من وراء النافذة

وارقص يا «كورونا»

هالة العيسوى
هالة العيسوى

ما كتبه الزميل العزيز محمد حسن البنا رئيس التحرير الأسبق لجريدة الأخبار فى مقاله الأخير قبل الاعتذار لقرائه عن عدم مواصلة الكتابة حتى يمنّ الله عليه وعلى أسرته بالشفاء التام، يفتح النار على منظومة صحية عرجاء ويفضحها الزميل شفاه الله وعافاه أصيب هو وزوجته وابنته العروس بفيروس كورونا. فحصهم الأطباء، ووصفوا لهم العلاج الذى لا يخرج عن البروتوكول الذى وضعته وزارة الصحة.
لأنه من الأبناء الصالحين لهذا الشعب الطيب الذى تراهن الحكومة على وعيه، التزم بنصائح وزارة الصحة بعدم التوجه إلى المستشفيات عند الشعور بأعراض المرض. لزم بيته، وعبثًا حاول شراء الأدوية الموصوفة له ولأسرته أو بدائلها من أى صيدلية حكومية تابعة لوزارة الصحة فلم ينجح. وزارة الصحة قصرت تداول مكونات هذا البروتوكول على الصيدليات التابعة لها. وزاد الضغط على تلك الصيدليات وتضخم الطلب وازداد السحب لهذه الأدوية حتى نفدت، وأصبح الحصول على عبوة من صنف واحد ضربًا من المعجزات. وطالت طوابير الجماهير المحتشدة أمام صيدليات الإسعاف حتى بدا المشهد مخزيًا إلى درجة مرعبة.
أفهم أن وزارة الصحة أرادت بهذا القرار حماية الشعب من استغلال الصيدليات ومندوبى شركات الأدوية ومن نار السوق السوداء. لكن الوضع الحالى لا يسر عدوًا ولا حبيبًا. فلا الراغب فى الشراء بحُرّ ماله قادر على الشراء والحصول على العلاج لإنقاذ نفسه وذويه، ولا الفقير «المتعشم» فى الحكومة ان تعالجه مجانًا بقادر على الحصول على العلاج. الكل بين يدى الله ورحمته. وأصبحت كلمة " زينب" فى الفيلم القديم الشهير " اللى مالوش أهل الحكومة أهله" عبثًا مثيرًا للسخرية المُرة.
المثير للدهشة ان الغالبية العظمى من هذه الأدوية _إن لم تكن جميعها- صناعة مصرية، أى يفترض توافرها فى الأسواق، وإن زاد الطلب ينبغى أن يزيد المعروض، حسب أبسط القواعد الاقتصادية. طيب ياحكومة لم تستطيعى السيطرة على مافيا الأدوية وأباطرة الصيدليات والمستشفيات الخاصة، فتزيدى العبء على المريض المغلوب على أمره؟ العجيب ان يصاحب هذا الانفلات قرار الحكومة بإلغاء الحظر، مع ترك بعض القيود الحريرية ذرًا للرماد فى العيون. هذا الوضع الجديد يفتح الباب على مصراعيه بلا شك أمام فوضى خطيرة، وسيرفع يقينًا من نسب الإصابات والوفيات.فالتباعد الاجتماعى سيصبح فى خبر كان، بعد أن تعود المصالح الحكومية والمحاكم للعمل، حتى لو بنصف طاقتها بما يؤدى إلى ازدحام المواصلات العامة، وتنفتح المساجد أمام المصلين. وبمجرد إلغاء الحظر ستستقبل المقاهى بعض روادها القدامى مع الإجازات الصيفية فهى المتنفس الوحيد الذى سيصير متاحًا، بعد فترة كمون منزلى طويلة، وستعود معها الزيارات المنزلية تدريجيًا، ليصبح شعارنا الجديد «بالأحضان يافوضى» و«ارقصي ياكورونا»، مع الاعتذار للكابتن مدحت شلبي، والحضري.
للأسف أتاحت الحكومة انفتاح السبهللة أو «سيبها لله» وتعطينا من طرف اللسان حلاوة وتروغ منّا دون ان تضع الضوابط الحاكمة او الحامية، ثم تراهن على وعى الشعب فتتركه لمصيره، وكأنها تقول للمواطن: «اذهب أنت وربك فقاتلا الكورونا وحدكما».