الاقتصادي العالمي محمد العريان: احذر من «الصدمة المأساوية» بسبب كورونا.. ولابد من حماية الضعفاء

محمد العريان
محمد العريان

كشف الدكتور محمد العريان، الاقتصادي العالمي، أن ما يعانيه الاقتصاد في العالم حاليا يمثل الصدمة الثالثة في غضون 10 سنوات، حيث كانت الصدمة الأولى بسبب العولمة، ما أدى إلى إبعاد وتهميش قطاعات معينة من السكان، والثانية جاءت بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، موضحا: لدينا الآن صدمة ثالثة، تشمل جميع القطاعات الثلاثة، وهى الأسر والحكومات والشركات، وسينضم قطاع الشركات بسبب التحول الكبير في التركيز من الكفاءة إلى المرونة، والابتعاد تدريجياً عن المفاهيم التي اعتنقت منذ فترة طويلة لإدارة المخزون في الوقت المناسب وسلاسل التوريد العالمية الفعالة من حيث التكلفة.

وأضاف الدكتور محمد العريان في مقابلة مع مؤسسةIFC Insights، أن الاقتصاد العالمي الآن في رحلة مقلقة إلى وجهة غير مؤكدة، الرحلة المقلقة ترجع بشكل رئيسي إلى الاضطرابات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي المرتبطة بالصحة، لا نعرف إلى متى ستستمر هذه الرحلة، خاصة للاقتصادات الناشئة .

وتابع العريان: لقد تغيرت الشروط الأولية للنجاح، إذا نظرت إلى العالم القديم، باستثناء الصين، لأن الصين هى حقًا نموذج نمو خاص جدًا، كانت سنغافورة وكوريا تتقن هذا النجاح لكن الآن الظروف تغيرت في العالم الجديد بعد كورونا، لذا لا بد من العمل على تحفيز النمو ومعتمدا على ذاتك كثيرا وتستطيع تلبية المتطلبات المحلية ، لذا ، فإن أول شيء تغير هو إمالة نموذج النمو. 
 
وأضاف: الشيء الثاني الذي تغير هو أنه في العالم القديم ، اشترى الناس فئ نظام عالمي مع مؤسسات ذات مصداقية وسيادة القانون وبقدر ما كانت هناك انتهاكات في العولمة ، كانت هناك عملية راسخة لتسوية النزاعات، أما في العالم الجديد، يتم حل النزاعات بشكل ثنائي أكثر من تعدد الأطراف، بالتالي هذا الأمر يضع البلدان النامية في وضع غير مناسب .

وأشار محمد العريان ، إلى أنه من المهم جدًا القيام بكل ما في وسعك لإيقاف تحديات السيولة التي تتحول إلى مشكلات في الملاءة المالية، ويمكن التغلب على مشكلة السيولة بسرعة ولكن مشكلات الملاءة أكثر صعوبة، لافتا إلى أن الشيء الثاني هو حماية الشرائح الأكثر ضعفا من السكان الذين ببساطة ليس لديهم المرونة الهيكلية أو المرونة المالية لأنها ليست مجرد قضية اقتصادية ومالية، كما أنها قضية اجتماعية حرجة يمكن أن تؤدي إلى زيادة عمالة الأطفال، وزواج الأطفال، وحمل المراهقات، والعنف المنزلي، في حالة إساءة التعامل معها.

وأوضح أنه من المهم تجنب تسريح العمال من العمل الذي يتحول إلى بطالة طويلة الأجل وانخفاض في معدل المشاركة في العمل، ولابد أن ندرك أن هناك مراحل مختلفة حيث ستحتاج البلدان إلى الكثير من المساعدة، وإدراك أنه يجب عليك تقديمها وفقًا لذلك.

وقال العريان: عليك أن تسأل.. ما هو النجاح؟ أنت بحاجة إلى مقاييس واضحة للنجاح لأن التدخلات الطارئة بحكم التعريف تقريبًا سترتكب أخطاء، وفي ظل كل هذه الظروف، هناك احتمال كبير لحدوث أخطاء، الشيء المهم هو اكتشافهم بسرعة، وتصحيح المسار حسب الحاجة.

وحول رؤيته للمراحل الثلاثة لمواجهة الوضع، أوضح محمد العريان أن المرحلة الأولى هى الراحة، نتيجة للإغلاق المفروض والتوقف الاقتصادي المفاجئ، وهى مرحلة تلبي متطلبات الصحة العامة، من خلال التباعد الاجتماعي ، والانفصال، والعزلة، وما يرتبط به الاقتصاد والمجتمع، والعكس الصحيح. لذا فإن الضرر شديد، موضحا إن التداعيات على البلدان النامية هائلة، ما يستدعى أن تركز جهود الإغاثة على الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفًا بسرعة.

والمرحلة الثانية هى مرحلة إعادة الفتح التجريبية، موضحا : بينما نعيد الفتح دون أن نتغلب على الفيروس، نقوم بتحويل البندول، الذي تم تعيينه في البداية على الاقتصاد العادي ، وتأرجح على طول الطريق إلى الإغلاق، والآن يتأرجح جزئيًا نحو الاقتصاد العادي، لكنه يضغط على كلا الجانبين. 

وكشف العريان انه إذا سارت الأمور بسرعة كبيرة ، فإن الأرواح معرضة للخطر، وإذا سارت الأمور ببطء شديد ، فإن سبل العيش معرضة للخطر، متابعا: أو كما قال لي صديق أفريقي: "إذا ذهبت بسرعة كبيرة، فأنت تخاطر بالموت من العدوى، وإذا ذهبت ببطء شديد ، فإنك تخاطر بالموت من الجوع".. هذا توازن صعب للغاية وهنا، يهدف التدخل إلى جعل إعادة الافتتاح مسألة صحية قدر الإمكان.
أما المرحلة الثالثة كما يراها الدكتور محمد العريان هى مرحلة الاستقرار على مستوى ما حيث تكون المخاطر الصحية والاقتصادية متوازنة بأفضل ما يمكن، وتكون مناعة المجتمع في الأفق، وتتعلق بالحوافز السياسية.

وأشار العريان إلى أننا نحتاج إلى تجنب "الوضع الطبيعي الجديد بعد كورونا والذي سيكون أسوأ وأقل استقرارًا، محذرا من ظهور "الصدمة المأساوية" جراء COVID-19 مع انخفاض الإنتاجية ، وارتفاع الديون ، وزيادة الطلب البطيء، منا يترتب عليه انخفاض النمو وزيادة عدم الاستقرار المالي، والتفاوت الأكبر في الدخل والثروة والفرص، وبالتالي الضغوط على سلامة المجتمع، لذا يجب أن تتعامل مرحلة التحفيز مع حقيقة الوضع.

 وأشار أن ما يتطلبه الأمر أولاً وقبل كل شيء هو تحسين الإنتاجية مع التركيز على العمالة ورأس المال في المخاض ، لافتا أن هناك حاجة لإعادة التدريب وإعادة التدريب، حيث سيكون لدينا عدم تطابق كبير في المهارات نتيجة لذلك ، وسنواجه خطر البطالة طويلة المدى.

وأشار أيضا إلى انه علينا أن نبذل كل ما في وسعنا للتأكد من أن إنتاجية العمل لا تتأثر بشكل كبير على صعيد رأس المال ، حيث لدينا فرصة لتحديث وتحسين بنيتنا التحتية ثم علينا أن نعبئ الأشياء الجيدة التي تبرز من هذه الأزمة ومن الأمثلة على ذلك ، شراكات عامة أفضل .

واقترح العريان أن نتعامل مع حقيقة أن بعض الديون إما غير قابلة للدفع بالفعل أو ستصبح كذلك، فعلى المرء أن يواجهها كما فعلنا في الثمانينات مع أمريكا اللاتينية وبعض البلدان النامية الأخرى، كما فعلنا في التسعينات، مع مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون للبلدان المنخفضة الدخل.

 وتابع: علينا أن ندرك في وقت مبكر التحدي المتمثل في عبء الديون المتراكمة والتعامل معها بالفعل، فأحد الدروس الكبيرة لهذه الأزمة هو أن مستوى التنسيق العالمي غير مناسب للغاية نظرًا للمشكلات العالمية التي نواجهها، وبالنظر إلى الحاجة إلى المسؤولية المشتركة.

 
وحول مدى واقعية توقع الإصلاحات الهيكلية، قال إن الخطأ الذي ارتكبناه في الخروج من الأزمة المالية العالمية لعام 2008 هو أننا ربحنا الحرب ضد الكساد العالمي من خلال التنسيق العالمي المذهل والأعمال البطولية من قبل البنوك المركزية ، لكننا فشلنا في تأمين السلام.. لذا.. بدلاً من الظهور في عالم يكون فيه نمو أعلى شاملاً حقًا ومستدامًا ولديه استقرار مالي حقيقي.