد عودته من رحلة الشرق التي استمرت 10 سنوات، لخص فوائد القهوة في: "هو مشروب أسود كالحبر مفيد في علاج العديد من الأمراض خاصة المعدة".


أول كافيه للقهوة عام 1645

وأطلق عليه اسم "بيت القهوة الأوربي"، ثم انتقلت شهرة القهوة في إنجلترا من خلال الجهود التي بذلتها شركة الهند الشرقية البريطانية وساهمت في تأسيس بيت قهوة الملكة "لين" في شارع أوكسفورد عام 1654 ولازال موجودا حتى الآن، وقدمتها فرنسا عام 1657 وفي النمسا وبولندا عام 1683، ورغم عالمية البرازيل في صناعة القهوة الآن، إلا أن القهوة دخلت هناك عام 1727، ولكنهم بعد الاستقلال خصصوا مساحات هائلة من الغابات المطيرة لزراعة شجر القهوة.