ورقة وقلم

جرأة الحلم..!

ياسر رزق
ياسر رزق

الثورة الحقيقية ليست فقط تغيير نظام حكم خيانى بآخر وطنى، إنما هى أيضا القدرة على إحداث تغيير جذرى فى حياة الجماهير

سألت د.مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، أثناء فترة الاستراحة عقب افتتاح مشروع «بشاير-3» بالإسكندرية: بعد هذه المرحلة، كم وصل عدد الوحدات السكنية المخصصة لقاطنى العشوائيات الخطرة؟
أجاب قائلاً: 200 ألف وحدة أنشئت بالفعل. منها أكثر من 18 ألفاً فى مشروع الأسمرات بالقاهرة بمراحله الثلاث، وأكثر من 13 ألفاً فى مشروع البشائر بالإسكندرية بمراحله الثلاث الأولى. أما باقى الوحدات فهى موزعة على العاصمة ومحافظات الجمهورية.
قلت: إذن أنجزنا أكثر مما كان مخططاً لإسكان أبناء العشوائيات الخطرة وهو 180 ألف شقة.
قال د.مدبولى: هناك 24 ألفا أخرى يجرى إنشاؤها وسينتهى العمل فيها بنهاية هذا العام.
ثم أضاف: هناك خبر جديد لك. لقد كلفنا الرئيس بإنشاء 50 ألف وحدة سكنية أخرى لسكان العشوائيات الخطرة فى مختلف المحافظات، ونأمل الانتهاء منها خلال 18 شهراً، أى فى نهاية عام 2021.
وقبل أن استطرد فى التفاصيل مع رئيس الوزراء. مال عليه العميد طارق عفيفى كبير الأمناء برئاسة الجمهورية، وفهمت أن السيد الرئيس يطلبه للحضور.
< < <
مع نهاية هذا العام، سيكون عدد الأسر التى انتقلت من مناطق العشوائيات الخطرة إلى الوحدات السكنية الجديدة 224 ألف أسرة، بإجمالى مليون و120 ألف إنسان مصرى، وجدوا لهم أخيراً مكاناً لائقاً يسترهم تحت شمس الوطن.
العدد سيصل إلى مليون و370 ألف مصرى بنهاية العام المقبل، مع اكتمال إنشاء 50 ألف وحدة جديدة، مثلما قال لى رئيس الوزراء.
هذا الرقم يمثل 1.3٪ من سكان مصر، ويعادل 13٪ من سكان السويد و12٪ من سكان بلجيكا، و50٪ من سكان قطر بما فيهم الأجانب الذين يشكلون 80٪ من تعداد ذلك البلد!
< < <
حينما كان الرئيس السيسى يشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الشمالية منذ عام 2008 وحتى مطلع عام 2010، اعتاد أن يمر بسيارته على منطقة عشوائيات غيط العنب، وعشوائيات مأوى الصيادين بالقبارى، كان الألم يعتصره وهو يرى الحال المزرية التى يعيشها أبناء المنطقتين فى عشش تأنف من سكناها  الكائنات. مثلما كانت الغصة تطبق على صدره، وهو يعاين أوضاع سكان المقابر على مرمى حجر من مسقط رأسه بالجمالية، وبالقرب منهم سكان العشوائيات الخطرة بمنشأة ناصر والأبجية، المهددون فى حياتهم وحياة أحبائهم.
كان السيسى يتساءل متى يأتى هذا اليوم الذى تتغير فيه حياة هؤلاء البسطاء. لم يكن يتمنى لهم مجرد مسكن مسقوف، بدل عشش الصفيح التى تؤويهم أو أكواخ القش التى تهتك أسراراً أكثر مما تستر عورات، أو بيوت الطين التى تلسعها شمس الصيف وتذيبها أمطار الشتاء، لم يكن يتمنى لهم مجرد مسكن آمن لا يقف على رأس هضبة مهددة بالسقوط من عل، أو يجلس عند أقدام تل، وفوقه صخرة تترنح.
< < <
امتلك السيسى جرأة الحلم.
يراوده حلم، بأن يرى هؤلاء المصريين البسطاء، يسكنون وأسرهم، فى شقق فاخرة، لا منازل إيواء، ولا مساكن شعبية، مؤثثة بالأثاث اللائق، ومجهزة بالأجهزة المنزلية والكهربائية، على نفقة الدولة، وتحيط بهم الحدائق والملاعب فى تجمعات عمرانية مزودة بالمدارس الحديثة والعيادات الصحية والمحال التجارية.
كان الحلم جريئاً، وربما لم يجر على خاطر السيسى أنه بعد 4 سنوات ونصف، منذ اليوم الذى ترك فيه قيادة المنطقة الشمالية، سيكون بيده أن يحقق حلمه.
كان الحلم طموحاً، وربما لو فاتح السيسى فور أن تولى منصبه الشعب بتفاصيل حلمه واتساع آمال مشروعه لأبناء العشوائيات وبالأخص العشوائيات الخطرة، لظن كثير أن الرجل لن يقدر، حتى لو كان ما ببنصره الأيسر، هو خاتم سليمان..!
امتلك السيسى قلبا ً جسوراً، وبصيرة تستشرف المستقبل، وإرادة فولاذية، وحول حلمه فى غضون أقل من 6 سنوات من توسده سلطة الحكم إلى حقيقة.
وصار بحق رمزاً لأصحاب الحلم من الزعماء وأولى العزم من القادة على مر العصور.
< < <
استحضر السيسى يوم الخميس الماضى حلمه الجرىء. كان يتحدث للحاضرين فى الاحتفال بافتتاح مشروع «بشائر-3» الذى يضم 10624 وحدة سكنية فى الموقع الذى كانت تشغله عشوائية مأوى الصيادين بالقبارى.
بدا سعيداً وهو يستشعر سعادة أكثر من 50 ألف مصرى سيسكنون هذه الوحدات الفاخرة فى هذا المنتجع الحديث المزود بكل الخدمات والملحق به منطقة تجارية متكاملة.
لعله بدا فخوراً أيضاً بأن هؤلاء البسطاء سينفضون عذاباتهم بعد أن يتم منحهم شققاً محترمة لائقة، مساحة كل منها 90 متراً، مؤثثة بغرف النوم والاستقبال والسفرة ومجهزة بالثلاجات والغسالات ومحتويات المطابخ والتليفزيونات كل ذلك دون مقدمات، وإنما مجانا لمن كان يمتلك وحدة فى مأوى الصيادين أو بايجار شهرى 250 جنيها لمن كان يستأجر وحدة.
قال السيسى: «إنها جرأة الحلم»، وهو يقارن بين حال المنطقة منذ شهور وهى غارقة فى مرارة العشوائية وهى تعانى من افتقاد أبسط مقومات الحياة الكريمة، وحالها الآن الذى لم يخطر على قلب بشر.
ثم نظر إلى معاونيه من كبار المسئولين، وخاطب الوزراء والمحافظين قائلا: «احلموا.. احلموا لبلدكم، ولأنفسكم».
.. ويا لها من نصيحة..!
< < <
لو لم يكن لثورة 30 يونيو وبطلها عبدالفتاح السيسى من انجاز، سوى انتشال مليون و120 ألف إنسان مصرى من مستنقع العشوائيات الخطرة، ونقلهم إلى مساكن كريمة لائقة، لكفاها.
الثورة ليست فقط تغيير نظام حكم حتى لو كان خيانياً، بنظام حكم آخر حتى لو كان وطنياً مخلصاً.
الثورة الحقيقية هى إحداث تغيير حقيقى فى حياة الناس.
هى نقلة من اليأس إلى الأمل.
ومن البؤس إلى الكرامة.
من اللحظة الأولى، كانت عينا السيسى على البسطاء الذين يسكنون عشش الصفيح ويأكلون أرجل الدجاج مسلوقة فى ماء زفر..!
وانخرط السيسى فى عمل دءوب يحيل الحلم إلى حقيقة، والأمنية إلى واقع.
وما أبعد الفارق فى حياة هؤلاء البسطاء بين يونيو 2014 ومايو 2020.
على أن التغيير الأهم فى رأيى، هو ذلك الذى يطال حياة أبناء هذه الأسر ممن هم فى سن الصبا أو الطفولة، فقد اترعت قلوبهم أخيرا بالبهجة من بعد طول إحباط، وامتلأت نفوسهم عشقاً لوطن وولاء لبلد يشعر بأبنائه البسطاء ويفسح لهم مكانا لائقا فوق ترابه المقدس.
حصاد هذا التغيير سوف نجده حتما فى قادم الأعوام، صلابة فى بنيان المجتمع ورفعة فى مكانة الوطن.
< < <
إذا كانت الجماهير ثارت فى 30 يونيو من أجل تغيير نظام الحكم، فإن الشعب يستكمل ثورته فى جمهورية السيسى من أجل تغيير حياة الناس.
وتبقى دعوة السيسى بالتحلى بجرأة الحلم سبيلاً لكل صاحب همة لتغيير الواقع على أرض الوطن إلى ما يلامس حدود الخيال..!