حديث الأسبوع

اللقط كحلول لمواجهة تداعيات أزمة كورونا

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

تسعى مجموعة البنك الدولى إلى كسب رهان السباق مع صندوق النقد الدولى فى مجال تلميع الصورة باستغلال الظروف العصيبة جدا التى يجتازها العالم، بسبب تداعيات انتشار أحد أخطر الجوائح فى تاريخ البشرية قاطبة. فبعد أيام معدودة على رءوس الأصابع من نشر التوصيات الغامضة التى تحتمل عدة قراءات متضاربة، ولكنها لن تفيد فى شيء، التى أطل بها صندوق النقد الدولى على الرأى العام العالمى، والتى تمثل طبيعة المعالجة التى يقترحها لمواجهة ما ترتب عن هذه الجائحة من عواقب وخيمة، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، أطلت علينا مجموعة البنك الدولى بتصريح صحافى أعلنت من خلاله على أن عملياتها الطارئة قد شملت 100 بلد من البلدان النامية التى يعيش فيها 70 بالمائة من سكان المعمورة. واستفاضت فى تعداد محاسن فعلها، بأن كشفت بأنه منذ شهر مارس الماضى قدمت هذه المجموعة ما قدرته بـ «مستويات قياسية من المساندة على وجه السرعة لمساعدة البلدان على حماية الفئات الفقيرة والأولى بالرعاية، وتعزيز الأنظمة الصحية والحفاظ على القطاع الخاص، ودعم التعافى الاقتصادي» وأكدت أن هذه المساندة التى وصفتها بـ «أكبر وأسرع استجابة فى مواجهة الأزمات فى تاريخ مجموعة البنك» تشكل ما اعتبرته «معلما بارزا فى تنفيذ التعهد الذى قطعته المجموعة على نفسها بإتاحة 160 مليار دولار من المنح والمساندة المالية خلال 15 شهرا، لمساعدة البلدان النامية على مواجهة الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية لجائحة كورونا، والإغلاق الاقتصادى فى البلدان المتقدمة» وحرص مسئولو هذا التجمع المصرفى الأممى على تعزيز مضامين خروجهم الإعلامى ببعض الأرقام التى تجسد حجم الدعم المالى الذى قدمته المجموعة لبعض الدول خصوصا فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وسواء ارتبط الأمر بصندوق النقد الدولى أو بمجموعة البنك الدولى، فيما يتعلق بإبراز ما يعتبرونها جهودا للمساعدة على مواجهة تداعيات الوباء الخطير، فإن الدفوعات لم تكن مقنعة، ولا يبدو مسلما به بأن أكبر وأقوى التنظيمات المالية المرتبطة بالأمم المتحدة، والتى خرجت إلى حيز الوجود قبل حوالى 75 سنة لبناء ما دمرته الحروب، بذلت فعلا ما يجب من جهود لتمكين الدول النامية وذات الاقتصاديات الضعيفة والمتوسطة من وسائل مواجهة أزمة طارئة قبضت بأنفاس الحياة فى العديد من أقطار المعمورة، ولا حتى قامت بما يمليه عليها واجبها الإنسانى.
وبعيدا عن لغة الأمانى والتمنيات، وبعيدا حتى عن محاولات توزيع بعض الفتات على الدول الفقيرة، فإن البنك الدولى يملك من المناهج والإمكانيات ما يساهم فعلا فى التخفيف الكبير والملحوظ من آثار الجائحة على كثير من أقطار العالم المحتاجة. وليس أقل ذلك أهمية إعادة النظر فى قضية الديون المتراكمة على العديد من الدول ذات الاقتصاديات الضعيفة والمحدودة، ذلك أنها وجدت نفسها فى حالة عجز على مواصلة التسديد، بسبب ما ترتب عن الأزمة الطارئة، وبالنظر إلى حجم هذه الديون، وتكلفة خدماتها عبر الفوائد فالإحصائيات الرسمية التى كشفت عنها تقارير حديثة، تؤكد أن إجمالى الديون الخارجية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تجاوز 7،1 تريليون دولار، وهى تمثل شكيمة محكمة تقبض بها الأوساط المالية العالمية الكبرى بالنظام الاقتصادى العالمى، وتمكنها من التحكم فى الاختيارات الاقتصادية السائدة، ومن توجيه السياسات الاقتصادية القطرية والجهوية. والأكيد أن هذه الديون لم تمثل حلولا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة، ولم تخدم الأهداف المعلنة، التى قيل إنها تتجسد فى مساعدة الدول المستديمة على تحقيق النمو والازدهار، ولنا فى تصريح سابق للسيدة سيلا بازار باسيو نائبة رئيس مجموعة البنك الدولى لشئون النمو المنصف والتمويل والمؤسسات، التى أكدت فيه أن «التاريخ يبين أن قفزات الديون الكبيرة غالبا ما تصاحبها أزمات مالية فى البلدان النامية التى يتجشم فيها السكان كثيرا من العناء» ولسنا هنا فى حاجة إلى التذكير بالأزمات السياسية التى أعقبت سنة 1982 حينما سجلت الديون العالمية مستويات كبيرة جدا، وفرضت مجموعة البنك الدولى وصندوق النقد الدولى شروطا تعجيزية لمنح القروض، تمثلت آنذاك فى سياسة التقويم الهيكلى التى فرضت مراجعات فى السياسات الاجتماعية فى البلدان المستديمة، مما تسبب فى هزات سياسية فى العديد من الأقطار بالعالم. ولكى ندرك ونقدر حجم هذه الديون وتكلفة خدمتها على الموازنات الوطنية، لا بد من أن نذكر بأن أعباء هذه الخدمة انتقلت من 3 مليارات دولار سنة 1965 إلى ما يتجاوز 352 مليار دولار قبل حوالى عشر سنوات من اليوم، وتصل التقديرات الحالية إلى أكثر من 500 مليار دولار، وهذا يعنى أن الأوساط المالية القوية فى العالم، سواء كانت تجمعات مصرفية ومالية أو اقتصاديات كبري، تأخذ ما يتجاوز نصف تريليون دولار كفوائد عن القروض التى كبلت بها الدول الفقيرة والمعوزة وذات الدخل المحدود والمتوسط.
إذن، لماذا تغض مجموعة البنك الدولى وصندوق النقد الدولى الطرف عن هذه المعضلة التى تكبل الاقتصاديات الضعيفة والنامية وتجعلها عاجزة، ليس فقط على مواجهة الأزمات الطارئة كما حصل مع جائحة كورونا، بل وتفقدها القدرة على الاستجابة للمعدلات الدنيا من الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لغالبية سكان العالم؟
فقد تعالت أصوات منظمات حقوقية وأوساط سياسية تناشد المؤسسات والتنظيمات المالية العالمية إعادة النظر فى قضية الديون الخارجية، بين من طالب بانتهاز فرصة هذه الأزمة الإنسانية العالمية من أجل إلغاء هذه الديون، وبين من اقترح حدودا دنيا من التعبير عن الانتماء الإنسانى لهذه التنظيمات المالية، باقتراح إلغاء الفوائد المترتبة عن الديون لتحرير الدول الضعيفة المستديمة من أعباء خدمة هذه الديون، وبين من اختار الوسطية فى التعامل مع هذه القضية، باقتراح تحويل هذه الديون إلى استثمارات فى البلدان المستديمة فى إطار إعمال حل رابح / رابح. لكن مجموعة البنك الدولى وصندوق النقد الدولى اختارا الالتفاف على هذه الظروف العصيبة باقتراح حلول بدون فعالية، ليتسنى لهما الادعاء القيام بالواجب، وأقصى ما ملكت أياديهم فى هذا الشأن اقتراح تأجيل السداد وتشتيت قليل من الفتات كحبات قمح وشعير يتسابق عليها الديكة قصد اللقط.