تعرف على أشهر المعارك العسكرية في عهد الملك «سنوسرت الثالث» لإخضاع المتمردين في بلاد النوبة

الجيش في مصر القديمة
الجيش في مصر القديمة

قصة انتصارات وعبقرية "الجيش المصري" منذ القدم

تعتبر الحضارة المصرية القديمة نموذج فريد في نظام الإدارة العسكرية وإدارة الحروب وتنظيم الجيوش وتطور الأسلحة والخطط الحربية, والتي يتم تدريسها في أكبر المدارس العسكرية في العالم للإستفادة من خبرات المحارب المصري القديم وانتصاراته المتتالية، وكيفية إدارته للحروب المختلفة التي شهدتها مصر منذ قديم الأزل وحتى وقتنا الحالي.

قالت د. فاطمة عبد الرسول، الخبيرة الأثرية، لقد أضطر الإنسان المصري القديم الدفاع عن نفسة ضد الحيوانات المفترسة منذ عصور ماقبل التاريخ فأستخدم  بعض الأساليب البدائية الدفاعية في سبيل تحقيق ذلك كإشعال النيران لتخويف تلك الحيوانات من الإقتراب منه، وصناعة بعض الأسلحة البدائية كالسكاكين ورؤوس السهام من حجر الظران الصلب التي تطورت فيما بعد لأسلحة معدنية من النحاس خلال العصر الحجري الحديث، ومع مرور الوقت استأنس الحيوانات وحقق الأستقرار بأكتشاف الزراعة.

أضافت د. فاطمة عبد الرسول، الخبيرة الأثرية، ظهرت منذ بداية الأسرات تجمعات بشرية كثيرة الأعداد تعيش على الزراعة حول ضفتي نهر النيل بمناطق متفرقة في الشمال والجنوب، وبدأ التعاون مع المجتمعات المجاورة وظهرت فكرة المقايضة والمصالح المشتركة ، ظهر الصراع بين تلك المجتمعات وبعضها البعض طمعاً في الحصول على مزيد من المكتسبات المعيشية التي يأتي على رأسها السلطة، وأتصلت مجتمعات الشمال ببعضها تحت مظلة واحدة وكونت ما عرف بمملكة الشمال يتزعمها أحد الحكام وكذلك الحال بالنسبة لمملكة الجنوب التي جاء على رأسها الملك نعرمر مؤسس الأسرة الأولى الذي نجح في هزيمة جيش مملكة الشمال وقام بتوحيد المملكتين خلال القرن 31 ق.م.

 وكان ذلك بمثابة إعلان لبداية ملامح النظام الإداري العسكري الموحد الذي يترأسه الملك ويسيطر على جميع أقاليم البلاد من خلال حاميات عسكرية. وظهر خلال الأسرة الأولى لقب "قائد الجيش "،وهذا إشارة إلى وجود فرقه عسكرية مهمتها  التدخل لفض النزاع الداخلي لحكام الأقاليم الطامعة كل منهم في كسب مزيداً من الأرض والسلطان على حساب الأخر.

كما كانت هناك فرقة أخرى مختصة  للدفاع عن العاصمة إنب حج "منف" وفرقة ثالثة للدفاع عن حدود مصر ضد هجمات الطامعيين من المجتمعات المجاورة للمملكة المصرية.

 إلا أن الخطر الداخلي لم يكن هو الدافع الوحيد لتكوين الجيوش والتنظيمات العسكرية والدفاعية، فقد اقترن تحقيق الأستقرار الداخلي بضرورة ملحة لتكوين خطوط عسكرية دفاعية على حدود المملكة المصرية القديمة لصد الخطر الخارجي من جيوش الممالك المجاورة الطامعة في ثروات مصر. وتشير الدلاثل الأثرية إلى ظهور أول جيش نظامي في مصر منذ الأسرة الخامسة، ثم تطور خلال الأسرة السادسة منذ عهد الملك "بيبي الأول"  حينما قام البدو المقيمين على حدود مصر الشرقية بغارات متتالية على الدلتا، وكان عددهم كبير جداً مما أضطر الملك بيبي الأول إلى أستدعاء جميع الفرق العسكرية بالأقاليم لتتوحد تحت إمرة أحد كبار الدولة وهو "وني" الذي كان يعد بمثابة قائد الجيش، وقام بمهاجمة البدو  وانتصر عليهم وصد خطرهم عن البلاد ودونت أحداث تلك الحملة العسكرية على جدران مقبرتة في أبيدوس.

وكانت نقطة فاصلة في تاريخ العسكرية المصرية أبرزت أهمية وجود جيش نظامي موحد للدفاع عن أرض مصر وشعبها، قاموا ملوك الدولة الوسطى ببناء الحصون والقلاع الدفاعية؛ حيث قام الملك أمنمحات الأول جداراً دفاعياً على حدود مصر الشرقية لصد هجوم الأسيويين عرف بحائط الأمير بالأضافة إلى عدد من الحصون والقلاع عند الجندل الثاني مثل بوهين وسمنه وقمنه.

وأوضحت عبد الرسول، الخبيرة الأثرية، أن من أشهر المعارك العسكرية التي خاضتها مصر في تلك الفترة في عهد الملك سنوسرت الثالث لإخضاع المتمردين في بلاد النوبة وانتهت المعركة لصالحة ودونت أحداثها على لوحة تذكارية بقلعة "سمنه"، وذكر "لقد سبيت نساءهم وأسرت رجالهم وحرقت حقولهم وصرعت ماشيتهم" وهو مادفع الملك تحتمس الثالث بعد مرور 500 عام على ذلك الأنتصار يؤله سنوسرت الثالث تقديراً لجهوده في الحفاظ على أرض مصر. وكانت نقطة التحول في تاريخ العسكرية المصرية عقب حروب التحرير ضد الهكسوس حينما توحد الجيش تحت زعامة الملك أحمس وأصبح هناك فرق وأولوية ورتب عسكرية محددة وخطط عسكرية أظهرت براعتها في ميادين القتال وحقق بفضلها ملوك مصر في عصر الدولة الحديثة العديد من الانتصارات، واتسعت حدود مصر فأصبحت أكبر أمبراطورية عسكرية عرفها التاريخ في ذلك الوقت يحميها جيش نظامي موحد يقودة الملك بنفسه.

وأشارت الخبيرة الأثرية، إلى أن النقوش الحربية والمعارك أصبحت هي السمة المميزة والغالبة لنقوش المعابد والمقابر في تلك الفترة وكان شرف العسكرية المصرية لا يضاهية شرف، قسم الجيش المصري في الدولة الحديثة إلى فرق يحمل كل منها أسم تبعاً لمهمتها مثل فرقة الرماة بالأسهم وفرقة المركبات بالعجلات الحربية والخيول وفرقة الأقواس التسعة الذين يمثلوا أعداء مصر حينذاك.

كما كان يوجد فرقاً خاصة بالأستطلاع الحربي، وكان من بين الأساليب التي اتبعها المصري القديم في حروبه هي الحرب الخاطفة أو المفاجئة وذلك بغرض إرباك خطوط العدو.

 كما أتبع أيضاً أسلوب التراجع التكتيكي للتمويه والخداع وحصار العدو من جميع الجهات وأثبتت تلك الخطط نجاحها في الكثير من المعارك.  ومن أبرز المعارك الحربية التي خاضها الجيش المصري في ذلك الوقت معركة "مجدو" التي كانت عبارة عن 17 حملة عسكرية لإخضاع البلاد المجاورة مثل سوريا وفلسطين والنوبة التي قام بها الملك تحتمس الثالث، ومعركة قادش التي قام بها رمسيس الثاني ضد الحثيين . ولازالت تفاصليهما العسكرية تدرس في أكبر الأكاديميات العسكرية في العالم.

لم تقتصر مهمة الجيش في مصر القديمة على خوض المعارك الحربية فقط بل كان له دوراً هاماً في إقامة المشروعات الضرورية لتنمية البلاد. مثل أستصلاح الأراضي وشق الترع وإقامة السدود, والمشاركة في بناء المعابد والمنشآت الدينية.

 تحلى أفراد الجيش المصري بالمبادىء والأخلاق الحميدة خلال التعامل مع أعدائهم في الحروب فيما يتعلق بعدم التعرض للمدنيين والمنشات المدنية وهومايتضح من خلال رواية القائد " وني" الذي أرسلة الملك بيبي الاول  بحمله عسكرية إلى فلسطين  وسجل تفاصيلها على جدران مقبرتة في أبيدوس نافياً أنتهاك أحد جنوده لأخلاقيات العسكرية المصرية.

 حيث كان المصري القديم يميل إلى السلم ولايبادر بالحرب أو الإعتداء على مقدرات الغير إلا دفاعاً عن أرضه ونفسه.