قصة «وادى النطرون» ومعجزة «نبع الماء» وسط منطقة ملحية  

وادى النطرون
وادى النطرون

أكد الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن وادى النطرون يعد من أهم مواقع التجمعات الرهبانية في مصر بعد زيارة العائلة المقدسة.

وأشار إلى أن المنطقة بها أديرة والقلايا والمغارات يسكنها آلاف الرهبان وتضم المنطقة مياه كبريتية تشفي العديد من الأمراض وبه نبع ماء عذب أنبعه السيد المسيح وسط منطقة مشبعة بملح النطرون يطلق عليه نبع الحمراء على بعد 3 كم من دير البرموس.

وأكمل: "من هذا المنطلق كانت الدراسة الأثرية لعبد الفتاح زيتون مدير عام آثار وادى النطرون والدكتور عثمان الأشقر مفتش التوثيق الأثرى والبحث العلمي بوادي النطرون تحت عنوان (وادي النطرون تاريخ وآثار)".

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان الضوء على هذه الدراسة، موضحًا أن مدينة وادي النطرون تقع في الجانب الغربي من محافظة البحيرة، شمال غرب القاهرة على بعد 106كم، وطول الوادي 50 كم وعرضه 25كم، وتنخفض أكثر نقطة فيه من 70 إلى 80 قدما تحت مستوى البحر.

وأوضح: "تجري تلال متفاوتة ومتماوجة علي كل جانب منه مغطاة بحصوات ونباتات جميلة وأطلق على مدينة وادي النطرون عدة مسميات كان أشهرها "سِخِت حِماًت" وهي تسمية هيروغليفية تعني (حقل الملح) لتوفر ملح النطرون في هذا المكان والذي كان يُستخدم في عمليات التحنيط عند المصري القديم، وقد اشتهرت في القرن الرابع الميلادي بـ(برية شيهات)، وهي تسمية قبطية تعني ميزان القلوب لكونه محل عبادة ونسك وإصلاح السيرة، وأطلق عليه (الأسقيط) وهي تسمية قبطية تعني الناسك أو النساك، وعُرف أيضًا بـ(وادي هُبيب) وهى كلمة قبطية مكونة من مقطعين (ها) وتعني متعدد أو كثير، و(بيب) وتعني مغارات أي المكان المتعدد المغارات أو كثير المغارات والتي كان يتعبد فيها الرهبان.

ويتابع الدكتور ريحان من خلال الدراسة أن وادي النطرون يعتبر من الأماكن التي باركتها العائلة المقدسة أثناء وجودها في مصر، وفيه بدأ القديس مكاريوس الكبير حياته النسكية مؤسسًا أول تجمع رهباني به حوالى سنة 330م، وتجمع حوله الكثير ممن أرادوا حياة التجرد والنسك وأصبح هذا المكان سنة 356م مأهولًا بالرهبان ومن أشهر قديسي تلك الفترة الذين تتلمذوا علي يدي أبو مقار القديسان مكسيموس ودوماديوس إبنا ملك الروم فالنتينوس (364-375م)، والقديس إيسيذورس قس القلالي، والقديس الأنبا موسي والقديس الأنبا أرسانيوس معلم أولاد ملوك روما، والقديس الأنبا بفنوتيوس أب شيهيت.

وينوه الدكتور ريحان لأديرة وادى النطرون ومنها دير الأنبا مقار ودير قبطي أرثوذكسي بصحراء وادي النطرون في مواجهة مدخل مدينة السادات، في الجهة الشمالية من مدينة القاهرة، ويُنسب إلى الأنبا مقار الكبير تلميذ الأنبا أنطونيوس الكبير مؤسس الرهبانية المسيحية.

وقد ترهب مقار الكبير واعتكف بصحراء وادي النطرون وبدأ بإنشاء صومعته في الثلث الأخير من القرن الرابع الميلادي وكان يرأس الدير البابا شنودة الثالث ويضم الدير قلايا الرهبان وكنيسة الأنبا مقار وقصر الضيافة وكنيسة التسعة وأربعين شهيدًا من شيوخ شيهيت، وبجانبها توجد حجرة أو قلاية تُعرف بقلاية الميرون، وكان يطبخ بها زيت الميرون قديمًا وحصن الدير ومدفن للرهبان المسمّى الطافوس وكنيسة أباسخيرون والمائدة ومكتبة تُعتبر أكبر مكتبة ديرية لحفظ ما تبقى من المخطوطات والكتب النادرة ومخزن متحفي وتعرض فيه القطع الرخامية التي عُثر عليها أثناء تجديد الدير مثل الأعمدة وتيجانها وقواعدها ولوحات المذبح التي تعتبر من أندر القطع في العالم، هذا بالإضافة إلى أحواض اللقان والأواني الفخارية والخزفية الملونة.

ويشير الدكتور ريحان إلى دير الأنبا بيشوى وهى كلمة قبطية تعني سامي أو عالي، وقد تأسس هذا الدير علي يد الأنبا بيشوي الذى عاش خلال القرن الرابع الميلادي (320-417م)، وكان الدير عبارة عن مجموعة من القلالي تحيط بالكنيسة، ولم يكن له أسوار، أما الأسوار الحالية فتعود إلى القرن التاسع الميلاديويُعَد أكبر الأديرة العامرة بوادي النطرون، أنشأه الناسك الجليل القديس بيشوي بمعاونة مجموعة من الرهبان له أواخر القرن الرابع الميلادي ودير السريان ويرجع تاريخ نشأة الدير إلي أواخر القرن الخامس الميلادي واشتهر بإسم دير السريان بسبب سُكني بعض الرهبان القادمين من سوريا وبلاد المشرق داخل الدير بجانب الرهبان الأقباط في الفترة من القرن الثامن حتي القرن السادس عشر الميلادي.

ويوضح أن دير البراموس سمي هذا الدير بإسم دير السيدة العذراء براموس، وكلمة براموس مشتقة من الكلمة القبطية " بي روميئوس" والتي تعني الرومي أو باروميئوس والتي تعني الذي للروم نسبة للقديسين الروميين مكسيموس ودوماديوس إبنا ملك الروم فالنتينوس (364-375م)،  وهم من آباء القرن الرابع الميلادي أنشئ عام 340م علي يد الأنبا مكاريوس بعد أن ازدحمت برية شيهات بالنساك والمتوحدين، و يقع فى أقصى شمال غرب برية وادى النطرون والتى يطلق عليها بقعة أولاد الملوك( مكسيموس ودوماديوس)  ويبعد عن مدينة الرست هاوس بحوالى12كم.