إشتروا منى

المفاوض المصرى على مر العصور

هناء عبدالفتاح
هناء عبدالفتاح

بقلم/ هناء عبدالفتاح

تملكتنى الحيرة وأنا أحاول تجميع رسالة تليق بمقام الدبلوماسية المصرية والمفاوض المصرى بشكل خاص، أى كلمات لن تعبر كما يعبرون ولن تدقق كما يدققون ولم تف بالغرض كما هم دائما يوفون، وعيت على الدنيا وجدت المفاوض المصرى يستلم طابا بحكم المحكمة الدولية بعد حوالى عشر سنوات قضى معظمها يحاور العدو الصهيونى بدأب وإصرار وإرادة لم تهدأ يوماً ولم يصبها الخنوع.

كنت أسمع صوت العظيمة شادية يصدح " سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم فى عيد " فتسيطرعلى قلبى مشاعر الزهو والفخر والفرح، وسألت، فعلمت أن وراء هذا المشهد مشوار ألف ميل بدأه المفاوض المصرى العظيم بخطوة كلها إيمان بحق لن يضيع طالما وراءه مطالب، الآن كبرت، ورأيت كيف يتعامل المفاوض المصرى مع قضية أمنه المائى فى أثيوبيا، وكيف استطاع رغم خطورة الوضع _ لأول مرة فى التاريخ _ على حدودنا الأربعة مرة واحدة، أن يجعل أثيوبيا تعلن تراجعها عن الملء الأحادى، فأدركت أنه لم ينجح فى استرداد طابا قبل حوالى ثلاث عقود لأنه كان مؤمناً بحقه فقط، وإنما لأن عقيدته شرسة جداً وإن تحدث بكلام أنيق، وعنيفة جداً وإن غلف مخاطباته بالتوازن والهدوء، وأنها عقيدة لا يصيبها يأس أو ضجر مهما طالت سنوات لعبة التفاوض.

هو عنيد جدا على مر العصور، لأنه لم يحدث أبدا أن تفاوض على شيء ليس من حقه، والعند فى الحق فريضة، وها هو التاريخ يتجدد، وعشر سنوات أخرى قضاها يفاوض ويتمسك بحقه فى مياه النيل ويتعامل مع التسويف والمراوغة والتلاعب الإثيوبى بكل حكمة وهدوء، استطاع أن يروج لقضيته فى المحافل الدولية وفرضها رغم وباء كورونا الذى يحصد الأرواح بلا هوادة.

واستطاع أن يحتفظ بنبرة صوته قوية شامخة رغم خطورة الوضع شمالاً وجنوباً وشرقاً غرباً، واستطاع برسائل مباشرة وغير مباشرة أن يجعل أثيوبيا على يقين تام بأنها لن تهنأ يوماً لو أضرت بمصالح مصر أو عرضتها للعطش، يعلم أنه شريف فى زمن عز فيه الشرف، ومؤمن بكونه صاحب حق وبأن صاحب الحق عينه قوية، ويرفع شعار " العفى محدش ياكل لقمته ".

الحقيقة أن التاريخ سيسجل ما يجرى فى تلك الأيام بحروف من نور، دبلوماسية محترمة، قوية، قادرة، يقودها رئيس عظيم عاشق لوطنه ومتفان من أجله، ويعمل فى ظروف لم يعمل فى مثل صعوبتها رئيس قبله.