نص خطاب وزير الخارجية لمندوب فرنسا والرئيس الحالي لمجلس الأمن بشأن سد النهضة

سد النهضة الإثيوبي
سد النهضة الإثيوبي

وجه وزير الخارجية سامح شكري خطابا إلى المندوب الفرنسي الدائم لدى مجلس الأمن بصفته الرئيس الحالي للمجلس بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي.

وقال شكري - في خطابه- إنه بالنظر إلى خطورة الوضع، وفى ضوء التعنت المستمر لإثيوبيا، والذي قد يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، أطلب من مجلس الأمن الدولي أن يتدخل في هذه المسألة على وجه السرعة.

وأضاف أن مصر اختارت إحالة هذه المسألة لمجلس الأمن الدولي بعد أن بحثت واستنفدت كل سبيل للتوصل إلى حل ودي لهذا الوضع عبر إبرام اتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبى يحفظ ويعزز حقوق ومصالح الدول الثلاث المُشاطئة للنيل الأزرق.

وفيما يلي نص الخطاب:


"سعادة المندوب الدائم، أكتب إليكم مرة أخرى اتصالاً بسد النهضة الإثيوبى، وهو أمر جلل ذو تداعيات ضخمة على مصر كما أشرت فى خطابى السابق المؤرخ الأول من مايو 2020، فضلاً عن طبيعته العاجلة فى ظل مواصلة إثيوبيا إصرارها على بدء ملء السد بشكل أحادى الجانب خلال موسم الأمطار فى شهر يوليو المُقبل بما يخالف التزاماتها القانونية الدولية، وهو ما تُدلل عليه تصريحات علنية بما فى ذلك تصريحات السيد رئيس الوزراء الإثيوبى بتاريخ 8 يونيو 2020.

بالنظر إلى خطورة الوضع، وفى ضوء التعنت المستمر لإثيوبيا، والذى قد يُشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، أكتب إلى سعادتكم لأطلب من مجلس الأمن الدولى أن يتدخل فى هذه المسألة على وجه السرعة.

وقد اختارت مصر إحالة هذه المسألة لمجلس الأمن الدولى بعد أن بحثت واستنفدت كل سبيل للتوصل إلى حل ودى لهذا الوضع عبر إبرام اتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبى يحفظ ويعزز حقوق ومصالح الدول الثلاث المُشاطئة للنيل الأزرق.

خلافاً للتأكيدات الواردة فى الرسالة الموجهة إلى سعادتكم من قبل السيد وزير خارجية جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الفيدرالية فى 14 مايو 2020، فإن فشل المفاوضات بشأن سد النهضة يرجع إلى سياسة إثيوبيا الثابتة فى المراوغة والعرقلة.

ونظراً لأن الغرض من هذا الخطاب ليس الانخراط فى تفنيد مُفصل لما ورد فى رسالة وزير خارجية إثيوبيا من مغالطات وتشويه للحقائق، إذ أن هذا هو الغرض من المذكرة المُرفقة (مُلحق1)، فإننى أود أن أُبرز حقيقة أن مصر قد شاركت بحسن نية فى جولات تفاوضية لا حصر لها لمدة عقد تقريباً بشأن سد النهضة الإثيوبى، بيد أن هذه الجهود لم تُثمر عن نتيجة بسبب النزعة أحادية الجانب لإثيوبيا ورغبتها فى فرض أمر واقع على دولتى المصب.

خلال هذه العملية سعينا إلى التوصل لحل مُرضى لكافة الأطراف يحفظ ويُعزز حقوق ومصالح دول النيل الأزرق الثلاث. لقد عملنا بلا كلل من أجل التوصل إلى اتفاق يُحقق الأهداف الإنمائية لإثيوبيا ويُقلص من التأثيرات الضارة لهذا السد الضخم على دولتى المصب. وفى دليل آخر على إرادة مصر السياسية الصادقة للتوصل إلى اتفاق يحقق المنفعة المتبادلة، دعت مصر أطرافا أخرى محايدة إلى المشاركة فى المفاوضات، كما أعربت عن استعدادها لقبول أى اتفاقات أو صيغ توافقية مُقترحة من قبل هذه الأطراف المحايدة. وفى حقيقة الأمر، فان مصر، تمشياً مع حسن نواياها، قبلت ووقعت بالأحرف الأولى فى 28 فبراير 2020على اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، تم إعداده تحت رعاية الولايات المتحدة الأميركية وبمشاركة البنك الدولى (مُلحق رقم 2).

ولكن مع الأسف، قوضت إثيوبيا هذه الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق يُحقق المنفعة المتبادلة بشأن سد النهضة. وبدلاً من ذلك، تواصل إثيوبيا الإصرار على بدء حجز المياه فى خزان السد بشكل أحادى الجانب، وهو الأمر المُثير للقلق بشكل بالغ على الصعيد السياسى، إذ يمثل محاولة خطيرة من جانب إثيوبيا لإقامة وممارسة سيطرة غير مُقيدة على نهر حيوى عابر للحدود. فضلاً عن ذلك، فإنه سوف يُشكل خرقاً مادياً لاتفاق إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، والذى أبُرم بين الدول الثلاث فى 23 مارس 2015، وينص على وجوب القيام بملء وتشغيل سد النهضة وفقاً للمبادئ التوجيهية والقواعد التى سيتم الاتفاق عليها بين مصر وإثيوبيا والسودان (مُلحق رقم 3).

كذلك، أدى موقف إثيوبيا المتعنت إلى فشل الجولات الأخيرة من المفاوضات التى عقدت بناء على مبادرة جمهورية السودان، والتى استمرت لعدة أسابيع. وبينما شاركت مصر مرة أخرى فى هذه المحادثات، للبرهنة مجدداً على التزامها الصادق بالتوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، تبنت أثيوبيا على مدار هذه المفاوضات نهجاً مخالفا لالتزاماتها القانونية وغير بناء فنياً، حيث رفضت إبرام اتفاق ملزم بموجب القانون الدولى واقترحت اعتماد ارشادات توجيهية وقواعد يحق لها تعديل مضمونها وفقاً لسلطتها التقديرية.

كما صرحت بان أى وثيقة يتم الاتفاق عليها بين البلدان الثلاثة لن تُعَرٍف حد الضرر الجسيم، ومن ثمّ تعفى نفسها فعلياً من أى التزامات تجاه دولتى المصب اللتين يوفر لهما القانون الدولى الحماية من الضرر الجسيم الذى تُلحقه بهما دولة المنبع. كما عارضت إثيوبيا تطبيق تدابير فعالة للتخفيف من آثار الجفاف والجفاف الممتد على المجتمعات المحلية بدول المصب، الأمر الذى يعرض مصر والسودان للآثار الاجتماعية والاقتصادية المدمرة الناجمة عن مثل هذه الظروف الهيدرولوجية الخطيرة.

إن هذه المفاوضات، التى عبرت إثيوبيا خلالها عن مواقفها وتقدمت بمقترحاتها، جرت فى وجود مراقبين غير متحيزين حضروا هذه المداولات. (مُرفق النصوص المقترحة من قبل إثيوبيا ـ ملحق رقم 4).

يعكس هذا الموقف الإثيوبى رغبتها فى ملء وتشغيل سد النهضة دون أى تدابير حماية ذات مغزى من شأنها أن تقلل من الآثار السلبية لهذا السد على دول المصب، فضلاً عن تكريس حق غير مُقيد وبدون ضوابط فى بناء مشاريع مستقبلية أعالى النهر واستخدام مياه النيل الأزرق من جانب واحد، حتى وإن كان ذلك على حساب حقوق دول المصب.

بالنسبة لمصر، بلد بها أكثر من مائة مليون نسمة تعتمد بشكل كامل على نهر النيل كشريان للحياة وقضية وجود، فإن وضع كهذا لا يمكن احتماله، علاوة على ذلك، فمن المُثير للقلق البالغ أن يتم بناء سد النهضة دون استكمال الدراسات اللازمة حول الآثار الهيدرولوجية والبيئية لهذا السد، ودون الضمانات اللازمة لضمان سلامته الإنشائية، مما يُهدد أكثر من 150 مليون مواطن مصرى وسوداني. إن استخدام موارد نهر النيل لابد وأن يكون محكوماً بالقواعد المعمول بها فى القانون الدولى وعملاً بالاتفاقيات التى تحفظ وتنمى حقوق ومصالح كافة الدول المشاطئة، ولا يجوز إخضاعها للسيطرة أحادية الجانب من إثيوبيا.

سعادة المندوب الدائم، بينما تظل مصر ملتزمة ببذل كل جهد للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة، يجب أن أؤكد أن ميثاق الأمم المتحدة يعطى الحق للدول الأعضاء فى الأمم المتحدة فى حماية مصالحها الوطنية الحيوية وضمان بقائها على قيد الحياة.

إن ملء وتشغيل مشروع ضخم مثل سد النهضة بدون اتفاق وفى غياب أى ضمانات مُتفق عليها لحماية دول المصب من الضرر الجسيم المُحتمل الذى قد يلحق بهما، يُشكل خطراً واضحاً وحاضراً على مصر، مما قد يكون له تداعيات خطيرة تُهدد السلم والأمن الدوليين.

ومن ثم، أكتب إلى سعادتكم عملاً بالمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة التى تخول الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة تنبيه مجلس الأمن إلى أى موقف قد يؤدى إلى احتكاك دولى أو من المحتمل أن يُعرض صون السلم والأمن الدوليين للخطر.

كما أطلب أن ينظر مجلس الأمن الدولى فى هذا الأمر على وجه السرعة فى أقرب فرصة مُمكنة فى إطار بند جدول الأعمال المعنون "السلم والأمن فى أفريقيا"، وإن مصر لحريصة على أن تُدعى للمشاركة فى اجتماع المجلس الذى سيناقش هذا الأمر، عملاًبالمادة 37 من النظام الداخلى لمجلس الأمن.

إنه لواجب على مجلس الأمن، والمجتمع الدولى،أن يحُثا إثيوبيا على التحلى بالمسئولية وإبرام اتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة مع عدم اتخاذ أى تدابير أحادية الجانب فيما يتعلق بالسد، وأن تمتثل لالتزاماتها القانونية الدولية ومبادئ وقواعد القانون الدولى".

والجدير بالذكر أن مصر حرصت على أن يتضمن هذا الخطاب فى أحد ملاحقه نص الاتفاق الذى أعدته واشنطن حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة فى نهاية فبراير الماضى والذى وقعت عليه مصر بالأحرف الأولى تأكيداً لجديتها فى تحقيق أهدافه ومقاصده، وذلك خلال الاجتماع الذى دعت إليه الولايات المتحدة يومى 27 و28 فبراير 2020 من أجل التوصل إلى اتفاق نهائى حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتنفيذاً للالتزامات الواردة فى اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين مصر والسودان وإثيوبيا فى 23 مارس 2015.